شغور دستوري طويل يخيم على لبنان بدفع من عون وحزب الله
بيروت - اختار الرئيس اللبناني المنتهية ولايته مغادرة منصبه بإحداث فراغ دستوري آخر حين قرر في اللحظة الأخيرة التوقيع على مرسوم إقالة الحكومة برئاسة نجيب ميقاتي مع توقعات بسعي حزب الله، القوة النافذة عسكريا وسياسيا إلى عرقلة أي تسوية لا تأتي برئيس موال له.
ويرى محللون ومعارضون أن شغور الرئاسة مرتبط بشكل رئيسي بسعي حزب الله، وحلفائه إلى التوصل إلى تسوية، على غرار ما حصل عند انتخاب عون، حليف الجماعة الشيعية المدعومة من إيران.
ويُنظر على نطاق واسع إلى الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية، على أنه المرشح الأمثل بالنسبة لحزب الله، وإن كان لم يعلن علنا دعمه له، لكن رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، صهر عون والطامح بدوره للرئاسة والمتحالف مع حزب الله، أعلن أنه لا يدعم فرنجية.
وسلطت خطوة عون الأخيرة قبل مغادرته قصر بعبدا، الضوء على النزاعات السياسية التي تعد السبب الرئيسي في حالة الفوضى السياسية.
ودستوريا يفترض أن يتولى رئيس مجلس الوزراء إدارة البلاد إلى حين انتخاب رئيس جديد للبلاد وهي عملية معقدة وطويلة مع غياب التوافق في برلمان مشتت ووضع يدفع حتما لتقديم خيار التسوية في نهاية المطاف طال الشغور الدستوري أم قصر.
والواضح أن عون الذي أنهى عهدة رئاسية خاوية لا انجازات فيها، أراد إحداث شلل وقطع الطريق على رئيس حكومة تصريف الأعمال لتولي زمام إدارة البلاد. وحتى اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل وهو الاتفاق الأبرز في عهدة خاوية، سيبقى معلقا ولن يستفيد لبنان منه لأن الأمر يحتاج إلى مراسيم وإطلاق عروض للبدء في أنشطة التنقيب.
وحكومة تصريف الأعمال بقيت أم رحلت بموجب مرسوم عون، لا تملك دستوريا صلاحية التوقيع على الاتفاقيات وهو ما يؤخر إلى حد كبير استفادة لبنان من الاتفاق، بينما يأمل اللبنانيون أن يشكل متنفسا للخروج من أزمة مالية طاحنة.
ويتوقع المحللون أن تطول مدة الشغور الدستوري في لبنان في ظل مشهد سياسي شديد التعقيد ونظام قائم على المحاصصة والتسويات.
ودخل لبنان الثلاثاء مرحلة شغور رئاسي غداة انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون لعدم وجود مرشح قادر حتى اللحظة على حصد الأكثرية المطلوبة لانتخابه في البرلمان، ما يهدد بتعميق أزمات البلاد الغارقة في انهيار اقتصادي مزمن.
ويأتي الفراغ في وقت تحتاج فيه البلاد إلى سلطة قادرة على اتخاذ قرارات ضرورية وتنفيذ إصلاحات لضمان الحصول على مساعدات دولية تساعد على إخراجه من دوامة الانهيار الاقتصادي.
وفي لبنان، عادة ما يؤخر نظام التسويات والمحاصصة القائم بين القوى السياسية والطائفية، القرارات المهمة، فيتأخر تشكيل الحكومة أو انتخاب رئيس للبلاد لعدة أشهر.
وفي العام 2016، وبعد أكثر من عامين من فراغ في سدة الرئاسة، انتخب ميشال عون رئيسا بعد 46 جلسة انتخاب في المجلس النيابي إثر تسوية بين الفرقاء السياسيين.
وعلى وقع الانقسامات السياسية الحادة، فشل البرلمان منذ نهاية سبتمبر/أيلول أربع مرات في انتخاب رئيس جديد للبلاد، خصوصا أنه لا يملك أي فريق في مجلس النواب أكثرية تخوله انتخاب رئيس.
وفي جلسة الانتخاب، يحتاج المرشّح في الدورة الأولى من التصويت إلى غالبية الثلثين أي 86 صوتا للفوز. وفي حال جرت دورة ثانية، تصبح الغالبية المطلوبة 65 صوتاً
وبرغم أنّ عدم احترام المهل الدستورية شائع في لبنان، إلا أن الفراغ هذه المرة يأتي مع وجود حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية، وبعد ثلاث سنوات على احتجاجات غير مسبوقة طالبت برحيل الطبقة السياسية كاملة.
ويشهد لبنان منذ ثلاث سنوات انهيارا اقتصاديا صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ عقود، بات معه أكثر من ثمانين بالمئة من السكان تحت خط الفقر.
وأدخلت خطوة عون (إقالة الحكومة) البلاد في جدل دستوري حول صلاحيات حكومة تصريف الأعمال، إلا أن خبراء يقللون من تداعياتها ويضعونها في إطار الصراع على النفوذ. ومنذ أسابيع، يتبادل عون وميقاتي الاتهامات بتعطيل تأليف حكومة نتيجة شروط وشروط مضادة.
وردا على عون، اعتبر ميقاتي أن "الدستور واضح بأن الحكومة تستلم صلاحيات رئيس الجمهورية"، وأبلغ رئيس البرلمان نبيه بري "بمتابعة الحكومة لتصريف الأعمال والقيام بواجباتها الدستورية كافة"، مؤكدا أنه لن يدعو إلى اجتماعات لمجلس الوزراء "إلا في حال الضرورة القصوى".
وأوضح مصدر حكومي أن "ميقاتي سيتابع إدارته للبلاد كما هو الحال منذ أن أصبحت حكومته حكومة تصريف أعمال" بعد الانتخابات البرلمانية، مشيرا إلى أن "ذلك يؤثر بشكل كبير على عمل الحكومة من ناحية عدم قدرتها على إصدار مراسيم أو حتى اتخاذ أي قرارات تتطلب موافقتها مجتمعة"، وبينها قرارات متعلقة ببدء التحضير للتنقيب واستخراج الغاز من المياه الإقليمية إثر التوقيع الأسبوع الماضي إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل.
ولا تلوح في الأفق حلول قريبة لأزمة الفراغ الرئاسي. ويقول نائب في البرلمان عن كتلة التنمية والتحرير التي يرأسها رئيس المجلس النيابي نبيه بري أن الأخير يبحث في الدعوة إلى حوار تتيح "التوافق" بين الكتل النيابية على اسم مرشح يحظى بغالبية أصوات النواب، مضيفا "ليس هناك فريق قادر على الإتيان بمرشح، لذلك لا حل سوى التوافق وإلا سندخل في شغور رئاسي طويل".
ويحظى النائب ميشال معوّض بتأييد كل من كتلة القوات اللبنانية، أبرز الأحزاب المسيحية، والكتائب اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، لكن حظوظه تبقى ضئيلة، ويصفه حزب الله بأنه "مرشح التحدي".
كما تتداول الدوائر السياسية اسم قائد الجيش جوزف عون، الذي لا يتيح له منصبه الإدلاء بمواقف سياسية، عدا عن أن انتخابه يتطلب تعديلا دستوريا.