شهادات مؤلمة تكشف استمرار العبودية في أفريقيا

أكثر من 40 مليون إنسان مرغمون على العمل بالسخرة أو على الزواج القسري أو أشكال أخرى من الاستغلال الجنسي، حسب تقديرات الأمم المتحدة.

لاغوس - كانت بليسنغ في السادسة من عمرها عندما رتبت أمها لانتقالها للعمل خادمة لدى أسرة في مدينة أبوجا النيجيرية دون مقابل على وعد بأن تلحقها هذه الأسرة بالمدرسة.

وفي بلدتها في جنوب غرب نيجيريا كانت الأم تكسب من المال ما يكفي لإطعام أطفالها الثلاثة. غير أنه عندما وصلت بليسنغ إلى أبوجا أجبرتها الأسرة على العمل طوال اليوم، بدلا من الذهاب إلى المدرسة، وكانت تضربها بسلك كهربائي إذا ما نسيت إحدى المهام المطلوبة منها وكانت تطعمها بقايا طعام عفنة.

وعندما انتقلت والدتها فيما بعد إلى المدينة لكي تكون أقرب إلى ابنتها كانت بليسنغ تعجز عن الإنفراد بها حين تأتي لزيارتها.

وتقول بليسنغ عن الأسرة "كانوا يقولون لي إن أمي قادمة وإن علي ألا أحكي لها عما يحدث لي وألا أقول حتى أي شيء".

وتضيف "كانوا يقولون إذا سألتني عن حالي يجب أن أقول إني على ما يرام".

في الوقت الذي يحيي فيه العالم ذكرى مرور 400 سنة على وصول أول العبيد الأفارقة إلى أميركا الشمالية وفقا للسجلات، لا تزال العبودية بلاء في العصر الحديث.

وتقول الأمم المتحدة إن التقديرات تشير إلى أن أكثر من 40 مليون إنسان مرغمون على العمل بالسخرة أو على الزواج القسري أو أشكال أخرى من الاستغلال الجنسي.

وبليسنغ التي أصبحت الآن في الحادية عشرة من عمرها من هؤلاء الضحايا. وفي 2016 أنقذتها مؤسسة القضاء على الاتجار بالنساء وتشغيل الأطفال، وهي جماعة حقوقية تحارب الاتجار بالبشر، بعد عامين من العزلة والاستغلال.

ولا تزال بليسنغ تحت رعاية المؤسسة التي وافقت على إجراء مقابلة معها لهذا التقرير.

وتوجد في أفريقيا أعلى نسبة لانتشار العبودية إذ يقول تقرير أعدته مؤسسة ووك فري الحقوقية ومكتب العمل الدولي في 2017 إنه يوجد أكثر من سبعة ضحايا بين كل ألف نسمة.

ويعرف هذا التقرير العبودية بأنها "أوضاع استغلال لا يمكن للفرد رفضها أو الفكاك منها بسبب التهديدات أو العنف أو القهر أو الخداع أو استغلال السلطة".

ومن أوسع أشكال العبودية انتشارا في العصر الحديث الاتجار بالبشر من أجل الاستغلال الجنسي حيث يتعرض كثيرون للخداع ويحسبون أنهم سيحصلون على عمل آخر.

أعلى نسبة لانتشار العبودية توجد في أفريقيا
أعلى نسبة لانتشار العبودية توجد في أفريقيا

وتكشف التجارب التي عاشتها كلوديا أوزادولور وبروجرس أوموفهي كيف يزيد الفقر من فرص تعرض النساء للاستغلال.

فبعد أن تدهورت أحوال أسرة أوزادولور في مدينة بنين بجنوب نيجيريا انصرفت عن دراستها الجامعية وتوجهت إلى روسيا بعد أن حكت لها ابنة عمها عن شخص قد يساعدها في الحصول على عمل هناك مع دفع نفقات الصرف.

سافرت من نيجيريا مع ثلاث بنات أخريات لم تكن تعرفهن في يونيو/حزيران 2012. وعندما وصلت إلى روسيا جاءت "سيدة" لأخذها من المطار.

وتقول أوزادولور التي أصبحت الآن في الثامنة والعشرين من العمر إنها أرغمت على العمل في الدعارة وعانت إصابات داخلية بعد إجبارها على معاشرة ما يصل إلى 20 رجلا في اليوم.

وظلت في هذا الوضع ثلاث سنوات وكانت تلك السيدة تأتي كل أسبوعين لأخذ كل أموالها تقريبا.

وتسيل الدموع على خديها وهي تروي محنتها وانعتاقها بالهروب بفضل لقاء عابر مع مندوب لمنظمة الهجرة الدولية في محطة لقطارات الأنفاق.

وتقول "أشعر وكأني دفعت أكبر ثمن لعائلتي. لكني أحمد الله أني عدت على قيد الحياة".

وتمكنت أوزادولور من العودة للحياة الطبيعية في المجتمع إذ تدربت على الحياكة في بنين بدعم من جمعية خيرية نيجيرية.

أما أوموفهي (33 عاما) فوجدت نفسها مستعبدة بعد أن غادرت نيجيريا عام 2015 بحثا عن عمل، ودفعت 700 ألف نايرا (2290 دولارا) اقترضتها لتهريبها في رحلة عبر الصحراء إلى ليبيا على أمل السفر إلى أوروبا.

والوجهة النهائية المقصودة لأمثال هؤلاء الذين يتم تهريبهم عبر أفريقيا هي في الغالب أوروبا لكن قلة قليلة هي التي تحقق مرادها.

فالحال ينتهي بكثيرين إلى السجن أو البيع كعمالة عندما يصلون إلى ليبيا. بل إن جماعات الإغاثة تقول إن البعض يباع في أسواق للعبيد.

وتقول أوموفهي إنها ما إن وصلت إلى ليبيا حتى بدأت العمل ساعات طويلة كعاملة نظافة لدى أسرة ميسورة الحال في طرابلس دون أن تلقى ما يسد رمقها في كثير من الأحيان.

وأضافت "عملت ثلاثة أشهر ولم يدفعوا لي مالا في ذلك البيت".

ووعد وكيل آخر بمساعدة أوموفهي على الهرب بإرسالها إلى إيطاليا لكن الشرطة ألقت القبض عليها على الساحل الليبي واحتجزتها ستة أشهر. وعادت إلى نيجيريا في يوليو/تموز بموجب برنامج حكومي لمساعدة اللاجئين والمهاجرين.

وساهم هذا البرنامج في عودة أكثر من 14 ألف نيجيري للبلاد منذ 2017.