"شوكولا" بنكهة مختلفة

علاء زريفة يتكيء في مجموعته الجديدة على المفردة ومكانها في النص وطريقة توظيفها لتخدم الفكرة التي يودّ أن يقدمها في ثوب جديد.
الفكرة عند الشاعر سؤال فيه الكثير من البحث ومن الوجوه المختلفة للمعنى
العنوان دعوة مفتوحة لولوج النص والقبض على بعض أسراره

لطالما كان العنوان دعوة مفتوحة لولوج النص والقبض على بعض أسراره، فكيف إذاً والعنوان شديد الإغراء لتتذوق كل جملة شعرية فيه بطعم مختلف يقودك إلى عوالم متعددة الصور والمعاني، لتقف متأملاً في أسئلة وجودية يطرحها الشاعر علاء زريفة في مجموعته الشعرية الثانية التي تحمل عنوان "شوكولا" الصادرة عن دار دلمون الجديدة للطباعة والنشر.
يتكيء علاء زريفة في مجموعته الجديدة على المفردة ومكانها في النص وطريقة توظيفها لتخدم الفكرة التي يودّ أن يقدمها في ثوب جديد طارحاً رؤيته للعالم المتناقض الذي نعيش فيه، من خلال التركيز على متناقضات هي في الحقيقة جوهر الكون والوجود الإنساني، إنها ثنائيات الموت والحياة .. الحب واللا حب المرأة والأرض، إنها سعي الإنسان للمعرفة واكتشاف سرّ وجوده وخلقه وكشف علاقته بالخالق، من دون أن يكشف الشاعر عن رأيه وتصوره لهذه الفلسفة، حيث يترك هذه المهمة للقارئ الحصيف علّه يشاركه البحث عن الإجابة المشتهاة، من خلال وعيه وثقافته، ومن خلال بحثه فيما وراء السطور في نصوص نثرية يتأرجح الزمن فيها بين الماضي والحاضر، ولمَ لا أليس الحاضر والمستقبل وليد تجارب الماضي وخلاصة أساطيره وحكاياته، أليس هناك خيط يربطنا ويشدنا دائما إلى ما سبق، حتى نعرف كيف نستشرف مستقبلنا.. 
يقول زريفة في إحدى قصائده:
لا أدافع عن الفلسفة المغلقة على كنيسة واحدة
مذ خرجت من النار صِرت بشرياً
أسأل وأجيب، أدخل نفسي نفسها
لا عبادة ترفعني أعلى
لا طقس يخرج من رحم آلهتي
أكون الحبل السري.
فالفكرة عند الشاعر سؤال فيه الكثير من البحث ومن الوجوه المختلفة للمعنى، حيث يلج إلى المعرفة بعوالم الأسطورة موظفاً ثقافته الغنية في طرح بنية جديدة ومختلفة لقصيدة النثر، ليبحر القارئ بانسيابية الكلمات والصور المترابطة فيها مغلقاً عينيه في نهاية النص شارداً مأخوذاً مع جمال الفكرة، ليستنبط منها أجوبة تطفئ قلقه وحيرته أمام الكثير من القضايا.
أما المرأة في شعر زريفة فهي السر وهي جوهر الحياة وهي الحبيبة الغائبة الحاضرة في تفاصيل الكون وهي الجمرة التي تمنح الدفء في جسد العاشق حين يلفه صقيع عالم موحش، فيتقمصها أحيانا ويبعدها أحيانا أخرى ومن ثم يتكور في رحمها كنطفة الخلق الأولى :

Syrian Poetry
أنت لي

أنتِ لي
أنتَ لي
والزمان: أقصودة تتغلغل في فم الحكاية
وعاشقان يعبران ماضيهما على شفا هديل
تقول له: تعالَ إلى قلبي لأسحب ظلال ماضيِّ من تلهف خافت
إلى حنين لا يصل.
يقول لها: تعالي إلى صدري،
اسمك خفيف كنسمةٍ تمرّ بين الشفتين تُلهب ملح الذكرى
في نسيان يمتلئ بحاضر قد يصل.
 ومرة أخرى يعبر الشاعر محملاً بهموم العالم الموحش حين تُطحن الروح الرهيفة في بشاعة الواقع المرّ والحرب التي خلفت وراءها حجرا محروقاً وروحاً معلقة على مشنقة الخلاص، وهو المقاتل المدافع عن أرض ووطن وقضية، ماذا سيفعل في استراحته القصيرة حين يخبو صوت المعارك ويرتاح المقاتل على جراحه، هل يغمض عينيه ليحلم بصبح جديد أم يذرف دمعته على فقد كبير وروح مهشمة:
أنا طائر ما أريد
أجرحُ فخذي الأيمن لأشفى من لعنة الدم بالدم.
يا يهوذا ..
لهذا الموت.. أب يده أخمص بندقية
يدفعُ بجسده إلى الأمام، إلى الوراء.
لهذا الموت .. أمّ، انتظارها شال فوق جذع سنديانة، تعيد للتراب شهيداً
لم ير وجه قاتله.
أخيراً لا بد من الاعتراف بأن "شوكولا" هي مجموعة شعرية موفقة للشاعر الشاب علاء زريفة وهي جديرة بالقراءة  كونها فاتحة إبداع تبشر بولادة صاخبة لقصيدة مميزة.