شيخة المطيري تصعد إلى المرحلة الثالثه من "أمير الشعراء 8"

دينا الشيخ ومحمد الأمين جوب يتأهلان إلى المرحلة الثانية.
نجاة رجوي تغني "هذه ليلتي" لأم كلثوم والمجاراة تختار أبيات ولادة بنت المستكفي
تعزيز الاهتمام لدى المتلقين بالأدب عموماً وبالشعر العربي خصوصاً، بشقيه النبطي والفصيح

أحمد فضل شبلول

انطلقت مساء الثلاثاء سادس حلقات برنامج "أمير الشعراء"، أولى حلقات المرحلة الثانية، وهو البرنامج الذي تنتجه لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في أبوظبي، في إطار استراتيجيتها الثقافية التي تهدف إلى صون التراث، وإلى تعزيز الاهتمام لدى المتلقين بالأدب عموماً وبالشعر العربي خصوصاً، بشقيه النبطي والفصيح.
وشهدت الحلقة عدة أحداث، بين الإعلان عن اسمَي الشاعرَين المتأهلين إلى المرحلة الثانية، وذلك عن الحلقة الأخيرة من المرحلة الأولى، وتقارير حول الشعراء، وقصيدة مغنّاة، إلى جانب الحدث الأبرز الذي يتمثل في المنافسة بين الشعراء. 
وقبل بدء مجريات الحلقة؛ أعلنت مقدمة البرنامج لجين عمران عن تأهل الشاعرة دينا الشيخ من السودان ومحمد الأمين جوب من السنغال؛ إلى المرحلة الثانية، وذلك بعد جمع درجتي لجنة التحكيم في الحلقة الماضية مع نتيجة تصويت الجمهور لهما، لتتأهّل الشيخ بـ71% وهي التي تغيّبت عن الحلقة، وجوب بـ56%، فانضمّا بذلك إلى زميلهما الشاعر السعودي سلطان السبهان الذي تأهل في الحلقة الماضية، فيما خرجت الشاعرة منى القحطاني من المسابقة بـ54%.
آلية تحكيم المرحلة الثانية 
أعضاء لجنة التحكيم المكونة من أساتذة النقد: د. علي بن تميم، ود. صلاح فضل، ود. عبدالملك مرتاض؛ ترقبوا خلال الأمسية ما سيلقيه الشعراء الذين كان عليه الالتزام بآلية تحكيم المرحلة الثانية من المسابقة، والتي كشف عنها د. علي بن تميم، وحسب ما قال فإن هذه المرحلة تتكون من ثلاث حلقات، يتنافس في كل أمسية من أمسياتها خمسة شعراء، وتطلب اللجنة من كل واحد منهم في كل حلقةٍ قصيدة مقفاة أو عمودية، لكن اختيار موضوعها يخضع لحرية الشاعر، فإن قدّم الشاعر قصيدةً عمودية فلا بدّ أن يلتزم بكتابة أبيات لا تقل عن ثمانية، ولا تزيد عن عشرة، وإن قدّم قصيدةً مقفّاة فعليه أن يكتب 15 مقطعاً في الحدود الدنيا، و18 مقطعاً في الحدود القصوى.

أما بالنسبة لفقرة المجاراة ففي كل حلقة تختار اللجنة موضوعاً وعلى الشعراء الالتزام بمجاراته. وليلة الأمسية كان مفتتح المجاراة مع أبيات للشاعرة ولادة بنت المستكفي، وكان على شعراء الأمسية كتابة أربعة أبيات على وزن وقافية الأبيات التالية:
أغار عليكَ من عيني ومنّي ** ومنكَ ومن زمانك والمكانِ
ولو أنّي خبّأتك في عيوني ** إلى يوم القيامة ما كفاني
المطيري تتأهل بـ47 
بعد أن شهدت الحلقة منافسة عارمة بين الشعراء الخمسة الذين تم اختيارهم لتقديم إبداعاتهم، وهم: مبارك السيد أحمد من مصر، شيخة المطيري من الإمارات، ابتهال تريتر من السودان، هاني عبدالجواد من الأردن، وسعد جرجيس من العراق، فقد ذهبت فرصة التأهّل للمرحلة الثالثة للشاعرة شيخة المطيري إثر حصولها على 47 درجة بقرار لجنة التحكيم، تلاها في الدرجات هاني عبدالجواد بحصوله على 46 درجة، ثم ابتهال تريتر وسعد جرجيس بحصول كلّ واحد منهما على 44 درجة، وأخيراً مبارك سيد أحمد الذي حصل على 43 درجة.
هذه ليلتي
استمتع الجمهور ليلة أمس بالأغنية التي قدمتها نجاة رجوي ضيفة الحلقة، حيث شدت بأغنية "هذه ليلتي" لكوكب الشرق أم كلثوم، وهي من كلمات الشاعر جورج جرداق وألحان محمد عبدالوهاب.
تجاوُزاتٌ شَاعِرة
كانت البداية مع الشاعرة ابتهال تريتر من خلال نصها "تجاوُزاتٌ شَاعِرة"، والتي اعتبرها د. صلاح فضل مكثفة بالشعور، ومضمّخة بالعطور، وقادرة على التجاوز الجميل، وهي تمثيل صادق للسودان، وهي التي قالت في أبياتها الأولى:
نُودِيتُ من أعلى الفرادة من ثنِيَّات المُنى ** ألقِي فإن على يمينِك بُردتَين ومِئذَنة
أَنْسَلُّ من طينِيَتِي والأَرضُ تسألني يدي ** وعصايَ والحزنُ المخبأُ في رئاتِ الأمكِنة
أنثى وفي مَطرِ النِّضال وضعتُ.. أطهَر كلمة ** شقَّت بمَقدمِها الظَّلامَ وباركتْها الأزْمِنة
د. علي بن تميم أشار إلى أن في القصيدة قدراً كبيراً لا يُخفى من الإحساس بالأنا في البداية والنهاية، وهذه الأنا في هذه القصيدة اضمحلت مع الرومانسية، وفي البداية ثمة شعور بالتفرد والإلهام العلوي، فجاءت عبارة (ثنيّات المُنى) على غرار "ثنيّات الوداع"، وحضرت البردتين، بردة كعب وبردة البوصيري.  

جمهور أمير الشعراء
ولو أنّي خبّأتك في عيوني ** إلى يوم القيامة ما كفاني

من جانبه وجد د. عبدالملك مرتاض أن ابتهال أسقطت اسمها الديني على شعريتها في النص، حيث وجد في كل الأبيات ألفاظ دينية، موضحاً أنه بهذا النقد لا يمدح ولا يقدح، إنما يتحدث عن واقع.
سيرة الذي رأى فجرَ الرِّمال
بعنوان "سيرة الذي رأى فجرَ الرِّمال" ألقى الشاعر سعد جرجيس نصه، والذي هنأه عليه د. عبدالملك مرتاض، بقوله: "هكذا يا سعد تورد الإبل، فقد قدّمت نصاً شعرياً يليق بالمسابقة وبمستواها، تتناص فيه مع أحمد شوقي ومحمود درويش، وأعتقد أن ذلك قد يكون لصالحك. وقال جرجيس في الأبيات الأولى من النص:
ومرَّ على صدرِ مغتربِ ** سلامُ على النّخيلِ مع المَغرِبِ 
وألقى بدربِ الرّجوعِ ظِلالاً ** ونادى غيومَ الزّمانٍ اذهبي 
إلى أرضِ بغدادَ ما زالَ فيها ** سلامٌ قديمٌ وفجرُ نَبي
د. علي بن تميم تحدّث عن القصيدة، وقال إنها مكونة من ثلاثة أجزاء، السلام الذي يهب على صدر مغترب فيردّه إلى بغداد، ثم العلاقة بين البحر ومعرفة أسراره وعبوره، وكذلك الحديث عن احتلال بغداد، وهي قصيدة منبرية خطابية استدعت نصاً منبرياً لمحمود درويش "سجل أنا عربي".
وقال د. عبدالملك مرتاض: كان سعد بفضل هذا النص جديراً بالاعتزاء إلى منظومة الشعر العراقي، وظهر ذلك في الحركة الإيقاعية المستفزة التي تمنح الشعرية خفة وإيقاعاً موسيقياً أثيراً. 
وأردف د. فضل بأن الشاعر في أبياته يوجه نداء العودة للعراقيين، ووصفه بأنه نداء جميل وضروري عندما ينشد لبغداد (سلامٌ قديمٌ وفجرُ نَبي)، لأنها كانت مدينة السلام، وبهذا الاسم تؤلف لها الكتب، ثم يذكر الشاعر العبور بقوةٍ كما في البيت: (عبرتُ وفي شجرِ الرّوحِ دمعٌ/وفي البحرِ طفلٌ بلا مركبِ)، والبيت (أنا ما أضعتُ هديلَ الزّمانِ/ولا عبقاً من زُروعِ أبي).
سبعٌ عِجاف
نص "سبعٌ عِجاف" ألقته الشاعرة شيخة المطيري، وقد دلّ د. علي بن تميم على ما فيه من قوة في السبك، ومن أساليب شعرية متميزة، وأضاف بأن القصيدة بمجملها هي سبعٌ نديّات. ومن الأبيات الأولى للقصيدة قالت شيخة:
سبعٌ عجافٌ واكتملنَ على فمي ** من أينَ للطّينِ التّوجعِ يا دمي
والطّينُ أسرفَ في الكلامٍ وليتَني ** أبقيتُ بعضَ حقولِهِ في معصمي
هل لي ببعضِ الماءِ؟ بعضي متعبٌ ** والماءُ مِن بدءِ القصيدةِ مُلهمي 
بدأ د. عبدالملك مرتاض من تجسيد القصيدة لملحمة الطين، حيث اشتغلت الشاعرة على الطين وكأنها خزّافة، فالطين منه خُلقنا وإليه نعود، فهو يمثّل الأرض التي تمثّل بدروها الحياة والخصب، وبدا له أن هذه القصيدة أجمل وأحسن وأشعر من قصيدة المرحلة السابقة، ولكأن فيها شيئاً من التناص العام مع معلقة عنترة وخصوصاً في قوافيها، وهو استحضار فني واعٍ.
فيما قال د. صلاح فضل: إن شيخة تجسد في القصيدة حالة شعرية بالغة الرهافة والدقة والجمال، فهي تستعير حالة التكوين الحلمي الأول في قصة يوسف لتوظفه رمزاً شعرياً، وتعمل على عقد شفرته السرية، فيمتزج لديها الخلق البشري بالطين والماء بالخلق والإبداع، ليعبر عن أوجاعه المكتومة والمكلومة. 
ومن العنوان "سبعٌ عِجاف" صور د. علي بن تميم القصيدة بأنها حُبسة الكلام، تقوم على الصراع بين مفردة الطين التي ترد أربع مرات، والماء الذي يرد ثلاث مرات، والبحر الذي يرد مرّتان، فيرمز الطين إلى السنوات العجاف الخالية من الإبداع، ويرمز الماء إلى الحياة والتجدد.
ولدت فيك
رابع شعراء الأمسية مبارك سيد أحمد الذي ألقى نصاً بعنوان "ولدت فيك"، وقد رأى د. عبدالملك مرتاض أن مبارك أشعر في التفعيلة من العمودي. ومما جاء في الأبيات الأولى من النص:
فيها أرى شيئاً، وفيهِ أراني ** ينأى عنِ التّوضيحِ والّبيانِ
كالحبِّ لم يسألْهُ قبليَ شاعرٌ ** عن سرِّ مشيَتِهِ مع الغُفرانِ
كدعاءِ أمّي إذ تلوّحُ كفَّهُ ** خلفَ امتيازاتي عنِ الأقرانِ
وبعد انتهاء الشاعر من إلقاء نصه؛ أكد أن د. صلاح فضل أن الشاعر يتذرع في نصه بشيء من المباشرة، ومع أنه ينشد بأن يكون بمنأى عن التوضيح والتبيان إلا أنه وقع بهما كما في قوله (امتيازاتي عن الأقران) وغير ذلك. أما الإشارة إلى حادثة القطار الأليمة والموجعة؛ فجاءت مباشرة وعرضية ومجانية في ثنايا التشبيه. 

أما د. علي بن تميم فقد أخذ على الشاعر تجاوزه شروط المسابقة فالمطلوب ما بين ثمانية أبيات وعشرة أبيات، ومع ذلك فإن جمال النص يتركّز في المفتتح والخاتمة، وما فيه من حلولٍ وتماهٍ كما فعل الحلاج حين قال (أنا مَنْ أهْوى وَمَنْ أهْوى أنَا / نَحنُ رُوحانِ حَلَلْنا بَدَنا). 
من جانبه أوضح د. عبدالملك مرتاض أن الشاعر وقع في التناقض في البيتين السادس والسابع (وبِهجرِها أمسَى فؤادي واحةً/خضراءَ في رسمٍ على جُدران)، (وَغَدَت حياتي في عُيوني ركعةٍ لا شيءَ ينقُصُها سوى الإيمانِ).
اتّكاءٌ على ظِلالِ شجرةِ الغاف
ولوقتٍ مستقطع للبشرية عند شجرة الغاف والتي اتُّخذت رمزاً لعام التّسامح في الإمارات لهذا العام؛ قدم الشاعر هاني عبدالجواد قصيدته "اتّكاءٌ على ظِلالِ شجرةِ الغاف"، والتي عقب عليها د. علي بن تميم بقوله إنها أول قصيدة في "أمير الشعراء" على وزن المنسرح، وأول قصيدة في "أمير الشعراء" تستدعي إيقاع ووزن قصيدة الشاعر محمود حسن اسماعيل "النهر الخالد" التي غناها محمد عبدالوهاب (مسافرٌ زادُه الخيالُ والسَّحر والعطرُ والظّلالُ). أما هاني فقد قال في قصيدته:
بكلِّ ما تُؤخَذُ العقولُ ** يقالُ لي؛ لستُ من يقولُ
وراءَ عيني مدارجٌ مِن ** رؤايَ؛ تعدو بها الخيولُ
طفلٌ أنا لستُ غيرَ طفلٍ ** مشاغبٍ ذنبُهُ الفضولُ
د. علي وبعد إشارته إلى أن هاني تجاوز شرط عدد الأبيات، حين ألقى اثني عشر بيتاً، ومع ذلك أكّد أنها القصيدة الأولى في المسابقة من ناحية كونها تستدعي شجرة الغاف منطلقاً للتغزل بها، فتتوقف القصيدة عند لغة ظلال الغاف، والظلال ليست للجبناء إنما للشعراء الذين يتقنون مراوغة المعنى مثل هاني. 
فيما قال د. عبدالملك مرتاض إنّ هاني أرهق اللغة صَعودا، وإن أجمل ما في النص تشكيله الإيقاعي، واللعب بالألفاظ، والتفنن في النسج، وتوظيف المسكوت عنه في أكثر من بيت. والقصيدة تدلّ على أن هاني شاعر حقاً، استطاع توظيف الحيز الشعري، فجعل اللغة مثقلة به وحاملة له، ومتفتحة عليه.
وختم الآراء النقدية د. صلاح فضل، فقال إن هاني قدم نصاً جميلاً، وإن لم بوضوح العلاقة بين الغافة رمز التسامح وبين تأملات الشاعر التي قصد قولها في ظلها. أما قول الشاعر إنه طفل، فهذه شهادة له بالشعر والفضول معاً، لكنه طفل يشاغب أكثر مما ينبغي عندما يجمع في بيت بين الله والخمر والفن معاً، وهذه جرأة.