شيشان فرنسا يواجهون خطر الترحيل ضمن إجراءات مواجهة التطرف

السلطات الفرنسية تسحب الإقامة من عشرات الشيشانيين خلال الأشهر الثلاثة الماضية بفارق كبير عن جميع الجنسيات الأخرى الذين واجهوا نفس الإجراءات.
مخاوف في فرنسا من انتهاك الحقوق الأساسية بذريعة مكافحة التطرف

باريس - يشعر الشيشان الذي يشكلون مجتمعا صغيرا في فرنسا أنهم يتعرضون لعقوبة "جماعية"، إذ إنهم منذ أشهر هدف مميز للسلطات التي تبذل كل ما في وسعها لطرد الأجانب الذين تشتبه بأنهم متطرفون.

خلال ستة أشهر أثار حدثان ذهول عشرات الآلاف من الروس من أصل شيشاني الذين يعيشون على الأراضي الفرنسية، اولهما قتل المدرس سامويل باتي في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2020 على يد لاجئ شيشاني شاب. وقال وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان في ذلك الوقت إنه يريد تسريع عمليات طرد هؤلاء المواطنين وتوجه إلى موسكو لمناقشة الإجراءات.

بعد ذلك في التاسع من أبريل/نيسان جرى إبعاد محمد غادايف إلى روسيا في عملية أثارت الكثير من الجدل. وغادايف شخصية معروفة في فرنسا ومعارض كبير للزعيم الشيشاني رمضان قديروف الذي يحكم الجمهورية الواقعة في القوقاز بقبضة من حديد.

منذ إرسال هذه الإشارة السياسية، تحدث وزير الداخلية عن تسريع الإجراءات، وزيادة "لم نشهدها من قبل" في عمليات سحب صفة اللاجئ من الأجانب الذين يشتبه بأنهم متطرفون أو أدينوا بالإخلال بالنظام العام، ما يمهد الطريق لطردهم.

في المجموع سُحبت 147 تصريحا في الأشهر الثلاثة الماضية وهو عدد أكبر بكثير مما كان في عام 2020 بأكمله للأسباب نفسها ولم يتجاوز المئة.

وأكثر المتأثرين بهذه الإجراءات هم الشيشان حسب الأرقام الرسمية التي حصلت عليها وكالة فرانس برس. إذ إن 23.1 بالمئة من 312 عملية سحب تصريح لأسباب مختلفة في 2020 تعلقت برعايا روس معظمهم من الشيشان، بفارق كبير عن جميع الجنسيات الأخرى وعن أكثر طالبي اللجوء في فرنسا عددًا وهم الأفغان الذين بلغت نسبة المشمولين بها منهم 5 بالمئة.

مذكرات بيضاء

أوضح جوليان بوشيه المدير العام للمكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية (أوفبرا) أنهم إما أشخاص مدانون بجرائم أو جنح في فرنسا "أو أشخاص لم تتم إدانتهم ولكن هناك أسباب تدعو للاعتقاد بأنهم يمثلون تهديدا لأمن الدولة".

وأضاف مدير هذه الهيئة المكلفة منح وسحب الحماية أنه "في هذه الحالة تأتي التقارير من أجهزة الاستخبارات"، مؤكدا أن الشيشان يمثلون "جزءا كبيرا من الملفات التي تحال إلينا في مجال أمن الدولة ومكافحة التطرف".

وتقول وزارة الداخلية الفرنسية إن المواطنين الروس يشكلون 12 بالمئة من الأجانب الذين لديهم إقامة قانونية والمدرجين على قائمة الإسلاميين المتطرفين ضمن معطيات إدارة منع التطرف ذي الطابع الإرهابي.

وعبر شامل ألباكوف المتحدث باسم جمعية الشيشان في أوروبا عن أسفه لأنه "منذ الهجوم على سامويل باتي تغير كل شيء. لدينا انطباع بأننا نحاكم بسبب أصلنا، صرنا كلنا مذنبين بسبب فعل دنيء ارتكبه شخص واحد".

وتحدث عن قسوة "لا تطاق" تستند في أغلب الأحيان إلى ما يُسمى "مذكرات بيضاء" صادرة عن أجهزة الاستخبارات، لا يُكشف عن مضمونها ولا يمكن الاعتراض عليها. وقال "أمام هذا، لا نستطيع أن نفعل شيئا".

وأكد المحامي فرانك شومان الذي يدافع عن العديد من الشيشانيين المهددين بالترحيل "إنه أمر مقلق جدا"، مضيفا "إنه خروج عن دولة القانون. نريد مكافحة الميول الإسلامية في البلاد واتخاذ إجراءات ضد العناصر المتطرفين، هذا أمر طبيعي، لكن لا أريد أن يتم ذلك عبر انتهاك مبادئ أساسية".

فرنسا تكتوي باعتداءات إرهابية متوالية
فرنسا تكتوي باعتداءات إرهابية متوالية

مشاركات على إنستغرام

صدر بحق موكله 'إسماعيل ت' الذي يخضع للإقامة الجبرية في مدينة نيس بجنوب شرق فرنسا، أمر بالإبعاد منذ قرار لجنة تنظر في عمليات الطرد في 18 يناي/كانون الثاني.

وهذا الأمر صدر قبل أن يقرر مكتب حماية اللاجئين الذي ما زال يفترض أن يبت في المسألة، سحب الحماية الممنوحة له.

ويبدو الرجل الشيشاني الذي لجأ إلى فرنسا في 2012 قلقا بشكل واضح.

ورد عبر مترجم "أي متطرف؟ عمري 50 عاما ولدي أربعة أطفال علي تربيتهم. إذا كنت مذنبا، أريد أن أحاكم حسب القوانين الفرنسية".

ولم يتم كشف مضمون "المذكرة البيضاء" المتعلقة به، لكن السلطات تتهمه خصوصا بوضع منشورات على إنستغرام "معظمها ذات طابع إسلامي وحتى يشجع على القتال".

يقول المحامي شومان بحزن إن "ملفه غير مترابط لدرجة أنه لم يبرر إحالته للنيابة".

واسماعيل ت. ليس حالة استثنائية. فقد وجدت جمعيات ومنظمات غير حكومية في الواقع حوالى عشرين شيشانيا عالقين بين طرفي هذه الكماشة في فرنسا.

أحد هؤلاء هو عمر - اسم مستعار -، عمره (45 عاما) وهو أب لسبعة أطفال ولاجئ منذ 2004.

بعد 17 عاما وفي منتصف آذار/مارس سحب مكتب حماية اللاجئين منه هذه الحماية مع أن سجله العدلي نظيف. وتحدث المكتب عن معلومات "تتعلق بقربه من الشبكة الإسلامية الجهادية في فرنسا" و"دعمه جماعة إمارة القوقاز" ما يجعله يشكل "تهديدا خطيرا لأمن الدولة".

وقال هذا العامل الذي يعيش في ستراسبورغ لوكالة فرانس برس "صُدمت. هذه أمور لا يمكنهم توريطي فيها ولم أفهم (...) فأنا أبتعد عن المتطرفين".

وأكد لفرانس برس أن "كل المآخذ صيغت بشكل افتراضي (...). أنا متهم بمصادقة إمام اصبح متطرفا لكنني لا أعرف حتى من هو".

وأكد المدير العام للمكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية أن "التزام اليقظة والتحرك إزاء هذه القضايا المتعلقة بالنظام العام يعني حماية السكان وكذلك حماية حق اللجوء".

ومع ذلك لا يتم طرد كل هؤلاء الأشخاص بشك تلقائي ولا يمكن ترحيلهم. وأكد جوليان بوشيه "عندما يتم سحب الوضع لا تزول بالضرورة المخاوف التي مُنح الشخص الحماية على أساسها".