شيطان التفاصيل يعمق الصدع في مفاوضات سد النهضة

الفشل في إبرام اتفاق قبل البدء في عملية الملء قد يزيد تسميم العلاقات ويطيل أمد الخلاف لسنوات، رغم أنه من غير المرجح أن تواجه مصر نقصا خطيرا فوريا في المياه بسبب تشغيل السد قبل الاتفاق.
مفاوضات سد النهضة تغرق في الاتهامات بين مصر وإثيوبيا
لا مؤشرات عن انفراج أزمة سد النهضة في ظل 'التعنت الإثيوبي'

القاهرة – تتعثر محادثات سد النهضة المستمرة منذ تسع سنوات بين مصر وإثيوبيا والسودان مرارا بسبب قضايا فنية عالقة بين الأطراف الثلاثة حول طريقة عمل السد، مما عمق الصدع خصوصا بين القاهرة وأديس أبابا، ما يرجح امتداد الأزمة لسنوات قادمة.

وتعول مصر على الضغوط الدولية لإزالة العقبات أمام اتفاق تراه حاسما لحماية مواردها المائية من نهر النيل قبل البدء المتوقع في ملء سد عملاق على أعالي النهر في إثيوبيا في يوليو تموز المقبل.

وخرجت الدولتان خاليتي الوفاض ومعهما السودان، من مفاوضات مضنية امتدت لما يقرب من عقد دون التوصل لاتفاق يحدد معالم طريقة تشغيل السد وملء خزانه.

ويقول محللون إن الفشل في إبرام اتفاق قبل البدء في عملية الملء قد يزيد تسميم العلاقات ويطيل أمد الخلاف لسنوات، رغم أنه من غير المرجح أن تواجه مصر نقصا خطيرا فوريا في المياه بسبب تشغيل السد قبل الاتفاق.

وقال وليام ديفيسون المحلل البارز في مجموعة الأزمات الدولية، "هناك تهديد يتمثل في تدهور العلاقات بين إثيوبيا ودولتي المصب، ومن ثم زيادة الاضطرابات الإقليمية"

هناك تهديد يتمثل في تدهور العلاقات بين إثيوبيا ودولتي المصب، ومن ثم زيادة الاضطرابات الإقليمي

وجاء في تقرير لوزارة الخارجية السودانية اطلعت عليه رويترز أن أحدث جولة من المحادثات جعلت الدول الثلاث "أقرب من أي وقت مضى للتوصل إلى اتفاق".

لكنه أضاف أن المحادثات التي تم تعليقها الأسبوع الماضي كشفت عن "اتساع الهوة" حول القضية الرئيسية المتمثلة، في ما إذا كانت أي اتفاقية ستكتسب صفة الإلزام القانوني وهو ما تطالب به مصر.

والمخاطر كبيرة بالنسبة لمصر التي تمتد بها الأراضي الصحراوية، لأنها تحصل على 90 بالمئة على الأقل من مياهها العذبة من نهر النيل.

ومع إصرار إثيوبيا على استغلال الأمطار الموسمية في بدء تعبئة خزان السد الشهر المقبل، التجأت مصر إلى مجلس الأمن الدولي كخطوة دبلوماسية أخيرة.

مصر تخشى على مواردها المائية المستمدة بالأساس من نهر النيل
مصر تخشى على مواردها المائية المستمدة بالأساس من نهر النيل

يٌبنى سد النهضة الإثيوبي على بعد حوالي 15 كيلومترا من الحدود السودانية على النيل الأزرق، الرافد الأساسي لنهر النيل.

وتقول إثيوبيا إن مشروع الطاقة الكهرومائية الذي تبلغ تكلفته أربعة مليارات دولار، بقدرة 6450 ميجاوات، حاسم لتنميتها الاقتصادية.

وأبلغت أديس أبابا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في رسالة هذا الأسبوع، أنها "عازمة على المساعدة في انتشال شعبنا من الفقر المدقع".

وكررت الرسالة نفس الاتهامات بأن مصر تحاول استبقاء المزايا التاريخية لها في نهر النيل وتضييق الخناق على مساعي إثيوبيا لإقامة مشروعات مستقبلية على المنبع.

وأضافت أن إثيوبيا تقبلت المطالب المصرية للسماح للمحادثات الأخيرة بالمضي قدما قبل أن تقوم مصر بالتصعيد دون داع بعرض القضية على مجلس الأمن. ولم يتسن الاتصال على الفور بحكومة إثيوبيا للتعليق.

وتقول مصر إن تركيزها ينصب على ضمان اتفاق عادل يقتصر على سد النهضة، وإن حديث إثيوبيا عن تصحيح مظالم الحقبة الاستعمارية هو خدعة تهدف إلى صرف الانتباه عن محاولة فرض أمر واقع على جارتيها.

وتتهم كل منهما الأخرى بمحاولة إفساد المحادثات وعرقلة إجراء دراسات مستقلة حول تأثيرات السد. وطلبت مصر العام الماضي وساطة أمريكية أفضت إلى محادثات استمرت أربعة أشهر في واشنطن وانهارت في فبراير شباط الماضي.

وقال مسؤول مصري إن اللجوء إلى الوساطة الخارجية جاء بعد أن ظل الجانبان "يدوران في حلقات مفرغة لسنوات". وأضاف أن هذه المواجهة فرصة للمجتمع الدولي كي يضطلع بدور القيادة في قضية المياه ويساعد في الوساطة في اتفاق "يمكن أن يفتح الكثير من آفاق التعاون".

وأسفرت محادثات جرت هذا الشهر بين وزراء المياه بقيادة السودان وبرعاية الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا والاتحاد الأوروبي، عن مسودة اتفاق قال السودان إنها حققت "تقدما كبيرا في قضايا فنية رئيسية".

ومع ذلك أوردت قائمة بقضايا فنية عالقة، من ضمنها طريقة عمل السد خلال "سنوات الجفاف" التي يقل فيها هطول الأمطار، وكذلك قضايا قانونية تتعلق بما إذا كان الاتفاق وآليته لحل النزاعات ينبغي أن يكونا ملزمين للأطراف.

ويرى السودان من جانبه فوائد من السد في تنظيم مياه النيل الأزرق، لكنه يريد ضمانات بشأن تشغيله بشكل آمن وملائم. كما يسعى السودان، مثله مثل مصر، إلى اتفاق ملزم قبل بدء الملء.

وقال ديفيسون إن التنازلات الفنية لا تزال ممكنة، ولكن "ليس هناك ما يدعو للاعتقاد بأن إثيوبيا سترضخ للضغوط الدولية المتزايدة".

وأضاف "نحن بحاجة لتجنب التصعيد الدبلوماسي، وبدلا من ذلك يتعين على الأطراف الجلوس مرة أخرى إلى الطاولة ومواصلة المحادثات حتى التوصل لاتفاق".