شينجيانغ الأرض التي توازن "طريق الحرير"

يحاول هذا الكتاب "رحلة إلى شينجيانغ" من خلال الرؤية الشاملة والزوايا الواسعة والمتعددة الإلمام بالتفاصيل، وكتابة إقليم شينجيانغ من خلال التأملات الدقيقة، وأن يقدم تجربةً عنها من خلال منظور كلّي، كما يقدم للقارئ واقع الحياة لشعب شينجيانغ، وكذلك الأوضاع التنموية، وأساليب المعيشة، إلى جانب النسيج الروحي الذي تراكم في طباعهم الجمعية، ذلك عبر مقدار كبير من الصور النابضة بالحياة وما هو حي وصغير من الحكايات حتى نستطيع أن نقدم للقارئ "انطباعات" حقيقية وفريدة حول شينجيانغ.
يقع إقليم "شينجيانغ" في أقصى شمال غرب الصين، وعاصمة شينجيانغ هي مدينة "اوروميتشي"، وتبلغ مساحة شينجيانغ 1/6 مساحة الصين. وقد كان في السابق جزءاً حيوياً من طريق الحرير القديم، الذي لعب دوراً جوهرياً في انتعاش التعاملات التجارية والتبادلات الثقافية بين الشرق والغرب خلال العصور القديمة والوسطى، وهو حالياً يشكل لبنة أساسية في مبادرة الحزام والطريق، وساهم ويساهم في ازدهار التعاملات الاقتصادية وارتفاع حجم الاستيراد والتصدير، ورفع مستوى التنمية في المنطقة. وتشهد منطقة شينجيانغ تطوراً هائلاً مستفيدة من موقعها كمحور للحزام الاقتصادي لطريق الحرير الجديد، فقد أنشأت مركزاً لتجميع البضائع ليكون همزة وصل لخطوط قطارات الشحن بين الصين وأوروبا في مدينة اوروميتشي، بحيث يعمل على نقل سلع ومنتجات تضم أكثر من 200 نوع مثل الأجهزة والإلكترونيات، والمنتجات الكيماوية والزراعية وغيرها.
ويُعد الكتاب أحد الكتب التي تضمنتها سلسلة بعنوان "تأملات حول الصين" والتي خططت دار النشر التجارية ببكين لإصدارها وبدأت دار صفصافة للنشر بترجمتها ضمن سلسلة "قراءات صينية" التي يشرف عليها د. حسانين فهمي حسين أستاذ اللغة الصينية والترجمة المساعد بكلية الألسن جامعة عين شمس.. والكتاب حرره تزوه فنغ، وترجمته نهى إبراهيم عبدالعزيز وراجعته د. داليا رمضان طنطاوي.

ويشير تزوه فنغ إلى إن شينجيانغ مكان فاتن للغاية وبها بعض الأماكن تخلب العقول، وهناك أغانٍ شعبية ومألوفة مثل "هناك في ذلك المكان البعيد"، "نضوج العنب في توربان"، "فتاة من مدينة دابان" و"مدينتنا شينجيانغ هي الأجمل" تجعل الناس دائمًا متشوقين إلى شينجيانغ التي حظيتُ بالعيش فيها لمدة ثلاث سنوات، عايشت خلالها الأعراف والتقاليد الشخصية لهم بنفسي، وقد كنت على تواصل عميق واتصال بجميع الناس في نواحي شينجيانغ وكذلك بالأفراد الموجودين بالقوميات القريبة منها، مما كون لديّ معرفة أكثر واقعية وموضوعية تجاه شينجيانغ ومواطنيها. إذا كنت تريدني أن أصف شينجيانغ، فأعتقد أنه من الأنسب أن ألخص ذلك في أربع كلمات وهي "الجمال"، و"الضخامة"، و"التعدد"، و"الخصال الحميدة".
ويلفت إلى أن شينجيانغ تضم عددا لا يحصى من المواقع السياحية الشهيرة التي ينغمس الزائر في سحرها حتى أنه لا يرغب في العودة مثل بحيرة تيان تشي على جبل تيان شان، وجنة كاناس، والممر الأخضر لوادي العنب في توربان، ومراعي النرات، وبحر كوكاتاي الذي يعد من العجائب الجيولوجية، وفيها منطقة المنعطفات التسعة والمنحنيات الثمانية عشر في منطقة يو مين الشهيرة بالحدائق في مركز القارة الأوراسية، وهي بالفعل "مشاهد من الفردوس، ويعز مثيلها"؛ وتوجد مئات من العجائب البشرية على الخطوط الثلاثة الوسطى والشمالية والجنوبية لطريق الحرير الذي كان يمتد قديمًا لمسافة 5000 كيلومتر، مثل المدينة العتيقة جيو خا وأطلال لو لان وكهوف كيزيل البوذية، تلك الإبداعات التي جابت شهرتها الآفاق. 
ويوضح تزوه فنغ أن شينجيانغ في وسط أوراسيا، وتبلغ مساحتها الجغرافية 1.666.777 كيلومتر مربع، وهو ما يمثل سُدس مساحة الصين، أي ما يعادل ثلاث مرات مساحة فرنسا، وسبع مرات مساحة المملكة المتحدة. ويبلغ خط الحدود البرية بها أكثر من 5700 كيلومتر، وتشترك في حدودها مع ثمانية بلدان تشمل: منغوليا، روسيا، كازاخستان، قيرغيزستان، طاجيكستان، أفغانستان، باكستان والهند، كما تعتبر شينجيانغ أكبر مقاطعة في الصين، وهي صاحبة أطول الحدود البرية وهي المقاطعة الأولى من حيث عدد الدول التي تشترك معها في الحدود. ويبلغ متوسط المسافة بين عواصم المدن الداخلية في شينجيانغ وبين أورمتشي وهي عاصمة المنطقة ذاتية الحكم أكثر من 400 كيلومتر، وتعتبر هذه سمة فريدة لا توجد في غيرها من المناطق أو المدن والمقاطعات، كما تضم المنطقة منخفض تاريم وهو أكبر منخفض في العالم، كما أن أطول نهر داخلي في الصين هو نهر تاريم، كما أن بها صحراء تكلامكان والتي تعد أكبر صحراء في الصين وثاني أكبر صحراء في العالم.
ويتجلى التعدد في شينجيانغ في العديد من الجوانب، حيث إنها المنطقة التي تتجمع فيها القوميات والأديان والثقافات المتعددة، ويبلغ تعداد سكانها أكثر من 22.6 مليون نسمة، وتمثل قوميات الأقلية فيها أكثر من ستين بالمئة، بإجمالي خمس وخمسين قومية، منها ثلاث عشرة قومية أصلية، ونظرًا لموقعها الجغرافي الفريد، تعتبر شينجيانغ تاريخيًّا هي الأرض التي توازن "طريق الحرير"، وهي الممر الذي يهاجر إليه جميع الجنسيات، والمكان الذي تتلاقى فيه الأديان والثقافات المتعددة. 
تتعايش فيها الأديان مثل البوذية والإسلام والمسيحية والكاثوليكية والطاوية وغيرها بشكل متناغم، وهنا تتلاقى الحضارات القديمة الأربع، وتصطدم وتندمج هنا كل أنواع الثقافات، وتتشكل ثقافة متعددة غنية وفريدة، وكما قال جي زيان لين، وهو أستاذ الثقافة الصينية: "ثمة أربعة أنظمة ثقافية في العالم تتمتع بتاريخ طويل، وسادت أراضي شاسعة، ولها نظام قائم بذاته، وهي الثقافة الصينية، والثقافة الهندية، والثقافة اليونانية، والثقافة الإسلامية، ليس هناك خامس لهم، ويحدث التلاقي للأنظمة الأربعة فقط في كهوف دون خوانغ وشينجيانغ بالصين". 
كما ينعكس "التعدد" في شينجيانغ في أنواع متعددة من الموارد البيولوجية، والموارد المعدنية الغنية جدًّا، فهناك أكثر من 4000 نوع من النباتات البرية في شينجيانغ وما يقرب من 700 نوع من الحيوانات البرية، وتحتل موارد الفحم والنفط والغاز الطبيعي نسب 40٪ و30٪ و34٪ من موارد الأراضي في البلاد على التوالي، لتحتل بذلك المرتبة الأولى في البلاد.
ويضيف تزوه فنغ أنه في عام 60 ق. م أسست أسرة خان الغربية حامية المناطق الغربية في مدينة وو لي (وهي حاليًا مدينة لونتاي في منطقة بايانغول منغوليا الذاتية الحكم)، ومنذ ذلك الوقت أصبحت شينجيانغ جزءًا من الصين بشكل رسمي، ولأكثر من ألفي عام عاش شعبها من جميع القوميات يؤازر بعضه بعضًا لصد العدوان الأجنبي، والعمل على التنمية المشتركة والدفاع عن حدود الوطن الأم، وبالاجتهاد والحكمة خلقوا معًا حياة جميلة ينسجم فيها كل أطراف الشعب، وخلقوا التاريخ والحضارة العظيمة، ومع تقلبات التاريخ التي استمرت لآلاف السنين، ومع الدول التي لا تُعد ولا تُحصى والتي سادت هنا ثم بادت، ومع الجبال والأنهار التي تمتد هنا وهناك، ما زالت الحماسة والبساطة والأخلاق الرفيعة تجري في دماء القوميات مجرى الدم فسواءً كنت ذاهبًا إلى أهالي شينجيانغ في خيام قومية الخاساكا (المسماة جان فانغ) أو في خيام قومية منغوليا (المسماة مان جو باو) أو في المزارع أو المباني السكنية في الحضر ستجد منهم ترحابًا حارًّا.

جاء الكتاب على شكل المدونات الصغيرة المختصرة، وذلك بسبب أنها تتناسب مع إيقاع الحياة السريع، وتناسب كذلك روح المادة العلمية المقدمة، وأكثر جاهزية للإرسال والانتشار والتصفح. وضم عشرة أبواب غطت أهم الجوانب في شينجيانغ، حيث تناول الباب الأول المعالم الجغرافية والسفر، وتناول الباب الثاني التاريخ والتقاليد، وتناول الباب الثالث الأديان والفلكلور، وتناول الباب الرابع سمات القرية والمدينة، وتناول الباب الخامس الكتائب والحدود، وتناول الباب السادس أساطير ونوادر، وتناول الباب السابع كنوز وعجائب، وتناول الباب الثامن فنون ورياضات، وتناول الباب التاسع لغات وحكايات، أما العاشر فتناول الأطعمة والملابس. 
نماذج من المدونات المختصرة:
متحف توربان المكشوف: 
يعد متحف توربان أكبر متحف أثري مكشوف في العالم. توجد فيها مدينة جياو خه العتيقة، مدينة قاو شانغ العتيقة، مقابر الأستانة، والكهوف البوذية الألف، وهي الكهوف الزاخرة بالجداريات الباهرة والقصاصات المانوية المحفورة على أوراق التوت، والتي تبدو كجبل ناري مغطى بالرماد الأحمر. وبالمتحف كذلك ثاني أكثر المناطق انخفاضاً في العالم في بحيرة ايدينغ. إن المومياوات الموجودة داخل المتحف وكذلك الأحافير العملاقة لحيوان وحيد القرن كلها هدايا قيمة وهبها الزمن لتوربان، تنضح بعبق السنين والثرى.
البازار: 
إن البازار عبارة عن سوق، ولكنه ليس سوقاً بالمعنى المتعارف عليه. إن البازار هو ذلك المكان الذي يترعرع فيه أفراد قومية الويغور. وثمة قول مأثور لديهم يقول إن البازار هو الأب والأم. وليس كل شخص في البازار موجود هناك بغرض التجارة أو التسوق. فأحياناً يكون التجول في البازار بمثابة نوع من التنزه، وفي البازار تعرض الفتيات جمالهن، ويتوافد الشباب ليشاهدوا الزهور الجميلة. كما أن هناك بعض الأشخاص يتقابلون في البازار مع أصدقائهم، ويصافح بعضهم البعض، ويتبادلون الأحاديث.
الشوارع العتيقة في كاشغر:
تتخذ معظم الشوارع العتيقة في كاشغر من مسجد عيد غا مركزاً لها، ويرجع تاريخ هذا المسجد الى خمسمائة عام، وتمتد بشكل مروحي للخارج، ويوجد عند التلال التي نحتها وشكلها نهر تو مان مكان لقصر ملكي كان يوجد في الماضي، ويعتبر هذا القصر من الازقة التي كانت تحتشد دائما بالتجار ورجال الاعمال. إن المنطقة التي يطلق عليها الأن اسم كو زه تشي يا به شه هي عبارة عن جرف مرتفع، وتقع على جرف عال موجود في جنوب شرق المدينة العتيقة على ارتفاع أكثر من أربعين متر ويبلغ عرضه أكثر من ثمانمائة متر. 
منخفض تاريم: 
منخفض تاريم عبارة عن حاوية كبيرة ممتلئة بالرمال، وتبلغ مساحة هذه الحاوية 350.000 كيلومتر مربع، وهو أكبر منخفض داخلي في العالم، حيث يجري به تسعة أنهار، وتتجه المياه السطحية من جبل تيان شان وجبل كون لون وجبل كاراكورام الموجودين على جانبي المنخفض إلى وسط الحوض، وفي نهاية المطاف يتجمع معظمها مكونين نهر تاريم النهر الداخلي والذي يعد الأطول في الصين.
النقيضان في شينجيانغ:
توجد في شينجيانغ ثاني أعلى نقطة في العالم إلى جانب ثاني أدنى نقطة في العالم أيضًا، فقمة تشوجوري في شينجيانغ تنخفض بمقدار 200 متر فقط عن جبل إفرست أعلى قمة في العالم. أما بحيرة أي دينغ فهي تعلو بمقدار بسيط عن البحر الميت وهو النقطة الأكثر انخفاضًا على مستوى العالم، ويبلغ خط التباين الجغرافي في شينجيانغ حوالي 8765 مترا، ودائمًا ما يبرز التضاد والتباين بين الارتفاع والانخفاض، والبرودة والحرارة، والصحاري والواحات سحر وجمال شينجيانغ.