شيوخ الأزهر في مصر .. مسيرة زاهرة

عمرو إسماعيل يؤكد في كتابه أن شيوخ الأزهر في مصر تركوا إرثا عظيما من العلم والاستنارة.
الأزهر يعتبر منارة ومركز إشعاع روحي ينهض لتأدية رسالته النبيلة، كما يغترف من علومه الآلاف والآلاف من الطلاب والباحثين
الجامع الأزهر أحد المساجد الجامعة التي عرفها العالم الإسلامي عبر التاريخ

القاهرة ـ من حازم خالد
الإسلام والأزهر الشريف يربطان مصر بأنحاء العالم الإسلامي برباط وثيق هو رباط الإسلام القوي، والقلعة التي تصل بين مصر وبين بلاد كثيرة في أفريقيا وغيرها حيث تصل لضواحي أوروبا والعالم بأسره، فالعقيدة تربط أكثر من مليار مسلم في العالم.
ويعد الجامع الأزهر أحد المساجد الجامعة التي عرفها العالم الإسلامي عبر التاريخ، فكان الجامع أوسع شهرة وأعمقها تأثيرا وأعظمها إثارة للجدل والخلاف، كان الأزهر ولا يزال كعبةً يحج إليها الطلاب والعلماء وعوام الناس من كافة أقطار الأرض، ينهلون من علمه، ويقتبسون من نوره، وأعظم ما يدلنا على ما لهذا الجامع من مقام عظيم في العالم الإسلامي، امتداد آثاره من أواسط أفريقيا إلى روسيا، ومن أقاصي الهند إلى مراكش، لم تر الأرض بعد المدنية من كمثل نوره.
يعتبر الأزهر منارة ومركز إشعاع روحي ينهض لتأدية رسالته النبيلة، كما يغترف من علومه الآلاف والآلاف من الطلاب والباحثين، بالإضافة إلى تلك الفتاوى المعاصرة التي يتصدى لها علماؤها.

لا يزال كعبةً يحج إليها الطلاب والعلماء وعوام الناس
مقام عظيم في العالم الإسلامي

إن تاريخ الأزهر هو تاريخ الثقافة الإسلامية منذ القرن الرابع الهجري وحتي اليوم، وإذا كانت مصر قد وضعتها الأقدار في هذا الموقع الحيوي على خريطة العالم حيث تقع كمركز اتصال حضاري بين قارات العالم، فإن الأزهر قد نهض في هذا المكان – ولا يزال يقوم – بدور رائع عظيم الأثر في الفكر الإسلامي، بل والفكر الإنساني في فكر متجدد وسطي، يرسل دعاته وأفكاره في كل اتجاه ينشر العلم والمعرفة، وقد وقف الأزهر ألف سنة أو تزيد، يصارع الحوادث والأفكار الفاسدة .
ويتناول كتاب "شيوخ الأزهر في مصر" للباحث عمرو اسماعيل، مسيرة شيوخ الأزهر، وقد تركوا إرثا عظيما من العلم والاستنارة. هذه الكوكبة من العلماء في مشيخة الأزهر، يعرف لهم فضلهم بما قدموه من فكر إصلاحي وتجديدي، ولايفوتنا ما نظمه أمير الشعراء أحمد شوقى:
قم في فم الدنيا وحي الأزهرا  **  وانثر على سمع  الزمان الجوهرا
واجعل مكان الدر إن  فصلته **  في مدحه خرز السماء النيرا
واذكره بعد المسجدين معظما **  لمساجد الله الثلاثة مكبرا
واخشع مليا واقض حق أئمة ** طلعوا به زهرا وماجوا أبحرا
ويعد الجامع الأزهر من أهم المساجد فى مصر وأشهرها فى العالم الإسلامى، وهو جامع وجامعة منذ أكثر من ألف عام، عندما تم فتح مصر على يد جوهر الصقلى قائد المعز لدين الله أول الخلفاء الفاطميين بمصر، وبعدما أسس مدينة القاهرة شرع فى شهر جمادى الأول سنة ٣٥٩ هـ / ٩٧٠ فى إنشاء الجامع الأزهر وأتمه فى شهر رمضان سنة ٣٦١هـ/٩٧٢، فهو بذلك أول جامع أنشىء في مدينة القاهرة، وهو أقدم أثر فاطمي قائم بمصر، وقد اختلف المؤرخون في أصل تسمية هذا الجامع، والراجح أن الفاطميين سمّوه بالأزهر تمينًا بفاطمة الزهراء (رضى الله عنها) بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، وإشادة بذكراها العطرة.

كان الأزهر جامعًا ومدرسة لتخريج الدعاة الفاطميين، ليروجّوا للمذهب الإسماعيلى الشيعى (الشيعة السبعية) الذى كان مذهب الفاطميين آنذاك، وكان بناؤه في أعقاب فتح جوهر لمصر في ١١ شعبان سنة ٢٥٨هـ/ يوليو ٩٦٩، حيث وضع أساس مدينة القاهرة في ١٧ شعبان سنة ٣٥٨هـ، لتكون العاصمة ومدينة الجند غربي جبل المقطم، ووضع أساس قصر الخليفة المعز لدين الله وحجر أساس الجامع الأزهر في ١٤رمضان سنة ٣٥٩هـ/٩٧٠.
شهد الأزهر أول حلقة درس تعليمي عندما جلس قاضي القضاة أبو الحسن علي بن النعمان في شهر صفر ٣٦٥هـ/ أكتوبر ٩٧٥، ليقرأ مختصر أبيه في فقه آل البيت. ثم قام الوزير يعقوب بن كلس الفاطمي بتعيين جماعة من الفقهاء للتدريس وأجرى عليهم رواتب مجزية، وأقام لهم دورًا للسكن بجوار المسجد. وكان يطلق عليهم المجاورون، وبهذا اكتسب الأزهر لأول مرة صفة العلمية باعتباره معهدًا للدراسة المنظمة، فشهد إقبالًا وازدحم بالعلماء والدارسين.
أكثر من ألف عام
يعد الأزهر من أكبر وأقدم المؤسسات الإسلامية الوسطية في العالم، ولقد حافظ على ريادته ورسالته المعتدلة ودوره العالمي طوال أكثر من ألف عام، وأن هذا الإرث التاريخي جعل من الأزهر أكبر وأهم مرجعية إسلامية في العالم.
وقد ارتبط عبر تاريخه بالعديد من الأسماء والرموز التي قامت على أكتافها رسالة الجامع الكبير السياسية والعلمية والدعوية والفكرية، ومن بينهم الشيخ عبدالله الشرقاوي الشافعي، الذي ساند المشروع الإصلاحي لعلي بك الكبير في أواخر القرن الثامن عشر، والشيخ حسن بن محمد العطار الذي قاد ثورات القاهرة ضد الحملة الفرنسية في أواخر القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر، والشيخ سليم البشري، والشيخ محمد مصطفى المراغي، والشيخ المجدد محمود شلتوت، والدكتور عبدالحليم محمود والشيخ جاد الحق علي جاد الحق، والدكتور محمد سيد طنطاوي، والدكتور أحمد الطيب.

تاريخ طويل
أنشىء منصب شيخ الجامع الأزهر في عهد الحكم العثماني

وكان النظام المتبع أن ينتخب من بين كبار العلماء ناظر يشرف على شئونه منذ إنشائه إلى آخر القرن الحادي عشر الهجري. فقد أنشىء منصب شيخ الجامع الأزهر في عهد الحكم العثماني، ليتولى رئاسة علمائه، ويشرف على شئونه الإدارية، ويحافظ على الأمن والنظام بالأزهر، ويختص بإصدار الفتوى للعامة والخاصة، إلى أن جاء الخديوى عباس حلمي الثاني، وفصل الإفتاء عن الأزهر، وكان الشيخ محمد عبده هو أول من تولى الإفتاء سنة ١٨٩٩، قبل أن رحيله سنة ١٩٠٥. 
وهناك تاريخ طويل إذا بدأنا من فضيلة الشيخ محمد عبده، وحتى فضيلة الشيخ علي جمعة المفتى السابع عشر، من سنة ١٨٩٩ إلى اليوم، فيها ٢٠ مفتيًا، فبعد الشيخ محمد عبده، كان هناك الشيخ عبدالقادر الرافعي، ثم الشيخ بكري الصدفي، ثم الشيخ محمد بخيت المطيعي، ثم الشيخ البرديسي، ثم الشيخ عبدالرحمن قُرَّاعة، ثم الشيخ عبدالمجيد سليم، الذي أصبح بعد ذلك شيخًا للأزهر، ثم الشيخ حسنين محمد مخلوف، ثم أتى الشيخ علام نصار، ثم الشيخ حسن مأمون، الذي أصبح بعد ذلك شيخًا للأزهر، ثم الشيخ محمد هريدي، ثم الشيخ محمد خاطر، ثم الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، الذي أصبح بعد ذلك شيخًا للأزهر، ثم الشيخ عبداللطيف حمزة، ثم الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوى، الذي أصبح بعد ذلك أيضًا شيخًا للأزهر، ثم الشيخ علي جمعة. (وكالة الصحافة العربية)