شي جين بينغ في طريقه إلى القمة 

عماد الأزرق يحلل شخصية الرئيس الصيني ارتكازا على سيرته الذاتية.
الرئيس الصيني أطلق مفهوم "التنمية الخضراء" وإقامة الحضارة الأيكولوجية لمعالجة الخلل الرهيب في المجال البيئي ومكافحة التلوث
الكتاب يتطرق في فصوله العشرة الأخيرة إلى طريق الصين بقيادة شي نحو قيادة النظام العالمي

يتناول كتاب "شي جين بينغ.. الطريق إلى القمة" للكاتب الصحفي عماد الأزرق، والصادر من مؤسسة بيت الحكمة للثقافة والإعلام، طريقين للقمة، الطريق الأول: ركز في الفصول الثلاثة الأولى منه على طريق الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى قمة الهرم السياسي والعسكري والحزبي، حيث تم التركيز على السيرة الذاتية له، وأهم المراحل والمحطات في حياته، وتأثره بوالده القيادي السابق في الحزب الشيوعي الصيني، وكذلك تأثره بالزعيم الصيني السابق دينغ شياو بينغ مهندس الإصلاح والانفتاح في الصين وواضع أسس وخطط نهضتها الحديثة، حيث يعتبر شي بمثابة دينغ شياو بينغ جديد.
كما تناول الكتاب أهم سمات شخصية الرئيس الصيني، وكذلك أهم المفاهيم والمبادئ التي تبناها، وكان لها أبلغ الأثر في تحقيق أهدافه السياسية والاقتصادية، مثل "الإصلاح الهيكلي لجانب العرض"، والذي عالجه من خلال مشكلة المخزون المكدس، وتلبية أذواق المستهلكين الصينيين، وتطوير الإنتاج القائم على الابتكار وليس التقليد، ومفهوم "التنمية المتناسقة" حيث كانت الصين تعاني من خلل في التنمية الأفقية بما يعني أن مناطق تفوز وتشهد عمليات تنمية متلاحقة على حساب مناطق أخرى تعاني، كما أن الصين كانت تشهد تنمية في بعض القطاعات مثل الصناعة على حساب قطاعات أخرى مثل الزراعة، أو التنمية الاقتصادية على حساب التنمية الاجتماعية.

الكتاب يجيب عن سؤال مهم، وهو: ماذا يريد العرب من الصين؟ وماذا تريد الصين من العرب؟

وأطلق شي أيضا مفهوم "التنمية الخضراء" وإقامة الحضارة الأيكولوجية لمعالجة الخلل الرهيب في المجال البيئي ومكافحة التلوث الذي وصل إلى مرحلة قاتلة هناك، وفي مجال العلاقات الدولية والسياسة الخارجية للصين أطلق مفهوم "التعاون والفوز المشترك" وهو بمثابة رسالة للمجتمع الدولي تثبت رغبة الصين في التعاون مع الدول الأخرى على أسس متينة تقوم على المساواة والعدالة في العلاقات الدولية وعدم استئثار جانب بفوائد ومكاسب أي علاقة تعاون على حساب الأخر، وإنما العمل في إطار الكل فائز، وأيضا "المفهوم الصحيح للأخلاق والمصالح" حيث يرسي شي مبدأ مهما في العلاقات الدولية يطالب بضرورة أن تكون هذه العلاقات في إطار من الأخلاق والمصالح المتبادلة والمنافع المشتركة، دون استغلال أو استنزاف لثروات وقدرات طرف للطرف الآخر.
الحرب على معوقات التقدم
في فصوله العشرة الأخيرة تطرق الكتاب إلى طريق الصين بقيادة شي نحو قيادة النظام العالمي، واستهلها بالتركيز على أهم المعوقات والتحديات التي واجهت الصين لتحقيق هذا الهدف. وركز الكتاب على ثلاثة تحديات بالغة الأهمية، خاصة وأن هذه التحديات يعاني منها أيضا الكثير من الدول العربية بدرجة أو بأخرى، جاء في مقدمة هذا التحديات الحرب على الفساد، فاستشعارا من الرئيس الصيني شي جين بينغ بخطورة هذه الظاهرة على النسيج الاجتماعي للشعب الصيني، وثقة منه أنه لا سبيل أمام الحزب للاحتفاظ بثقة الشعب بمختلف قومياته إلا بمحاربة الفساد والقضاء عليه، باعتبار ذلك مسألة حياة أو موت، وإعلاء قيم الشفافية والنزاهة والحوكمة في جميع المؤسسات، بل، وحرص على أن يبدأ مكافحة الفساد بالحزب الشيوعي الصيني على أعلى مستوياته، وكذا الجيش والحكومة المركزية والمقاطعات المختلفة، مطلقًا مقولته: "السلطة يجب أن تكون مقيدة بإطار من القواعد"، ما يعني الحاجة إلى ضمان ألا يجرؤ المسؤولون وألا يستطيعوا وألا يريدوا أن يكونوا فاسدين، ما أكسب الحرب على الفساد ثقة الشعب، وعدّد الكتاب نحو عشرة أسباب لنجاح الصين في حربها على الفساد بما يشبه روشتة علاج لهذه الظاهرة، يمكن لأي سلطة في أية دولة الاستفادة منها والاستعانة بها.
ثم انتقل الكتاب إلى التحدي الثاني وهو يتعلق بجهود القضاء على الفقر، الذي عانى منه الشعب الصيني لسنوات طويلة، والاستراتيجيات التي انتهجتها الحكومة الصينية خلال سنوات معدودة لتخليص نحو 700 مليون نسمة من الفقر، نسبة كبيرة منهم عانوا من الفقر المدقع، لتقترب الحكومة الصينية بقوة من القضاء على الفقر تماما بحلول عام 2021 خلال الاحتفال بالذكرى المئوية الأولى لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، وتحقيق هدف المئوية الذي تخطط له الصين بقوة وتحشد له كل الطاقات والجهود والمتمثل في "إنجاز بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل". 

العلاقات العربية الصينية
أهم المراحل والمحطات

ويعتبر التلوث البيئي من أهم وأخطر التحديات التي واجهت شي والحكومة الصينية في طريقها إلى قمة الهرم الدولي، لاسيما في ظل ما وصلت إليه الصين من معدلات غير مسبوقة من تلوث بيئي على مختلف الأصعدة نظرًا إلى عمليات التنمية المتسارعة التي شهدتها البلاد، وما نتج عن ذلك من كوارث بيئية، والجهود التي بذلتها وتبذلها الصين للسيطرة على هذا التلوث والقضاء عليه، وإقامة ما يعرف بـ "الاقتصاد الأخضر"، واحتواء نسب التلوث الخطيرة التي تعاني منها البيئة بالصين في البر والبحر والجو.
مبادرات وجهود البناء
بعد استعراض الكتاب لأهم التحديات التي واجهتها الصين، والتي تتشابه إلى حد كبير مع مختلف الاقتصاديات النامية، انتقل الكتاب إلى تناول أهم مبادرات وجهود البناء التي أطلقها شي جين بينغ لتسريع وتيرة مسيرة التقدم تحقيقا للهدف المأمول، وكانت البداية مع طرح مبادرة "الحلم الصيني" لتحقيق نهضة عظيمة للأمة الصينية العظيمة، بما يستهدف تحقيق رخاء الدولة ونهضة الأمة وسعادة الشعب، متطرقا إلى أسباب نجاح المبادرة والطريق لتحقيقها، وأهداف المبادرة، ومظاهر تميز الحلم الصيني عن نظائره خاصة الحلم الأميركي.
لقد أيقن شي منذ البداية أن الابتكار والإبداع هما طريقه السحري لتحقيق النهضة، فلجأ إليهما للتعامل مع جميع المشاكل والتحديات التي واجهته والمبادرات التي طرحها، واستعرض الكتاب دوافع التحول إلى النمو القائم على الابتكار والإبداع، وسمات وخصائص التوجه الصيني إلى الابتكار، وما حققه هذا التقدم من نتائج مذهلة، وخاصة الدور المحوري والمهم الذي لعبه هذا العنصر في النقلة النوعية الجبارة للاقتصاد الصيني، وتحوله من اقتصاد يقوم على التقليد، إلى اقتصاد يعتمد على الإبداع والابتكار ويدعم ويحافظ على الملكية الفكرية بقوة.
وبما له من ارتباط بالابتكار والإبداع، فقد سعى شي إلى تعظيم قدرات بلاده العسكرية وإعادة بناء الجيش الصيني وتحديثه، مصدرًا توجهاته باعتبار الابتكار توجها أساسيا في بناء القوات المسلحة الصينية وتسليحها وتطويرها وتوجيه النسبة الأكبر من الإنفاق العسكري على البحث العلمي والتحديث والتطوير، كما تطرق الكتاب إلى التعاون الصيني - الدولي في المجال العسكري والدور الصيني في جهود حفظ السلام، ومساعدة الدول المنكوبة، وكذا ما أثير حول قاعدة جيبوتي لدعم الجيش الصيني بالبحر الأحمر، وتأثيراتها على المنطقة العربية.
العلاقات الدولية
واهتم كتاب "شي جين بينغ.. الطريق إلى القمة" بالعلاقات الصينية - الدولية، ودور شي في إعادة رسم السياسة الخارجية لبلاده على أسس جديدة، باعتبار ذلك بداية لانفتاح صيني جديد، ولكنه في هذه المرة انفتاح سياسي وثقافي وحضاري، يدعم مشروع الصيني باعتبارها لاعبا أساسيا ومحوريا في النظام الدولي الجديد الجاري صياغته، فتناول الكتاب محددات السياسة الخارجية الصينية، وألقى الضوء على أهم هذه المحددات والمبادئ ومنها، عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، الحوار والمفاوضات أساس حل الخلافات، السلام والتنمية والتعاون المتكافئ، تأسيس نظام دولي جديد يقوم على التعاون المتكافئ، التمسك بالمفهوم الصحيح للأخلاق والمصالح، جماعة المصير المشترك، الأمن الشامل والمشترك والتعاون.
وانفرد الكتاب بإجراء دراسة مقارنة تحليلية للسياسة الخارجية الصينية ونظيرتها الغربية، وفي القلب منها السياسة الأميركية، والتحول الكبير والدرامي الذي شهدته في أعقاب حادث 11 سبتمبر/أيلول، وكذلك التغير الذي شهدته لاسيما بعد تولي دونالد ترامب رئاسة الإدارة الأميركية، وإبراز المبادئ الحاكمة للسياسة الخارجية الأميركية خلال قيادة ترامب للبيت الأبيض.
وتناول الكتاب كذلك جهود ومبادرات التعاون الدولي التي تتبناها الصين منذ تولي شي جين بينغ قيادة البلاد، والتي جاءت رغبة منه في تعزيز التعاون مع المحيطين الاقليمي والدولي، وتعظيم الاستفادة المشتركة، وتحقيق الفوز المشترك لكل الفاعلين الدوليين، خاصة في ظل الأوضاع المعقدة والمتغيرة التي شهدها النظام الدولي والأوضاع الاقليمية، وما يرتبط بذلك من مصالح وطنية وأبعاد استراتيجية وتحقيق التعاون الاقتصادي والتجاري والتبادل الثقافي، وخاصة مبادرة الحزام والطريق حيث تناول أهداف المبادرة ووسائل تنفيذها والجهود التي تمت في هذا الإطار وأهم قطاعات المبادرة والنتائج المتوقعة لها.
وتضمنت جهود الصين لتعزيز التعاون الدولي أيضا تأسيس وتكوين البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية وما يمثله ذلك من قدرة كبيرة على توفير مصادر تمويل آمنة لمشروعات البنية الأساسية في الدول النامية خاصة وما يوفره من فرصة لخروج الدول الصغيرة والفقيرة من الخروج من مطرقة وسندان صندوق النقد والبنك الدوليين، ولعب الصين كذلك دورا مهما أبرزه الكتاب في تفعيل التجمعات الإقليمية والدولية، ومن بينها مجموعة العشرين وتجمع بريكس وغيرهم، وبعث الحياة فيهم من جديد.
في هذا السياق أيضا تناول الكتاب العلاقات الخارجية للصين بقدر من التفصيل سواء مع القوى الكبرى "الولايات المتحدة الأميركية، روسيا، الاتحاد الأوروبي"، أو مع الدول النامية في القارة الأفريقية وأميركا اللاتينية أو مع دول الجوار الآسيوي حيث العلاقات الشائكة والمحاولات الغربية لإشعال نار الفتنة في هذه المناطق لعرقلة مسيرة هذه المنطقة خاصة الصين، وجهود بكين لإطفاء هذه الحرائق وتعزيز علاقاتها مع دول الجوار القائمة على التعاون وتبادل المنافع.

 

العلاقات العربية - الصينية
أفرد الكتاب مساحة واسعة لتناول لعلاقات العربية - الصينية، وأولاها اهتماما كبيرا، فتحدث في البداية عن الرهان الخاسر دائما للعلاقات الخارجية العربية في علاقاتها مع الدول العظمى خلال الحقب المختلفة مقارنة بالآخرين خاصة إسرائيل التي تبادر دائما بربط اقتصادها وسياستها بسياسة القوى العظمى المنتظرة وبناء مراكز للضغط فيها، ثم انتقل الكتاب إلى تاريخ العلاقات العربية - الصينية، وامتداد هذه العلاقات التاريخية للعصر الراهن، وما تتسم به العلاقات الحالية من تميز وقوة. 
وحرص الكتاب على أن يجيب عن سؤال مهم، وهو: "ماذا يريد العرب من الصين؟ وماذا تريد الصين من العرب؟". ثم تطرق إلى العلاقات العربية - الصينية في عهد شي، وما شهدته من طفرات، وزيارة شي الأخيرة إلى المنطقة، وخطابه في جامعة الدول العربية، ونتائج الزيارة، ووثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية، والموقف الفلسطيني من القضية الفلسطينية.
يشار إلى أن كتاب "شي جين بينغ.. الطريق إلى القمة" للكاتب الصحافي عماد الأزرق، والصادر من مؤسسة بيت الحكمة للثقافة والإعلام، جاء في 232 صفحة، وتضمن 13 فصلًا موزعة على أربعة أبواب. كتب مقدمة الكتاب ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر، الباحث السياسي، رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية سابقًا.