'صادات' التركية الواجهة التي صنعت حروب أردوغان الخارجية

دور شركة 'صادات' التركية للاستشارات الدفاعية الخفي في تعزيز مصالح تركيا في أنحاء العالم الإسلامي، يكتسب المزيد من الاهتمام وسط مساعي أردوغان لضمان موطئ قدم في أفغانستان وليبيا وسوريا وجنوب القوقاز.
كيف تسهل شركة صادات التعاملات بين الحكومة التركية والمرتزقة السوريين
الاستخبارات التركية تستخدم وسطاء مثل صادات لدفع مبالغ مالية للمرتزقة

اسطنبول - نفت شركة استشارات أمنية ودفاعية مقربة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن تكون تعمل لصالح الحكومة التركية أو أن تكون جندت مرتزقة سوريين في الصراعات الخارجية التي يخوضها أردوغان في كل من تركيا وليبيا وفي جنوب القوقاز ضمن أجندة التمدد في فضاءات خارجية وتحديدا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ويأتي النفي بينما باتت شركة "صادات للاستشارات الدفاعية الدولية" التي أسسها ضابط سابق في الجيش التركي سبق له أن عمل أيضا مستشارا للرئيس أردوغان بعد محاولة الانقلاب الفاشل في صيف العام 2016، تحت المجهر بشكل متزايد في أعقاب اتهامات أميركية لها بأنها تقوم بتدريب سوريين يتم إرسالهم في ما بعد لدعم القوات الموالية لتركيا في مناطق نزاعات مثل ليبيا.

ويبدي رجل الأعمال التركي مليح تانريفردي استياءه إزاء تلميحات بأن شركته الخاصة للاستشارات الدفاعية باتت السلاح السري لأنقرة في حروب في شمال إفريقيا والشرق الأوسط.

 ويعتقد أن هذا الاستياء هو محاولة لإبعاد الشبهة عن شركته بينما تتصاعد الدعوات الدولية لكبح مثل تلك الشركات التي برزت في عدة حروب منها حرب العراق حيث كانت شركة بلاك ووتر رائدة في هذا المجال، وصولا إلى فانغر الروسية فصادات التركية وتنسب لتلك الشركات اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وتقول الشركة في بيانها الرسمي إن صادات "تهدف إلى مساعدة العالم الإسلامي على لعب دور بين القوى العالمية العظمى كقوة عالمية مكتفية ذاتيا".

غير أن تانريفردي يقول إن الاتهامات هي جزء من حملة تضليل إعلامي غربية تهدف إلى تشويه صورة تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، مؤكدا أن "لا علاقة لشركتنا بمنظمة مرتزقة".

وأكد في تصريحات بالانكليزية أن "دخول صادات إلى ميدان العمليات كلاعب غير متوقع ضد القوى الدولية... يشرح سبب التضليل الإعلامي هذا".

وأسس شركة صادات في 2012 والد تانريفردي، عدنان وهو عميد متعاقد انتهت خدمته خلال حملة التطهير في صفوف الجيش العلماني تقليديا للحد من نفوذ الإسلاميين فيه عام 1996.

واكتسب دور الشركة الخفي في تعزيز مصالح تركيا في أنحاء العالم الإسلامي، مزيدا من الاهتمام وسط مساعي أردوغان لضمان موطئ قدم في أفغانستان عقب خروج القوات الأميركية من هذا البلد.

واقترحت تركيا الاستعانة بمتعاقدين من القطاع الخاص لحماية مطار كابول كي يتمكن من استقبال الرحلات الدولية، وهو دور يبدو وكأنه صمم نظريا لشركة صادات.

ويقول تانريفريدي إن صادات وحدها "يمكنها تقديم خدمات الاستشارة والتدريب لوحدات أمنية وعسكرية تتولى ضمان أمن المطار".

ومجموعة عملياتها المقترحة، الملونة باللون الأخضر على شعار الشركة الذي يظهر خريطة للعالم، تمتد من شمال إفريقيا إلى الشرق الأوسط وأجزاء من وسط وجنوب شرق آسيا.

في 2020 قالت وزارة الدفاع الأميركية إن صادات أرسلت فرقا إلى ليبيا لتدريب مقاتلين سوريين، لمؤازرة قوات حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، والمدعومة من تركيا.

وجاء في تقرير للبنتاغون آنذاك أن صادات "تقوم بالإشراف ودفع الأموال لما يقدر عددهم بخمسة آلاف من المقاتلين السوريين الموالين لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا".

ورفض تانريفردي التقرير والاتهامات بأن صادات أرسلت مقاتلين إلى أذربيجان خلال الحرب التي اندلعت العام الماضي مع أرمينيا حول جيب ناغورني قره باغ، معتبرا ذلك "نظرية مؤامرة".

وقال إن "صادات لم تذهب أبدا إلى سوريا أو ليبيا أو أذربيجان"، مضيفا "أتظن فعلا أننا من الاحتراف بحيث يمكننا خداع القوى العالمية؟"، لكن بعض المحللين يعتبر أن الشركة تتمتع بهذا القدر من الاحتراف.

وقال الخبير في شؤون الإرهاب في الجامعة الأميركية ومعهد أوريون بوليسي، سوات تشوبوكتشو "هناك مصادر موثوقة تشير إلى أن صادات تلعب دورا أساسيا في تدريب وتعبئة مقاتلين في سوريا والاستعانة بهم كمرتزقة".

أصبح تانريفيردي الوالد في البداية مستشارا أمنيا كبيرا لأردوغان عقب محاولة الانقلاب ضده في عام 2016. ويعتقد البعض أن صادات توفر للحكومة التركية إمكانية إنكار ذي مصداقية للدور الذي تلعبه في الخارج.

ووصف تقرير لرئيس هيئة الأركان المشتركة في الولايات المتحدة مات باورز شركة صادات بأنها "طرف مسهّل بين أنقرة والمقاتلين السوريين".

واعتبر مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد فورين بوليسي للأبحاث آرون ستاين أن "هناك الكثير من التكهنات بأن الاستخبارات التركية تستخدم وسطاء مثل صادات لدفع مبالغ مالية لمقاتلين، ما يضفي غطاء من الشرعية على الاستعانة بسوريين في عمليات في الخارج"، مضيفا "لكن ليس لدينا أي فكرة عن طريق حصول ذلك".

ورفض تانريفردي الكشف عن اسم أي من زبائن الشركة وقال "نعمل في كل القارات، ومن ضمنها إفريقيا".

دافع عقائدي

اعتبر تشوبوكتشو أن رؤية صادات السياسية بشكل علني للعالم وعدم امتلاكها وحدات مسلحة خاصة بها، هو ما يميزها عن فاغنر، شركة الأمن الروسية التي يعتقد على نطاق واسع أنها مرتبطة بالكرملين والتي تنشر مقاتلين في إفريقيا الغنية بالموارد.

وقال تشوبوكتشو إن شركة صادات ترتبط بعلاقات ذات توجه عقائدي وأكثر تشابكا مع حكومة دولتها"، غير أن تانريفردي رفض التكهنات بأن شركته باتت جزءا غير رسمي من الدولة التركية.

وأوضح بأن صادات تحتاج لموافقة من الدولة "لتصدير خدمات أو منتجات الصناعة الدفاعية"، لكنها لا تأخذ تعليمات من وزارات أو من وكالة الاستخبارات الوطنية التركية.

ورغم أن تانريفردي الأب لم يعد مستشارا أمنيا لأردوغان، إلا أن غضب الشركة تجاه الغرب لا يزال قائما. وقال تانريفردي الابن إن "دولا آتية من مسافة آلاف الكيلومترات تنشر أخبارا كاذبة لاتهام رئيسنا وكبير مستشاريه السابق عدنان تانريفردي".

وتخشى شركة صادات على ما يبدو من ملاحقات قضائية أمام القضاء الدولي في حال ثبوت تجنيدها لمرتزقة سوريين أو لعب دور الوسيط بين الحكومة التركية وميليشيات سورية متطرفة موالية لتركيا، حيث تقول تقارير إن المرتزقة السوريين ارتكبوا على سبيل المثال فظاعات في غرب ليبيا في المناطق التي دخلوها مع قوات حكومة الوفاق الليبية السابقة.

ومعظم تلك الانتهاكات مصنفة كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، في الوقت الذي يذهب فيه البعض إلى اعتبار تلك الشركة شديدة الارتباط بالرئيس التركي، واجهة للتغطية على ما يمكن تسميته بالأنشطة القذرة للمخابرات التركية في الخارج.

ولا تريد تركيا أن تظهر في نهاية المطاف كطرف ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في كل من سوريا وليبيا وأيضا في نزاع قره باغ، فيما سبق لأرمينيا أن أعلنت اعتقال مرتزقة سوريين تجري محاكمتهم على أساس تورطهم في ارتكاب جرائم ضد الانسانية.