صالح سريّة: لبنات عنف الجماعة من خلال تنظيم الفنيّة العسكريّة

دعوة سريّة صريحة للجهاد لإقامة الحكم الإسلامي فالجهاد لتغيير الحكومات وإقامة الدّولة الاِسلامية فرض عين على كل مسلم ومسلمة.

بقلم: عبيد خليفي

تأسّست جماعة “شباب محمّد” سنة 1973 على يد الفلسطيني صالح سريّة، والتي عٌرفت بإسم “تنظيم الفنيّة العسكريّة”، وصالح سريّة مؤسّس الجماعة مولود في فلسطين سنة 1936 بمدينة حيفا، لجأ للعراق سن 1948 ودرس هناك ليتخرّج بحصوله على الماجستير سنة 1969، تلقى تعليمه الشرعي على يد محمد محمود الصوّاف زعيم جماعة الإخوان المسلمين في العراق، واِنخرط مبكّرا في العمل العسكري في صفوف جبهة التحرير الفلسطينية التي ساهم في تأسيسها سنة 1959، واِنخرط صالح سريّة في الفرع العراقي للإخوان المسلمين، فكان المسؤول عن جهازه العسكري، وعندما تعكّرت الأوضاع السياسيّة في العراق، صار صالح سريّة ملاحقا، فلجأ إلى سوريا، ثم اِستقرّ سنة 1971 في مصر ليحصل على شهادة الدكتورا، وقد أخذ يتردّد على جماعة الإخوان المصريّة وعلى مرشدها حسن الهضيبي بوساطة من زينب الغزالي، واِستطاع صالح سريّة أن يلتقي العديد من شباب الإخوان الرّافض لمسار جماعة الإخوان المسلمين في عدم مواجهة النظام، وحدث جدل واسع بين الهضيبي وصالح سريّة حول سبل التعامل مع النظام القائم وضرورة التغيير، ولمّا وصل النقاش إلى طريق مسدود، خرج صالح سريّة وبدأ في تشكيل جماعة التحرير الإسلامي، أو ما يسمّيه شباب محمّد.

لم يدم التخطيط كثيرا، فاِستعجل الدكتور صالح سريّة تنفيذ محاولة اِنقلاب على النظام المصري بواسطة شباب متحمّس قليل الخبرة، وذلك بالاِستيلاء على مركز قيادة الفنيّة العسكريّة الذي يحتوي على السلاح والدّبابــات، والتحرّك نحو مكان اِجتماع الرئيس المصري أنـــور السادات ومن معه من القيادات السياسيّة والعسكريّة، وتلاوة البيان الأول للاِنقلاب، وفشل المخطّط يوم 18 أكتوبر 1974 ووقعت مجزرة خلّفت 52 قتيلا و65 جريحا ليستسلم أغلب أعضاء التنظيم، وتم إعدام صالح سريّة وأحد رفاقه، في حين كانت الأحكام مشدّدة على البقية، ويعود فشل هذه المحاولة الاِنقلابية لغياب المخزون البشري لجماعة التحرير الإسلامي، فلم يتجاوز عدد المنتمين للجماعة أكثر من مائتي عضو، ولم يشارك في العمليّة سوى ربعهم، ولم تكن لهم خبرة أو تدريب في الشؤون القتاليّة، يضاف إلى أنّ القيادة لم تكن مصريّة، لأن صالح سريّة كان فلسطينيّا، فكانت العمليّة أشبه بالفعل الاِنتحاري، ويبدو أنّ صالح سريّة كان مدفوعا بالرغبة في إستنساح المحاولات الاِنقلابية المتعدّدة التي شهدها العراق وسوريا في تلك القترة.

كان لصالح سريّة أثره النظري الفكري، فلئن قدّم سيّد قطب تفسيرا معاصرا للقرآن كونه نصّا حركيّا يدعو إلى العمل، فإنّ صالح سريّة قدّم تصوّرا معاصرا لأركان الإيمان ركّز فيه على المنحى الثوري للمفهوم العقائدي، فالإيمان عنده قناعة للتغيير: تغيير الذّات وتغيير العالم، فالنتيجة الأولى لمفهوم الإيمان تتعلّق بالحكم والحاكمية اليوم، وتقييمه “أنّ الحكم القائم اليوم في جميع بلاد الإسلام هـو حُـكم كــافر فــلا شكّ في ذلك، والمجتمعات في هذه البــلاد كلّها مجتمعات جـاهلية”، ويسوق صالح سريّة عديد الآيات التي يتأوّلها بمعنى تكفير الأنظمة والمجتمعات والحكم بجاهليتها المطلقة، وأراد التصدّي للتبريرات الشائعة من كون الدولة صارت حامية للدّين بانية للمساجد، وقد نصّت في دساتيرها على أنّ الإسلام هو المصدر الأول للتشريع، وهي في ذلك تغالط النّاس وتستعطف الشرعيّة السياسيّة من الجماهير الشعبيّة، وهي بعيدة كل البعد عن الإسلام حكما وتحكيما، وفي تكفيره للأنظمة يعدّد صالح سريّة الأنظمة الاِشتراكية والليبراليّة والرأسمالية والقوميّة فيراها على الكفر مطلقا، بل إنّه يجادل بحججه في كفر النمط الديمقراطي الذي يعطي السلطة والمشروعية للشعب في سن القوانين والتشريعات، “إذ أنّ الدّيمقراطيّة على سبيل المثال منهاج للحياة مخالف لمنهاج الإسلام، ففي الديمقراطيّة أنّ الشعب هو صاحب السلطة في التشريع.. في حين أنّ الشعب في الإسلام لا سلطة له على تحليل الحرام وتحريم الحلال ولو أجمع الشعب كلّه على ذلك”، وهكذا صارت الديمقراطيّة كفرا مطلقا، وفي ذلك كان الاِنفصال الثاني بين صالح سريّة وجماعته مع الإخوان المسلمين، وكان الاِنفصال الأول بين صالح سريّة وحسن الهضيبي في سبل التغيير والتعجيل بالكفاح المسلح في عمل اِنقلابي من أعلى رأس الهرم.

عندما فتح صالح سريّة باب التكفير بالتشخيص وذكر الأسماء حتى لا يكون كلامه مجرّدا: كفّر النظام والمجتمع، واِنتقل لتكفير الأحزاب والجمعيات وسمّاها بالإسم: الحزب الشيوعي، حزب البعث العربي الاِشتراكي، حركة القوميين العرب، الحزب القومي السوري..، ليطال التكفير كل الأفكار السياسيّة من ليبرالية واِشتراكية وقوميّة وأمميّة.، ولم تسلم من هاجــس التكفير الفلسفة التي أنتجها العقل الغربي الحديث من مـادية ووجوديّة ذهنية، ويصبح المبدأ الـعام في الرسالة خيارا عند صالح سريّة: كل مبدأ أو فكرة تعارضت مع الإسلام فهي على خطأ وضلالة، وإن وافقت الإسلام فالأولى اِتباع الإسلام من تلك المبادئ المستوردة عن العقل الغربي الكافر.

بعد تحليل معمّق يحتجّ فيه بقراءة تأويليّة للقرآن والحديث، يضع صالح سريّة القواعد العليا للتكفير، وهذا تطوّر فكري يتجاوز تلميحات سيّد قطب وتعميماته، فصار للتكفير قواعد علميّة نظريّة تؤسّس لموجة من التكفير في الدول الاِسلامية وخاصة مصر، وليس في الموروث الإسلامي تقعيد للتكفير وإن كنّا نعثر على شروط الاِتهام بالردّة والزندقة، فالردّة مثلما رأينا في الفصل الأول ترتبط بجدلية العقيدة والسياسة، وكانت الزندقة ترتبط بالفكر والعلم، أما التكفير عند صالح سريّة فيرتبط بعلاقة المسلم بالمشروع الإسلامي في الحاكميّة، وحدّد صالح سريّة ثلاثة قواعد للتكفير:

الإيمان هو الحاكميّة: فالإيمان بالله يعني تحكيم شرع الله وشريعته وإلاّ دخل المسلم في دائرة الكفر، فالمسلم لن يحتفظ بصفة المسلم إن لم يلتحق بعد إسلامه بالعصبة المجاهدة لتطبيق شريعة الله في الأرض، وكلّ من شرّع للناس فقد نصّب نفسه إلها، “ومن رضي بهذه التشريعات أو المناهج فقد عبد ربّا غير الله فأصبح كافرا كذا قطعيّا، إذ جعلها بديلا لمنهج الله وشريعته”، وبهذه القاعدة يقع تكفير الحكومات والأحزاب والمجالس النيابيّة، وبها يقع تكفير النظريات السياسية كالليبرالية والاِشتراكية والقومية والدولة الوطنية.

شموليّة الإسلام: وتتعلّق هذه القاعدة بتكفير الأفراد بعد تكفير الجماعات في القاعدة الأولى، ويرى صالح سريّة أنّ هذه القاعدة ترتبط بأن لا ينتقي المسلم المؤمن من الإسلام ما يراه مناسبا له في العقيدة دون السياسة، فالمسلم داخل في دائرة الكفر ما لم يطبّق تعاليم الإسلام كلّها، “فمن أراد برأيه أن يقتصر الإسلام على العقيدة أو الشعائر أو الأخلاق فقد كفر بالإسلام.. ولهذا كفّرنا من قصر الإسلام على العبادة وأعطى الحريّة لنفسه لأن يختار النظام الذي يريده للحياة أو حارب تدخّل الإسلام في السياسة”.

الإيمان جهاد: وتشمل هذه القاعدة الأفراد والجماعات معا، وقوامها أنّ المسلم المؤمن المجاهد يجب أن يجمع بين ثلاثة: الاِعتقاد الإيماني، العمل الدّعوي، والعمل الجهادي، ومن أسقط ركنا دخل في دائرة الكفّار ووجب تكفيره وقتاله، لأنّ الإسلام ليس اِعتقاد إيماني، “إذ أنّ الحركة الاِسلامية خافت حمل السلاح للجهاد في سبيل الله ظنّا منها أنّ النّاس مسلمون، ولا نجاح إطلاقا بدون جهاد”.

تنويه: كل الشواهد في المقال من كتاب صالح سريّة “رسالة الإيمان، أما مساره وسيرته ورؤيته فاعتمدنا على مرافعته في المحكمة بصوته سنة 1976 بعد الإفراج عن التسجيل سنة 2012 زمن حكم الجماعة في مصر.

ملخص المنشور في مركز المسبار للدراسات والبحوث