صبري: محور الشر الاميركي-الاسرائيلي لا يستهدف العراق وحده

فيينا
الدكتور ناجي صبري والكاتب السياسي الدكتور برهان الجلبي ورئيس تحرير ميدل ايست اونلاين الدكتور هيثم الزبيدي اثناء الحوار في فيينا

قال وزير الخارجية العراقي الدكتور ناجي صبري في حوار مشترك مع ميدل ايست اونلاين وشبكة الاخبار العربية "أي.ان.ان" ان عمليات الرقابة والتفتيش على الاسلحة العراقية يجب ان توضع ضمن اطار شامل لحل مسألة العلاقة بين العراق ومجلس الامن، وخصوصا موضوع رفع الحصار الذي اصبح، على حد تعبير الامين العام، عبئا اخلاقيا على الامم المتحدة. وعلى هذا الاساس رفض العراق السماح بعودة المفتشين.
وقال انه على الرغم من الآلاف من الزيارات والآلاف من المراقبين والمفتشين لم تتوصل واشنطن الى دليل واحد يدين بغداد.
وذكر بان العراق تعاون، بشهادة مفتشي الاسلحة، بنسبة 99% في عمليات التفتيش، وهي نسبة تكفي لمنح العراق شهادة الامتياز في التعاون، لكنهم «كافئوا» العراق بـ 460 صاروخ كروز خلال اربعة ايام من العدوان.
واكد الوزير العراقي ان النوايا العدوانية الاميركية لا تستهدف العراق وحسب، اذ صار واضحا من خطاب بوش الاخير ان ما كان تقوله الادارة الاميركية عن العراق صارت تقوله على الفلسطينيين وضد البيت العربي عموما. فلا احد مستثنى من النوايا العدوانية الاميركية التي يرسمها شارون وتنفذها هذه الادارة الاميركية.
وشدد على فشل محور الشر بين واشنطن وتل ابيب في عزل العراق عن اشقائه العرب، واكد ان الرد على مخططات هذا المحور لمنطقتنا انما يكون بمزيد من التضامن بين العرب.

وفيما يلي النص الكامل للحوار: * هذه هي الجولة الثالثة من المفاوضات بين العراق والامم المتحدة، هل تلمسون رغبة من المنظمة الدولية او مجلس الامن او بالاخص من الامين العام لحل المسألة العراقية ام ان هنالك تدخلات اميركية لمنع التوصل الى حل؟ - قبل بدأ الجولة في آذار/مارس الماضي اتفقت مع السيد كوفي انان على ان تكون الشرعية الدولية وميثاق الامم المتحدة وقراراتها هم المرجعية لهذا الحوار. وهذا يعني ان يسعى كلانا لتحقيق التسوية الشاملة المنصوص عليها في قرارات مجلس الامن. ونحن نعتقد ان السيد الامين العام راغب في ايجاد تسوية شاملة للمسألة ويتعامل بطريقة ايجابية معنا لمسناها من الجولتين السابقتين كما لمسناها في هذه الجولة. اما بالنسبة لمجلس الامن فاعتقد ان دولتين فقط من الاعضاء الدائمين تتخذان موقفا غير ايجابي من هذا الحوار ولا ترغبان في التوصل الى تسوية شاملة للملف العراقي. والسبب هو رغبة الولايات المتحدة ان لا تأخذ هذه المنظمة دورها بموجب القانون الدولي. * اذا قرر العراق اعادة المفتشين، هل سيكون هذا القرار لتحاشي الضربة الاميركية المتوقعة؟ ام ثمة قناعة عراقية ان بغداد ليس لديها ما تخفيه عن العالم؟ - نحن واثقون ان الولايات المتحدة وبريطانيا متأكدان تماما ان لا يوجد ما يسمى باسلحة الدمار الشامل في العراق. * لكن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير اعلن في البرلمان البريطاني بأنه يملك الادلة الكافية على ان العراق ما زال يطور اسلحة دمار شامل؟ - نحن طلبنا من السيد بلير ان يرسل فريقا للتحقق من هذه الادعاءات. ومنذ ذلك الحين تراجعت بريطانيا عن الموضوع لانها لا تملك مثل هذه الادلة. وكل ما اثير من ادعاءات هو كلام قديم مستمد من اوراق اللجنة الخاصة، لجنة التجسس اونسكوم، ورد عليها المسؤولون العراقيون. لا وجود لدليل واحد. ونحن نتحدى الحكومة البريطانية ان تقدم دليلا واحدا على صدق مزاعمها.
منذ عام 1991 لم تستطع اللجنة الخاصة، ورغم الآلاف من الزيارات والآلاف من المراقبين والمفتشين، ورغم استخدام آليات للزيارات لا سابق لها من التدخل الاقتحامي، لم تتوصل الى دليل واحد يدين العراق على غير ما اعلنه. العراق تعاون مع لجان التفتيش وقدم ما لديه من مواد ودمرت هذه المواد في العام الاول من عمل اللجنة. وكل ما تدعيه اللجنة مأخوذ عن وثائق من الماضي. وانا اتحدى الحكومة البريطانية ان تقدم دليلا على وجود نشاط محظور في العراق. واذا كانت الحكومة البريطانية واثقة فلترسل فريقا بريطانيا من الخبراء الى العراق للتأكد من عدم مصداقية مزاعمها. *هل يعني ذلك ان الدعوة ما تزال مفتوحة لبريطانيا؟ - نعم. ولكن السيد توني بلير يعلم ان لا صحة لمزاعمه. وثمة سوابق على هذا الامر عندما اعلن ان مساحة بيت واحد من بيوت الضيافة الرئاسية تزيد عن مساحة باريس. وعندما جاء مساحو الامم المتحدة اثناء الزيارات التي قام بها المفتشون للمواقع الرئاسية وجدوا ان المساحة الكلية لهذه المواقع الرئاسية لا تزيد على 28 كيلومترا مربعا، وان نصفها تقريبا مساحات مائية، بينما السيد بلير كان يقول انه واثق ان مساحة بيت واحد فقط تزيد على مساحة باريس. * هل تعتقدون ان هذا هو جزء من المبالغات التي تصف العراق بمصدر الخطر على الامن الاقليمي وجيرانه؟ - هذا ايضا من الادعاءات المرفوضة لان علاقات العراق مع دول الجوار جيدة وتتطور بشكل مستمر. ان من يشكل خطرا على العالم هو ادارة الشر الاميركية والتي يتبعها، مع شديد الاسف، رئيس الوزراء البريطاني توني بلير. * تردد وسائل الاعلام الغربية ان الهدف من عودة المفتشين ليس الحرص على التحقق من التزام العراق بالقرارات الدولية بقدر ما هو وسيلة للتأكد بأن العراق لا يملك اسلحة يمكن استخدامها ضد القوات الاميركية او اسرائيل في حال توجيه ضربة اميركية للعراق والرد العراقي عليها؟ - الحكومة الاميركية تعلم علم اليقين انه لا توجد اسلحة دمار شامل لدى العراق، وكان جواسيسها يعملون في العراق حتى نهاية عام 1998 ضمن اللجنة الخاصة، ولم يستطيعوا تقديم دليلا واحدا على ادعاءاتهم. وكل ما فعلوه هو عرقلة رفع الحصار. وعلينا التذكير بان الولايات المتحدة تمارس العدوان يوميا على شعب العراق منذ عام 1991 وحتى الان. وهناك انتهك يومي تقوم به الطائرات الاميركية والبريطانية لاجواء العراق وحرمة اراضيه في الجنوب والشمال. وهناك عدوان يومي ترتكبه طائراتها على القرى والمدن والمنشآت المدنية والعسكرية العراقية. ولهذا تحاول الولايات المتحدة اعادة المفتشين لتحديث معلوماتها الاستخبارية عن العراق لتستخدمها في عدوانها المستمر او في توسيع العدوان كما تقول. * اذن، فعودة المفتشين يمكن ان تعجل من ضرب الولايات المتحدة للعراق؟ - نحن نرى ان عودة الرقابة والمفتشين تدخل من باب ما حددته قرارات الامم المتحدة ذات العلاقة، أي ان تكون في اطار التأكد من زوال الاسلحة. وهذا ما تأكدت منه اللجنة السابقة وما تبقى يتعلق بالماضي. وهذه القضايا يمكن ان تحسم بسهولة اذا توفرت النية الصادقة للطرف الاخر. ولذلك فان الرقابة والتفتيش يجب ان يوضعا ضمن اطار شامل لحل مسألة العلاقة بين العراق ومجلس الامن وخصوصا موضوع رفع الحصار الذي اصبح، على حد تعبير الامين العام، عبئا اخلاقيا على الامم المتحدة، وكذلك من خلال احترام امن وسلامة العراق ووقف العدوان الاميركي البريطاني على العراق المستمر من 11 عاما، وايضا الامن الاقليمي. فلا يجوز ان لا يسمح للعراق باستيراد بندقية، في حين يستمر الآخرون في تكديس ترسانات الاسلحة، وهذا يعني منع العراق من الحق الطبيعي في الدفاع عن النفس في حالة التعرض الى العدوان. ان هذا يخلق خللا خطيرا في امن المنطقة عالجه مجلس الامن في قراره 687 في الفقرة 14 التي منعت الولايات المتحدة في اطار سياستها في ازدواج المعايير، منعت مجلس الامن من اصدار كلمة واحدة بهذا الشأن. في حين تعطي الضوء الاخضر لجيوشها وطائراتها لقصف العراق وايذاء شعبه بناء على ادعاءات باطلة. * أي انكم تريدون تفعيل الفقرة 14 من القرار المذكور؟ - انه قرار من قرارات مجلس الامن. ولم ينفذ في اطار ازدواجية المعايير. فمجلس الامن يصدر قرارا بارسال هيئة مراقبين الى الاراضي الفلسطينية المحتلة، لكن الكيان الصهيوني يرفض ذلك فيتراجع مجلس الامن عن مطالبه رغم ان ذلك كان الحد الادنى مما يمكن ان يفعله المجلس ازاء هذه المذابح التي ترتكب بحق الشعب العربي الفلسطيني. ولكن في حالة العراق عندما يختلق المفتشون اكاذيب حولنا فان الولايات المتحدة ترسل الطائرات والصواريخ كما حدث في نهاية عام 1998. فعندما عاد المفتشون في تشرين الثاني 1998، قاموا بـ 427 عملية تفتيش. ومن بين هذه العمليات قال بتلر الرئيس السابق للجنة اونسكوم المقبورة ان العراق لم يتعاون في 5 منها. واحدة من هذه العمليات هي زيارة لمقر مدني ليست له اية علاقة لا من قريب او بعيد باسلحة الدمار الشامل. وبعض ادارات الدولة ارادوا زيارتها ايام الجمعة، أي يوم العطلة الرسمية في العراق، وفي اثناء صلاة الجمعة، فرفض الحارس السماح لهم بذلك الى حين وجود موظفين في المبنى. ولكن لنفترض ان العراق لم يتعاون في هذه الزيارات الخمس، أي ما يعادل 1% فقط وتعاون بنسبة 99%. الا تكفي هذه النسبة لمنح العراق شهادة الامتياز في التعاون، لكنهم «كافئوا» العراق بـ 460 صاروخ كروز خلال اربعة ايام من العدوان، وهو رقم يزيد عما اطلقوه على العراق اثناء العدوان الثلاثيني عام 1991. ان هذا ما ندعوه ازدواجية المعايير.
ثمة قرار لاخلاء منطقة الشرق الاوسط من اسلحة الدمار الشامل، ولكن الولايات المتحدة لا تسمح حتى باصدار بيان على الورق لتفعيل هذا القرار. * اعادت قمة بيروت العراق الى دوره التقليدي على الساحة العربية وسجلت تقاربا مهما مع المملكة العربية السعودية، فهل تعتقدون ان هذه التطورات على المستوى الاقليمي اخرت الضربة الاميركية؟ وكيف ان يترجم هذا التقارب على المستوى البعيد؟ - نحن نعتقد ان النوايا العدوانية الاميركية لا تستهدف العراق وحسب، وصار واضحا من خطاب بوش الاخير ان هذه النوايا العدوانية تشمل فلسطين ودول عربية اخرى. وهذا النهج العدواني يستهدف كل الزعامات العربية. *هل يشمل هذا الزعماء من اصدقاء الولايات المتحدة؟ - لا اريد التعليق على ذلك، ولكن خطاب بوش الاخير واضح. فلا احد مستثنى من النوايا العدوانية الاميركية التي يرسمها شارون وتنفذها هذه الادارة الاميركية. انه محور الشر الموجود بين تل ابيب والبيت الابيض. ويبقى ان الرد على هذا المخطط من ناحية العرب هو عن طريق التضامن العربي والتنسيق. وقد دعونا في وقت سابق الى ان ينسى العرب خلافاتهم او ان يؤجلوا ما لا يستطيعون نسيانه. وهذا هو مضمون الرسالة التي وجهها الرئيس صدام حسين الى القادة العرب. ويعني ذلك ان العراق اول الاطراف التي تدعوا الى نسيان الخلافات لصالح التضامن العربي الفعال وتأسيس هذا التضامن على قاعدة مادية من التعاون الاقتصادي والتكامل بين الاقطار العربية. * أي ان ثمة مراهنة عراقية على تحرك عربي شامل للخروج من الوضع المتردي الحالي؟ - نحن نسعى في هذا الاتجاه ونعتقد ان الصورة اصبحت واضحة بالنسبة للقيادات العربية. وتصريحات بوش الاخيرة تؤكد ان ما كانت تقوله عن العراق صارت تقوله على الفلسطينيين وضد البيت العربي عموما. والرد عليها هو بالتضامن. * كشفت الانتفاضة التأييد الاميركي غير المحدود والمطلق لاسرائيل في وقت تحث فيه الولايات المتحدة الخطى لضرب العراق، هل تعتقدون ان قضيتا العراق وفلسطين تشابكتا سويا بحيث لا يمكن حل واحدة منهما دون الاخرى؟ - الانتفاضة المباركة ثبتت عدة حقائق اساسية. ثبتت ان شعبا يصر على النضال من اجل حقوقه لا يمكن ان يهزم. وهذه الحالة المرتبكة التي تظهر بها اسرائيل ورغبة العديد من مواطنيها بالهجرة المضادة تكشف عمق ازمتها. كما انها اثبتت ان اسرائيل والولايات المتحدة سواء، فعندما تكشف واشنطن عن حقيقة نواياها فانها تتبنى المنهج الصهيوني. * منذ عام 1990 راهنت الولايات المتحدة على عزل العراق دوليا واقليميا واضعافه سياسيا واقتصاديا، ما هو تقييمكم لنجاح هذه السياسة؟ - الاماني الاستعمارية الاميركية كثيرة، وهي تصطدم بحقائق على الارض تمنعها من تنفيذها. ومن هذه الاماني ما سعت الولايات المتحدة الى تحقيقه بالنسبة الى كيان الدولة العراقية. فمنذ عام 1991 سعت الى تخريب كل ما يمس هذا الكيان وشعبه. فقرارات مجلس الامن صيغت وتنفذ كانتقام من الشعب العراقي، وكذب ما تقوله انها ضد القيادة العراقية. فهي ضد الشعب العراقي، لانه متحضر ويمتلك عمقا حضاريا كبيرا ومصمم على عدم التنازل. ولذلك اصبح شعارنا في العراق، وهو الشعار الذي اطلقه الرئيس صدام حسين، ان كل ما تخربه اميركا من جراء القصف يجب ان يعاد بناءه بشكل افضل من السابق. واذا ضربوه مرة اخرى فنبنيه افضل من المرة السابقة.
لقد استهدفت الولايات المتحدة تخريب التعليم في العراق من خلال الضغوط التي يمارسونها على الشعب العراقي ومنع كل الادوات التي تسهم في قطاع التعليم، فزدنا كفاءة هذا القطاع. واذا ارادوا تخريب جامعة اسسنا جامعة جديدة. وسلطوا الضغط الاقتصادي على الكادر التدريسي لكي يهجر العراق فجعلنا الكادر التدريسي مضاعفا وفتحنا كليات اكثر. وكل المحافظات تشهد نهضة تعليمية وتزيد عدد الكليات فيها.
وهذا الكلام يصح على كل مرفق من مرافق الحياة تحديا لهم.
ارادوا عزلنا عن اخواننا العرب، فاصبحت علاقاتنا معهم اكفأ من اية علاقات بين أي من الدول العربية وفي كل الميادين. والاتفاقيات الاقتصادية مع الجميع تدلل على هذا. وحجم تعاوننا في الدول العربية هو الاكبر بين اية دولة عربية مع دولة عربية اخرى. ونحن مستمرون بتطويرها. فمحاولاتهم فشلت بهمة الشعب العراقي.