صبر أوروبا على طهران بدأ ينفد

الاتهامات الأوروبية لإيران بالتورط في مخططات إرهابية أيقظت بعض الدول في أوروبا التي كانت ضد انتهاج سياسة أكثر تشددا مع طهران.

دول أوروبية تدرس لفرض عقوبات مشددة على إيران
دول الاتحاد الأوروبي الأصغر تتخذ موقفا أكثر صرامة بشأن طهران
الاتحاد الأوروبي يقترب من السياسة الأميركية لعزل إيران
مؤتمر وارسو بمشاركة واشنطن ينظر إليه باعتباره مخاطرة
اجتماع متوتر في الخارجية الإيرانية بين مسؤولين أوروبيين وإيرانيين

بروكسل/باريس - في طهران يوم الثامن من يناير/كانون الثاني أثناء اجتماع مع مبعوثين أوروبيين، وقف المسؤولون الإيرانيون فجأة وخرجوا من الباب وأغلقوه بعنف في خرق غير مألوف للبروتوكول.

وكان الدبلوماسيون الفرنسيون والبريطانيون والألمان والدنمركيون والهولنديون والبلجيكيون في غرفة بوزارة الخارجية الإيرانية قد أزعجوا المسؤولين الإيرانيين برسالة مفادها أن أوروبا لم تعد قادرة على تحمل تجارب الصواريخ الباليستية في إيران ومؤامرات الاغتيال على الأراضي الأوروبية، وفقا لما ذكره أربعة دبلوماسيين أوروبيين.

قال أحد الدبلوماسيين الأربعة "كان هناك الكثير من الملابسات غير المتوقعة، لم يعجبهم ذلك، لكننا شعرنا أن علينا نقل مخاوفنا الجادة، يُظهر ذلك أن العلاقة باتت أكثر توترا".

وفي اليوم التالي، فرض الاتحاد الأوروبي أول عقوبات على إيران منذ أن توصلت قوى عالمية لاتفاق في فيينا عام 2015 مع طهران بشأن كبح برنامجها النووي.

وكانت العقوبات رمزية إلى حد كبير، لكن الاجتماع العاصف انطوى على تحول غير متوقع في الدبلوماسية الأوروبية منذ نهاية العام الماضي.

ويقول دبلوماسيون إن دولا أصغر حجما وأكثر وداعة في الاتحاد الأوروبي انضمت إلى فرنسا وبريطانيا في موقف أكثر صرامة بشأن طهران بما في ذلك النظر في فرض عقوبات اقتصادية جديدة.

وقال ثلاثة دبلوماسيين إن ذلك قد يشمل تجميد أصول وحظر سفر على الحرس الثوري الإيراني وعلى إيرانيين يطورون برنامج الصواريخ الباليستية للجمهورية الإسلامية.

ويقترب هذا النهج الجديد من سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتمثلة في عزل إيران بفرض عقوبات صارمة، رغم أن الحكومات الأوروبية لا تزال تدعم اتفاق فيينا المبرم في عام 2015 والذي انسحب منه ترامب في مايو/أيار.

وبرغم وجود وجهات نظر متباينة في أوروبا، يمكن أن يكون لهذا التحول عواقب على حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني في وقت تتطلع فيه إلى العواصم الأوروبية لإنقاذ هذا الاتفاق.

وقد يعزز هذا التحول أيضا الشعور المناهض للغرب في إيران ويؤدي إلى المزيد من التحركات الإيرانية العدوانية في الشرق الأوسط، حيث تخوض الجمهورية الإسلامية حروبا بالوكالة مع السعودية، منافستها الرئيسية في المنطقة.

وثار قلق القوى الغربية بسبب إطلاق إيران صواريخ باليستية قصيرة المدى على سوريا يوم 30 سبتمبر/أيلول 2018 وإجراء تجارب صاروخية وإطلاق قمر صناعي هذا الشهر.

ويقول دبلوماسيون إن مؤامرات الاغتيال المزعومة التي دبرتها إيران على الأراضي الفرنسية والدنماركية في 2018 كانت القشة الأخيرة بالنسبة لأوروبا. وتنفي طهران المؤامرات وتقول إن تجاربها الصاروخية دفاعية تماما.

وقال دبلوماسي من الشرق الأوسط بإحدى البعثات الدبلوماسية في أوروبا "الاتهامات بحق إيران على مدى الأشهر القليلة الماضية أيقظت بعض الدول في أوروبا التي كانت ضد انتهاج سياسة أكثر تشددا مع إيران".

وفي ذات اليوم الذي عقد فيه الاجتماع، ألقت هولندا علنا بالمسؤولية على إيران فيما يتعلق بعمليات قتل على أراضيها في عامي 2015 و2017. ونفت طهران أي دور لها في ذلك. ثم في التاسع من يناير/كانون الثاني صنف الاتحاد الأوروبي وحدة من وزارة المخابرات الإيرانية منظمة إرهابية وجمد أصولها إضافة إلى أرصدة رجلين.

وقال الدبلوماسي "الهولنديون على سبيل المثال ظلوا هادئين جدا لحين الهجوم الهولندي أما الآن فقد أصبح موقفهم متشددا أكثر من فرنسا".

وثار قلق أوروبا من سياسة ترامب التي تحمل شعار "أميركا أولا" واعتبرت أن قراره في الثامن من مايو/أيار بالانسحاب من الاتفاق الإيراني انتكاسة شديدة، لكن بدا أن الطموحات الدولية لإيران قدمت لبروكسل وواشنطن فرصة أكبر للعمل معا.

وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية يوجد الآن "إجماع دولي متزايد" على مدى التهديدات الإيرانية.

وأضاف "الولايات المتحدة ترحب بجهود أوروبا للتصدي لإرهاب إيران على أراض أوروبية وإطلاقها للصواريخ وانتهاكها لحقوق الإنسان وتهديدات أخرى".

وفيما اتهمت إدارة ترامب إيران العام الماضي بأن لها طموحات نووية وبأنها تزيد من زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط من خلال دعمها لجماعات متشددة في سوريا والعراق ولبنان واليمن كان الاتحاد الأوروبي يسعى لإجراء حوار مع طهران.

وفي اجتماعات ضمت دبلوماسيين أوروبيين وإيرانيين العام الماضي حاولت بريطانيا وفرنسا وإيطاليا الضغط من أجل اتخاذ إيران مبادرات فيما يتعلق بدورها في الحرب السورية والمساعدة في إنهاء الصراع في اليمن.

لكن العديد من المحادثات الثنائية بشأن برنامج الصواريخ الباليستية لم تتمخض عن نتائج.

وحاول الاتحاد الأوروبي أن يظهر لإيران أن الالتزام بالاتفاق النووي لا يزال يعني الحصول على منافع اقتصادية رغم قرار ترامب إعادة فرض العقوبات الأميركية ووقف صادرات النفط الإيراني عبر الضغط على حلفاء الولايات المتحدة.

ومن المقرر أن يطلق الاتحاد الأوروبي رسميا هذا الشهر آلية خاصة تهدف لتسهيل التجارة مع إيران، لكنها لن تدخل حيز التنفيذ قبل عدة أشهر. وستسجل تلك الآلية في فرنسا وستديرها ألمانيا وستشمل على الأرجح بريطانيا كمساهم.

وقال دبلوماسي بارز آخر في الاتحاد الأوروبي "هناك شعور بالإحباط بين بريطانيا وفرنسا وألمانيا ودول أخرى بعد المرحلة الأولى من الجهود الدبلوماسية مع إيران. اعتقدنا أن بمقدورنا دفع الإيرانيين لبذل بعض الجهد على عدة أصعدة".

وتقول إيران إن أوروبا قد تخفق على أي حال في حماية الاتفاق النووي وتتهم مسؤولين أوروبيين بالتردد والتباطؤ.

وقال عباس عراقجي نائب وزير الخارجية الإيراني والمفاوض النووي البارز الأسبوع الماضي، إن هناك حاجة إلى "خطوات عملية" من أوروبا إذ أن الدعم السياسي ليس كافيا.

وقال آية الله أحمد جنتي رئيس مجلس الخبراء الذي يتمتع بالنفوذ في إيران الخميس إن أوروبا "لن تفعل أي شيء في صالحنا".

صواريخ ايران الباليستية ومخططاتها الإرهابية في أوروبا تدفعان أوروبا لتغيير موقفها الداعم لطهران
مسؤولون اوروبيون ضغطوا على إيران لوقف برنامجها للصواريخ الباليستية

وأضاف في تصريحات نقلها التلفزيون الرسمي "الأوروبيون أسوأ من الأميركيين. وحتى إن لم يكونوا أسوأ، فلا فرق بينهم".

وأفادت وثيقة أنه في مارس/آذار وفي إطار المساعي لإقناع ترامب بالالتزام بالاتفاق النووي، اقترحت فرنسا وبريطانيا وألمانيا تجميد أرصدة الحرس الثوري الإيراني وشركات وجماعات إيرانية تطور برنامج إيران الصاروخي وفرض حظر سفر عليها.

ويقول ثلاثة دبلوماسيين إنه يجري الإعداد الآن لسلسلة إجراءات مشابهة. وقال دبلوماسي أوروبي كبير "نفضل عدم اتخاذ هذه الإجراءات، لكن عليهم أن يكفوا عن محاولة قتل الناس على أراضينا كما أنهم على مدى السنوات الثلاث الماضية طوروا برنامجهم للصواريخ الباليستية".

ويقول الدبلوماسيون، إن حمل كل دول الاتحاد الأوروبي وعددها 28 على الاتفاق سيستغرق بعض الوقت.

وذكر أربعة دبلوماسيين أن مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني التي ساعدت في إتمام اتفاق 2015، تشعر بالقلق من التحرك أسرع من اللازم خوفا من أن يؤدي ذلك إلى انهيار الاتفاق بشكل كامل.

وكان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يعتزمون إصدار بيان مشترك فريد من نوعه يوم 21 يناير/كانون الثاني بشأن ما يقولون إنه تدخل إيران في المنطقة وكانوا يريدون الدعوة لإنهاء التجارب الصاروخية، لكن دبلوماسيين قالوا إن موغيريني أرادت وضع الآلية الخاصة للتجارة مع إيران أولا.

ونفى مسؤول في الاتحاد الأوروبي أي انقسام في السياسة بين موغيريني وحكومات التكتل، قائلا إن البيان سينشر بمجرد إطلاق الآلية.

وقال دبلوماسيون إن حكومات شرق أوروبا قد تتمادى في اتخاذ إجراءات ضد إيران لإرضاء ترامب مقابل ضمانات أمنية ضد روسيا.

وذكر دبلوماسيون من التكتل أن مؤتمرا دعا إليه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو وسيستمر يومين في بولندا خلال شهر فبراير/شباط، وسيتناول الشرق الأوسط وتحديدا إيران يمكن أن يحدث انقساما بين شرق أوروبا وغربها.

وقال مسؤول من الاتحاد إن موغيريني لن تحضر بسبب ارتباط رسمي آخر وليس من الواضح مستوى التمثيل الذي سترسله فرنسا وبريطانيا وألمانيا.

وقال دبلوماسي آخر "من الواضح أن هناك مخاطر في الحضور ورغم أننا لا نعتقد أن إيران ستنسحب من الاتفاق النووي، فنحن لسنا بحاجة لدفعهم إلى حافة الهاوية وتعميق خطر سباق التسلح في الشرق الأوسط".