صحوة داعش في العراق: الأسباب والآفاق

الوضع الحقيقي في العراق لا يؤكد الاستنتاجات المتفائلة لعدد من السياسيين العراقيين والأمريكيين بشأن الانهيار العسكري لداعش نعم اليوم العنصر العسكري في داعش ضعيف للغاية، لكن لم يتم تدميره بالكامل.

بقلم: فالح الحمـراني

يعتقد الخبراء بحق أن النشاط المطرد لأعمال المقاتلين ومؤيدي "داعش" يرجع إلى حد كبير إلى حقيقة أنه "لا توجد حتى مؤشرات أولية لحل المشكلة الرئيسة، والتي أدت بالفعل إلى ظهور داعش كظاهرة. هذا هو عدم رغبة الشيعة في دمج النخبة السنية بشكل مناسب في السلطة التنفيذية في العراق. ولم يتم حل مسألة الدمج الرسمي للميليشيات السنية في محافظتي الأنبار ونينوى في الجيش العراقي. كل هذا "يترك هذه المناطق كقواعد محتملة وحقيقية لفصائل داعش المتبقية".

في هذا الصدد، يؤكد المراقبون السياسيون: "بالطبع، يمكن طرد داعش إلى "تحت الأرض" ( العمل سراً) وتدميرها جزئياً، وخاصة السيطرة الكاملة في الجو، و لكن مهمة حرمانها من أسسها وقاعدتها المادية مهمة ممكنة فقط من خلال جذب القبائل السنية إلى جانب الدولة. ولا يوجد حل عسكري بحت لهذه المشكلة، كما يجري في العراق. ولتطبيع الوضع، يلزم إجراء إصلاح سياسي كامل للسلطة. " بعد كل شيء، يجب اعتبار "داعش" "تعبير عن اقصى درجة من سخط مكونات شعب العراق، لا سيما غير الشيعية، على التوازن القائم في توزيع الخيرات الاقتصادية والاجتماعية بين معتنقي مختلف المذاهب والأديان. وفي هذا الصدد، فإن أي إقليم يعيش فيه أبناء مذهب أو دين يشعر بالغبن يكون تقليديًا هو مصدر محتمل لوجود داعش والمتطرفين الآخرين بدرجة أو بأخرى." وإذا لم يتم حل هذه المشكلة، يمكن أن ينتهي كل شيء بظهور "كيان داعش".

في كانون الأول 2017، أعلنت الحكومة العراقية عن النصر العسكري على تنظيم داعش في البلاد. وفي وقت لاحق كررت بغداد هذا البيان. وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مراراً وتكراراً النصر العسكري على داعش في سوريا والعراق. وفي 30 نيسان 2018، أعلن التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الانتهاء من العمليات العسكرية الكبرى ضد إرهابي داعش. كما توقف مقر القوات البرية المشتركة في بغداد عن العمليات. وفي الواقع، تمكنت قوات الحكومة العراقية بدعم كبير (لا سيما الطيران) من التحالف الغربي من إلحاق الهزيمة بالتشكيلات المسلحة الكبيرة لداعش، واستعادة الأراضي الكبيرة في العراق من "داعش"، ودمرت داعش نفسها كهيكل شبه دولة.

في الوقت نفسه، لا يؤكد الوضع الحقيقي في العراق الاستنتاجات المتفائلة لعدد من السياسيين العراقيين والأمريكيين بشأن الانهيار العسكري لداعش. نعم، اليوم "العنصر العسكري في داعش ضعيف للغاية، لكن لم يتم تدميره بالكامل". ووفقًا لمكتب مكافحة الإرهاب التابع للأمم المتحدة، واعتباراً من شباط مِن هذا العام، ما زال هناك 14 إلى 18 ألف مقاتل من الجماعة الإسلامية في العراق وسوريا. في الوقت نفسه، تطورت المجموعة تدريجياً إلى شبكة سرية، بينما لا يزال لدى "الجهاديين" في العراق إمكانات كافية للقيام بعمليات تخريبية تحت الأرض.

ووفقًا للمحللين السياسيين والعسكريين، اتخذ قادة الدولة الإسلامية "عددًا من الخطوات العملية لتوزيع بعض مسلحيهم وأسلحتهم ومواردهم، مما سمح للجماعة بمواصلة عملياتها الإرهابية والمتمردة بعد الهزيمة العسكرية التي منيت بها. وعلى وجه الخصوص، في عام 2017 تمت إعادة تنظيم العديد من التشكيلات المسلحة، بما في ذلك الأكثر استعداداً للقتال، في مجموعات صغيرة. واكتسبت البعض منها الصفة الشرعية، والانضمام حتى إلى السلطات المحلية وأجهزة حفظ النظام في المحافظات التي تقطنها أغلبية من العرب السنة،" حيث جرت كل هذه العمليات وتمر بشكل حصري على أساس اتفاقات مع النخبة القبلية السنية". ويقوم مسلحو الجماعة الإسلامية بنشاطات تخريبية وإرهابية نشطة، وترويع المدنيين، ومهاجمة ضباط الشرطة وجنود القوات المسلحة العراقية، ومرافق البنية التحتية. لديهم تحت تصرفهم الأدوية والمواد الغذائية، واستخدام الاتصالات المتنقلة والطائرات بدون طيار. احتفظ المسلحون بترسانة كبيرة من الأسلحة في محافظة الأنبار.

في الوقت نفسه، لا يسيطر أنصار "داعش" في الوقت الحالي على مناطق شاسعة في العراق. ولكن الإرهابيين تمكنوا من الاختباء في المناطق المهجورة في البلاد. ولديهم ملاجئ في محافظات تكريت والموصل والأنبار وجبال حمرين في شمال شرقي العراق. وقد شوهدت في كركوك وصلاح الدين مجموعات من مقاتلي جماعة داعش (من 80 إلى 100 شخص) ، يتحركون بحرية في السيارات. ويمثل "الجهاديون" الذين يُطلق عليهم "الخلايا النائمة" في داعش خطراً جسيماً. وغالباً ما يقوم متشددو داعش بمحاولات لاختراق الأراضي العراقية من سوريا المجاورة.

ولاحظ الخبراء الأمريكيون أن الأشهر القليلة الماضية، شهدت مؤشرات على "صحوة" ـ "الدواعش". وعلى الرغم من فقدان سيطرتها على مناطق شاسعة، فإن الإمكانات المتبقية لـداعش "بدأت تكشف عن نفسها أكثر فأكثر في العراق". وتقوم الجماعة الإرهابية "مرة أخرى بحملة في البلاد، كجزء من حرب تفجير الألغام وتشن غارات مباشرة بهدف قلب الوضع لصالحها، كما كان من 2010 إلى 2014". علاوة على ذلك ، يُلاحظ اعتمادها أسلوب " الكر والفر" ويشار إلى أن التحرك السري الذي يقوم به الجهاديون خلال فترة "ما بعد هزيمتهم" يتسارع بوتيرة أسرع من الجهود المبذولة لدحرها "التي تقوم بها قوات التحالف الغربي". وإلى جانب القيام بعمليات نشطة، يقوم مؤيدو جماعة داعش باستعادة "شبكات المتمردين" في "معاقلهم التاريخية" في البلاد و "ربطها بوحدة كاملة، وإعداد الظروف لاتخاذ إجراءات هجومية مستقبلية ضد حكومة العراق". ومع ذلك، ليس من صالح المقاتلين في الوقت الحالي" احتلال منطقة مأهولة بالسكان، ويواصلون الالتزام بأساليب حرب العصابات". ومن نواح كثير إن عدم وجود مصادر تمويل كبيرة، يعوق تنفيذ الخطط الهجومية للمتطرفين.

وقال رئيس القيادة المركزية الأمريكية الجنرال جوزيف فوتيل: إن خدمات الرصد الأمريكية تُظهر أن" محيط جماعة داعش" لا يزال متطرف، لذا يحتاج الجيش إلى مواصلة العمليات ضد المنظمة الإرهابية، بما في ذلك ضد قادتها ووسطائها، وكذلك ضد الإيديولوجية الجهادية "السامة".

ويحاول الجيش العراقي والشرطة وقوات الأمن بكل طريقة مواجهة مقاتلي داعش. على وجه الخصوص، لا تزال القوات المسلحة العراقية والميليشيات تكشف عن ملاجئ إرهابيي داعش على أراضي البلد وتهاجمهم. وزاد في الآونة الأخيرة، عدد العمليات العسكرية ضد الإرهابيين زيادة كبيرة، وفي العديد من المحافظات في وقت واحد. ويشير الخبراء إلى أن تحركات الجيش العراقي و"الحشد الشعبي" أصبحت "أكثر تقارنً ليس بالعمليات الخاصة المحلية، ولكن بالعمليات العسكرية واسعة النطاق التي تنطوي على المدفعية والطيران". ويوفر الطيران والمدفعية من التحالف الغربي دعماً نارياً وجوياً منتظماً لقوات الحكومة العراقية. وفقاً لتقارير وسائل الإعلام، فإن خدمات الرصد الخاصة للولايات المتحدة وفرنسا والعراق وسوريا قد زادت مؤخراً من جهودها للبحث عن زعيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي، في المنطقة الحدودية السورية العراقية. وتشارك الطائرات بدون طيار في العمليات، وفرق البحث تمشيط التضاريس. ومع ذلك، فإن جميع جهود قوات الأمن العراقية وقوات التحالف الغربي ليست ناجحة للغاية.

وتجدر الإشارة إلى أن "الجماعات الإسلامية تهرب بسهولة من الجيش، وتهاجم بقوة جديدة في مناطق أخرى. وتعمل في مجموعات صغيرة في مناطق شاسعة، من الفلوجة والرمادي في الغرب إلى الموصل في الشمال، من الحدود مع إيران في الشرق ومن الضواحي الشمالية لبغداد في الجنوب، إن وحدات داعش الصغيرة بعيدة المنال عن الأعمال العسكرية التقليدية والمليشيات. لقد تخلى الدواعش عن سياسة الاحتفاظ بالمدن بأي ثمن، كما كان الحال في الموصل، وقاموا بتقسيم القوات المتبقية إلى مجموعات متنقلة صغيرة تعمل بشكل مستقل. لقد تغيرت جغرافية الهجمات أيضاً. " إذا كانت مناطق العمليات الرئيسة للجهاديين في بداية عام 2018 هي المناطق الصحراوية في محافظة الأنبار، ومناطق بابل وبغداد ونينوى، ثم انتشر النشاط الإرهابي في محافظات ديالى وصلاح الدين وكركوك. "هنا، باستخدام العامل الجغرافي (المناطق الجبلية في محافظة كركوك وبساتين النخيل الكثيفة على طول نهر ديالى) والعداء التقليدي بين الأعراق والطوائف الدينية، تزيد داعش نشاطها باستمرار". وتجدر الإشارة إلى أن الإرهابيين كثفوا هجماتهم على منشآت البنية التحتية للطاقة العراقية. وتكبدت القوات الموالية للحكومة العراقية خسائر كبيرة نتيجة للهجمات المستمرة للجهاديين.

نُشر في المدى البغدادية