صراع روسي أميركي عنوانه مخيم الركبان السوري

روسيا ترغب في تفكيك المخيم فيما تشترط الولايات المتحدة أن تجرى عملية إجلاء النازحين بالتنسيق معها ومع الأمم المتحدة بينما يتخوف الاجؤون من انتقام النظام.
روسيا تتهم الولايات المتحدة بالتسبب في الكارثة الانسانية في مخيم الركبان
النظام يجبر اهالي المخيم على العودة قسراً إلى المناطق التي يسيطر عليها
دعوات لتوفير حماية أممية لأهالي المخيم من تعديات وحصار المليشيات وقوات النظام

دمشق - "إذا تصارع فيلان كبيران فإن الحشائش هي التي تعاني"، مثل إفريقي ينطبق على واقع مخيم الركبان للنازحين السوريين في المنطقة المحرمة بين الأردن وسوريا، والذي تحول، بحسب مراقبين، إلى ساحة صراع جديدة بين واشنطن وموسكو.
و"الركبان" الذي بات يطلق عليه "مخيم الموت"، والواقع في المنطقة الحدودية مع الأردن من الجهة السورية، ويمتد على طول 7 كيلومترات، بين البلدين، هو مخيم عشوائي لا تديره جهة بعينها، سواء من الجانب السوري أو الأردني، ويضم حاليا قرابة 45 ألف نازح سوري، كانوا ينتظرون السماح لهم بدخول الأراضي الأردنية هربا من الحرب.
ويعيش سكان "الركبان" المنسيون في البادية السورية ظروفاً إنسانية قاسية، في ظل حصار قوات النظام للمخيم، وندرة المساعدات ورغم الحديث عن بدء عودة تدريجية لهم إلى مناطق سكناهم الأصلية داخل سوريا بتنسيق روسي، فإن هواجس جمة تنتابهم من التعرض للتعذيب ولأعمال انتقامية على أيدي النظام ومليشياته.
وتدعو موسكو والنظام السوري واشنطن إلى تفكيك المخيم، فيما تشترط الأخيرة، التي تحتفظ بوجود عسكري محدود قربه، أن تجرى عملية إجلاء النازحين بالتنسيق معها ومع الأمم المتحدة، لضمان مغادرة آمنة وطوعية.
وفي 11 مارس/آذار الماضي اتهم النظام السوري وموسكو في بيان مشترك واشنطن بتبني "تفكير استعماري" حيال مخيم الركبان، الذي يقع قرب قاعدة التنف الأميركية.
وأضاف البيان "واشنطن لا تهتم بالكارثة الإنسانية والتي تسببت بها في المخيم، وهي تحاول نقل المسؤولية على روسيا وسوريا".
وتابع "من المفيد للولايات المتحدة الاحتفاظ بمخيم النازحين أكثر قدر ممكن من الوقت في التنف من أجل تبرير وجودهم غير القانوني في جنوب الجمهورية (السورية)".
في المقابل، وبتاريخ 22 مارس/اذار قال المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأميركية روبيرت بلادينو "إن الولايات المتحدة تؤيد دعوة الأمم المتحدة لإيجاد حل مستدام لمشكلة الركبان وفقا لمعايير الحماية وبتنسيق الجهود مع كافة الأطراف المعنية، غير أن المبادرات الروسية التي تنفذ من جانب واحد لا تفي بهذه المعايير".
وأكد بلادينو عبر تويتر استعداد واشنطن والأمم المتحدة لجهود منسقة لضمان المغادرة الآمنة والطوعية والواعية لمن يرغبون في ذلك.
ومطلع أبريل/نيسان اضطرت نحو مئتي عائلة سورية إلى مغادرة المخيم ووصلت مناطق سيطرة النظام وسط البلاد وذلك وفق "تسوية" روسية.
وقالت مصادر مطلعة إن العائلات التي خرجت كانت جمعيها مجبرة على ذلك بسبب العوز والحالة الصحية المتردية لأطفالهم حيث وصلوا إلى مراكز إيواء مؤقتة في ريف محافظة حمص مشيرة إلى أن أغلب المدنيين القاطنيين في المخيم، أعربوا عن عدم رغبتهم في الخروج منه ودخول مناطق سيطرة النظام.

قوات النظام السوري
عناصر النظام متهمون بتعذيب النازحين انتقاما منهم

الا أن المجلس المحلي لمخيم الركبان أكد في بيان منتصف الشهر الجاري أن النظام السوري يحتجز المئات من سكان المخيم الذين خرجوا قسرا نتيجة الحصار ويمارس كافة أنواع التعذيب بحقهم، داعياً الأمم المتحدة للقيام بواجباتها تجاه المخيم.
وفي ذات اليوم، أعلنت الأمم المتحدة، على لسان استيفان دوغريك المتحدث باسم الأمين العام أنطونيو غوتيريش عدم قدرتها على الوصول إلى "الملاجئ الجماعية" التي أقيمت في محافظة حمص وسط سوريا لاستقبال الأهالي الذي غادروا المخيم.
الخوف من الانتقام
و قال الناطق الرسمي باسم هيئة العلاقات العامة والسياسية بمخيم الركبان شكري شهاب، إن "النظام (السوري) يُحاصر المخيم من 10 فبراير/شباط ويمنع دخول المواد التموينية والغذائية إليه وحليب الأطفال في محاولة لإجبار الأهالي للعودة قسراً إلى المناطق التي يسيطر عليها".
وتابع "عاد بعض الأهالي تتراوح أعدادهم بين 4 إلى 5 آلاف شخص" بين مطرقة وسندان المتصارعين.

وأشار في السياق ذاته "ما يقلق النازحون من العودة هو تحكم الأجهزة الأمنية (للنظام) والمليشيات بالقرار السوري، كما أننا نعلم بأن النظام سينتقم من الناس وسيعتقلهم ويجند الشباب ويزجهم بحروب لا علاقة لنا بها".

المخيم تحول لساحة صراع بين الأميركيين والروس، وأعتقد أن الكفة راجحة للأميركيين

وأكد "ما نطلبه هو حماية أممية لأهالي المخيم من تعديات وحصار المليشيات وقوات النظام وفك الحصار عنا، ونقلنا للشمال السوري.. نحن صابرون حتى يسقط الأسد أو حل سياسي يضمن لنا العيش الكريم في مدننا".
ولفت "شهاب" إلى أن "المخيم تحول لساحة صراع بين الأميركيين والروس، وأعتقد أن الكفة راجحة للأميركيين بهذا الخصوص، ولن يسمحوا للروس بالتمدد أكثر من ذلك".
معضلة أساسية
من جهته، اعتبر المحلل السياسي الأردني والخبير في العلاقات الدولية عامر السبايلة بأن "مخيم الركبان يعد معضلة أساسية وأهم نقاط إنهاء أزمة اللجوء في الداخل السوري، وله بعد أمني ويشكل نقطة للتشارك الحدودي الأردني السوري العراقي".
واستدرك  قائلا"بالتالي المخيم نقطة استراتيجية مهمة، والإبقاء على عدم حلها هو إبقاء لعدم حل المسألة السورية، فهو ورقة أساسية في موضوع الضغط في إطار الحل السياسي مستقبلاً أو في تركيبة الوضع الجغرافي في هذه المنطقة".
ورقة مساهمة
أما حسن المومني الخبير في النزاعات الدولية، فقال "لا نستطيع اختزال الخلاف الروسي الأميركي فقط حول الركبان، وإنما هذا جزء من كل".
وأكد المومني أن "هناك اختلاف حول سوريا تعكسه حالة خلافية أشمل في السياق العالمي بين واشنطن و موسكو".
وبين "مشكلة الركبان تكمن في أنه يقع ضمن منطقة تواجد أميركي، وفي منطقة مهمة للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة".
واعتبر "أن المخيم هو عبارة عن ورقة مساومة بين الأطراف في سياق الصراع، حيث أن المسألة ينظر إليها على أنها سياسية أمنيه أكثر منها إنسانية".

المخيم هو عبارة عن ورقة مساومة بين الأطراف في سياق الصراع

وأردف "لو أن الأطراف تعتبرها إنسانية بحته لحلت، لكن ما يحكمها هو الواقعية السياسية، و بالتالي سوف تستمر ويتم استثمارها حتى تتوصل الأطراف لاتفاق أو ضمن حل شامل في سوريا".
أما بالنسبة للروس على وجه الخصوص، فاعتبر المومني أن "الوجود الروسي في سوريا أعمق وأشمل سياسياً وعسكريا، حيث استثمرت موسكو كثيراً في هذا الوجود مدفوعاً بمصالح استراتيجية كقوة تسعى إلى استرداد مكانتها الدولية وخاصة في المنطقة".
وزاد "لذلك لها مصلحة في إنهاء الصراع بما يتلاءم مع مصالحها و مصالح حلفائها".
ولفت إلى أن "الوجود الأميركي محدود لكنه مؤثر وفعال يتم تبريره لمكافحة الإرهاب ودعم الحلفاء، وأيضا لضمان تسوية سياسية مقبولة في سوريا"، معتبراً بأن "الوجود المحدود هو أداة ضغط على النظام والروس".
وبين الصراع الأميركي الروسي، تتزايد الأوضاع سوءاً داخل المخيم، المكون من مساكن 70 بالمئة منها بيوت طينية سقوفها شوادر بلاستيكية، و30 بالمئة خيام، والذي يعيش أكثر من 80 بالمئة من سكانه تحت خط الفقر.
وإقدام سيدة سورية (32 عاما) من سكان المخيم على إحراق نفسها في يناير/كانون الثاني بسبب معاناة أبنائها من الجوع، ربما كان رسالة قوية للعالم بالتحرك لإنقاذ الآلاف ممن تقطعت بهم السبل في الصحراء، ووجدوا أنفسهم داخل بلادهم