صراع نفوذ في ليبيا يفاقم الأزمة بين فرنسا وايطاليا

نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني يتهم فرنسا بـ"الأنانية المحضة" والحكومة الفرنسية بـ"الاستعمار والغطرسة"، وذلك لإصرارها على إجراء انتخابات بليبيا في نهاية العام.

إيطاليا تهاجم فرنسا لإصرارها على إجراء انتخابات بليبيا نهاية العام
سالفيني يتهم فرنسا بالتسبب في كوارث في ليبيا في زمن القذافي
روما تعتبر أن ماكرون يعيد تكرار أخطاء ساركوزي في ليبيا

روما - خرج الخلاف الايطالي الفرنسي حول ليبيا إلى العلن بعد تجاذبات سابقة بين البلدين الأوروبيين في الوقت الذي تلقي فيه ايطاليا بثقلها في الأزمة الليبية ضمن جهودها لكبح الهجرة انطلاقا من السواحل الليبية، بينما يعمل الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون الذي جمع أطراف الأزمة الليبية في باريس على تحقيق مصالحة وطنية وإنهاء الأزمة الليبية في جهود اعتبرها منتقدوه مجرد بحث عن دور بطولة ومجرد دعاية سياسية ومحاولة إظهار انجازه شيئا ما في ليبيا.

وتمر العلاقات الفرنسية الايطالية بتوتر آخذ بالتفاقم بدأ في الفترة الأخيرة حول أزمة الهجرة إلا أنه تصاعد ليبلغ ذروته مع تصعيد ايطالي غير مسبوق ضد الرئيس الفرنسي وحكومته.

واتهم نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني الاثنين فرنسا بـ"الأنانية المحضة" والحكومة الفرنسية بـ"الاستعمار والغطرسة"، وذلك لإصرارها على إجراء انتخابات بليبيا في نهاية العام.

وأوضح سالفيني في تصريحات نقلها التلفزيون الحكومي الاثنين أن "الدعوة إلى انتخابات في ليبيا يوم 10 ديسمبر/كانون الأول في بلد لا يزال منقسما وفي حالة حرب، هو أمر بالغ الخطورة ولا يقدم عليه إلا المستعمرون المتغطرسون من قبيل وزراء فرنسا الذين لا يزالون كذلك حتى اليوم".

وتابع "يستمر الفرنسيون في التدخل في المصالح الاقتصادية الوطنية وفي إطار من الأنانية المحضة".

وقال أيضا "لقد تسببوا بكوارث في زمن (الزعيم الليبي السابق معمر) القذافي ويحاولون الآن مع (الرئيس الفرنسي إيمانويل) ماكرون الاستمرار في نفس الخط وتحديد مواعيد الانتخابات دون إشراك أي جهة".

وتابع سالفيني "نحن نعول على الأمم المتحدة في ما يتعلق بالملف الليبي وكان الاجتماع الذي عقده رئيس الوزراء جوزيبه كونته مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أبرز الثقة في أداء إيطاليا".

وخلص الوزير الإيطالي إلى القول "نحن نريد أن نرافق الليبيين، لكن يجب أن يكونوا هم الوحيدين الذين عليهم أن يقرروا كيف ومتى يصوتون".

وايطاليا ليست الجهة الوحيدة التي ترفض إجراء الانتخابات الليبية في نهاية العام بسبب استحالة اجرائها في ظل تردي الوضع الأمني وأيضا بسبب عدم جاهزية الليبيين لمثل هذا الاستحقاق.

وفي يوليو/تموز نبّه محمود جبريل رئيس أول حكومة انتقالية بعد سقوط نظام معمر القذافي إلى أن ليبيا ليست جاهزة بعد لإجراء الانتخابات في ديسمبر/كانون الأول في ظل عمليات تلاعب واسعة النطاق في بطاقات الهوية ما قد يشكل تهديدا للأمن القومي وذريعة للتشكيك في نزاهة الانتخابات.

وحذّر من أن هناك تزويرا واسع النطاق يتعلق ببطاقات الهوية في البلاد مشيرا إلى أن ذلك ربما يعرض نزاهة الانتخابات التي قد تجرى أواخر العام الحالي للخطر.

وفي يوليو/تموز أيضا انتقد تقرير أعده أعضاء في مجلس الشيوخ الفرنسي سياسة الرئيس ايمانويل ماكرون في ليبيا وطلبوا منه عدم الاستعجال في الدفع نحو إجراء انتخابات في هذا البلد في نهاية العام.

وقال نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ سيدريك بيران من حزب "الجمهوريين" المعارض "إن الدفع للحصول على كل شيء وعلى الفور، يؤدي بالتأكيد إلى الفشل لا بد من تجنب المزج بين السرعة والاستعجال، بين العمل والعلاقات العامة".

وحمل التقرير عنوان "ليبيا بين الخروج من الأزمة والبقاء في الوضع القائم".

وقال السناتور بيران ملخصا ما جاء في التقرير "لقد تحسن الوضع قليلا إلا أن ما تحقق نحو انتقال سياسي يبقى هشا للغاية"، مشيرا إلى التحديات الاقتصادية والأمنية التي تواجهها ليبيا بعد سبع سنوات على التدخل الغربي الذي ساهم بالإطاحة بنظام معمر القذافي ومقتله عام 2011.

وكان الرئيس الفرنسي حصل من الأطراف الأربعة الرئيسيين في الأزمة الليبية على اتفاق شفهي من دون توقيع في التاسع والعشرين من مايو/ايار في باريس، لإجراء انتخابات في العاشر من ديسمبر/كانون الأول والتقدم نحو الخروج من الفوضى في هذا البلد.

وقال السناتور بيران "إن الدعوة إلى الانتخابات اليوم هي لإرضاء رئيس البلاد أكثر منها لتسوية المشكلة الليبية".

ايطاليا ليست الجهة الوحيدة التي ترفض إجراء الانتخابات الليبية في نهاية العام

 

ويطالب بعض المسؤولين الليبيين بإقرار دستور قبل الانتخابات يحدد صلاحيات الرئيس الذي يفترض أن ينتخب أواخر السنة. كما أن العديد من القوى الأخرى تعرقل الحل السياسي خوفا من أن تفقد نفوذها خصوصا في إطار تقاسم الثروة النفطية.

وأضاف السناتور سيدريك مع الأعضاء الثلاثة الآخرين في مجلس الشيوخ الذين عملوا على إعداد التقرير وهم راشل مازوير وجان بيار فيال وكريستين برونو "إن إجراء انتخابات بنهاية السنة الحالية يبدو لنا صعبا جدا، مع أن هذا ما نسعى للقيام به".

من جهته قال السناتور مازوير "ما أراه اليوم أن الهدف هو تحقيق ما يفيد رئيس الجمهورية. ولتكن الأمور واضحة، إذا نجح في ذلك فسأصفق له بحرارة".

واتفق الأربعة على التشديد على ضرورة "قيام تنسيق أوسع" بين الدول الـ19 المجاورة والإقليمية والأوروبية المعنية بالأزمة الليبية، خصوصا بين فرنسا وايطاليا اللتين لهما مقاربتان مختلفتان من هذه الأزمة.

الحرب الليبية بدعم من الناتو خلفت دمارا هائلا وأعقبتها فوضى لا تنتهي
سالفيني يرى أن تدخل فرنسا في ليبيا خلف العديد من الكوارث

ودعا التقرير المجتمع الدولي إلى "المزيد من التنسيق" وإلى أن "تحظى العملية السياسية بمساعدات خارجية".

وفي يونيو/حزيران تبنى مجلس الأمن الدولي نصا يؤيد إعلان باريس الصادر في مايو/أيار بشأن ليبيا والذي ينص على تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية في هذا البلد قبل نهاية السنة، من غير أن يذكر تاريخ العاشر من ديسمبر/كانون الأول المحدد للاقتراع.

وجاء في النص الذي أقره الأعضاء الـ15 بالإجماع أن "المجلس يرحب بالتزام (الأطراف الليبيين) مثلما ورد في إعلان باريس، بأن يعملوا بشكل بناء مع منظمة الأمم المتحدة من أجل تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية ذات مصداقية وسلمية واحترام نتائجها".

كما أثنى مجلس الأمن "على الديناميكية التي أحدثها المؤتمر الدولي حول ليبيا الذي نظمه الرئيس إيمانويل ماكرون في باريس في 29 مايو 2018 برعاية منظمة الأمم المتحدة"، وفق ما جاء في الإعلان الذي وضعت فرنسا نصه.

وجمع مؤتمر باريس لأول مرة الأطراف الأربعة الرئيسيين في الأزمة الليبية، رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج ورئيس مجلس الدولة خالد المشري ومقرهما في طرابلس، وغريميهما في شرق ليبيا وهما المشير خليفة حفتر ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح ومقره طبرق.

وأعلن الأربعة التزامهم بتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية في 10 ديسمبر/كانون الأول واحترام نتائجها وتوحيد المؤسسات ومنها البنك المركزي، سعيا لإخراج البلاد من الفوضى السائدة منذ التدخل الغربي عام 2011 وسقوط معمر القذافي.