صعوبات كبيرة تواجه تفعيل إعلان باريس حول ليبيا

محللون يعتبرون أن ما تمخض عنه اجتماع باريس مجرد إعلان سياسي غير موقع يشوب بنوده غموض وتناقضات عديدة تجعل من الصعب تطبيقه.

طرابلس- يرى باحثون ومحلّلون أن هناك صعوبات عديدة تواجه طريق تفعيل إعلان باريس لحل الأزمة الليبية، وتعرقل حل الصراع المستمر منذ سنوات.

واجتمعت الأطراف الرئيسية للأزمة الليبية، الثلاثاء بالعاصمة الفرنسية، في إطار اجتماع دولي حضره ممثلون عن 20 بلدا و4 منظمات دولية.

لقاء جمع لأول مرة كل من رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، فائز السراج، وقائد القوات المدعومة من مجلس نواب طبرق (شرق)، خليفة حفتر، ورئيس المجلس عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري.

واختتم الاجتماع بإعلان ضم 8 بنود، أبرزها الاتفاق على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بليبيا في 10 ديسمبر/ كانون أول المقبل.

كما اتفق الليبيون أيضا على وضع الأسس الدستورية للانتخابات، واعتماد القوانين الانتخابية الضرورية بحلول 16 سبتمبر/ أيلول 2018.

ماكرون يتوسط حفتر والسراج
مصافحة دون توقيع

غموض وتناقضات

هناك شبه إجماع من قبل محللين وباحثين على أن مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لحل الأزمة الليبية، تشكل خطوة جريئة لكنها محفوفة بعراقيل جمّة تجعل من الصعب تفعيل مخرجات الاجتماع على أرض متحركة.

ويرى غازي معلّى المحلل المختص في الشأن الليبي أن الاتفاق كان مجرّد "إعلان مبادئ أو إعلان سياسي غير موقع يشوب بنوده غموض وتناقضات عديدة تجعل من الصعب تطبيقه".

وأوضح معلّى أن "البند الأول من الإعلان ينص على أهمية وضع أسس دستورية للانتخابات".

وتابع "لكن عن أي أسس يتحدّث؟ هل يقصد الإعلان الدستوري لعام 2011؟ أم مسودة الدستور الجديد؟ أم دستورا لم ير النور بعد؟ أم الاستعانة بقوانين دستورية دولية، كما قال المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة؟".

لكن السؤال الأهم في كل ذلك يظل: هل يكفي الحيّز الزمني الذي نص عليه الإعلان (16 سبتمبر المقبل)، لوضع الأسس الدستورية واعتماد القوانين الانتخابية الضرورية، في وقت يدرك فيه جميع الخبراء أنه مهما كانت آلية وضع تلك الأسس، فإن الأمر يتطلب زمنا أطول بكثير من 3 أشهر.

وقال معلّى "إنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل إقرار القانون الانتخابي حتى في حال افترضنا جدلا تجاوز العقبة المذكورة آنفا في وقت يفشل فيه مجلس النواب في طبرق منذ أكثر من شهرين في عقد جلساته".

ماكرون
هل ينجح رهان ماكرون

 

اتفاق غير موقّع

ويرى حسني عبيدي مدير "مركز الدراسات والبحوث حول العالم العربي ودول المتوسط" (مستقل، ومقره جنيف السويسرية)، في مبادرة ماكرون "عملية دبلوماسية كبرى لكن الإشكال يكمن في أنها أعادت الشرعية لبعض الفاعلين الليبيين ممن لا يمتلكون اليوم أي شرعية بعيون الليبيين".

ولفت عبيدي، في تصريحات نقلها إعلام فرنسي، أن "هؤلاء الفاعلين ينظر إليهم الليبيون على أنهم مسؤولون عن القفل السياسي والوضع الراهن بالبلاد".

غير أن اللافت بهذا الصدد، أن المسؤولين الليبيين الأربعة لم يوقّعوا اتفاق الثلاثاء، حيث جرت تلاوته باللغة العربية، قبل أن يسأل ماكرون: هل أنتم موافقون؟ فيجيب الجميع نعم، ليقف الاتفاق عند مرحلة موافقة شفوية قد لا تعني الكثير على المستوى التطبيقي والعملي للأشياء.

قد يريد الرباعي المجتمع بذلك إحالة الاتفاق إلى ممثّليهم أو مرجع نظرهم في ليبيا.

ودافع ماكرون عن هذه الجزئية خلال المؤتمر الصحفي المنعقد في ختام الاجتماع بالقول: "أمامكم رؤساء مؤسسات لا تعترف ببعضها البعض، ولذلك توصّلنا إلى هذه الصيغة، بدل التعنّت في البحث عن اتفاق غير قابل للتوقيع من قبل أشخاص لا يعترفون ببعضهم البعض".

وقال ماكرون إنها تقضي "بتجميع هؤلاء المسؤولين أولا، ثم الحصول على اتفاق رسمي وجميعهم ملتزمون بالجدول الزمني المعلن".

فرقاء ليبيا في باريس
لا اتفاق حقيقي

"لا اتفاق"

ويعتقد جان إيف مواسرون مدير "معهد البحوث والتنمية" (حكومي) في فرنسا، أن المسؤولين الليبيين لم يوقعوا على الاتفاق لأنه "لا يوجد اتفاق أصلا".

وأضاف مواسرون في تصريحات إعلامية "وطالما لا يوجد اتفاق فهم لا يريدون وضع تواقيعهم أسفل وثيقة يخشون أن تتسبب بإضعافهم على المستوى الداخلي".

وتابع "جميعهم على وعي بأنه من الصعب تفعيل خارطة الطريق المعلنة ومدركون أن مستقبل البلاد يخضع لمنطق داخلي بحت ولذلك اختاروا عدم توقيعها".

كتائب ليبية باريس "غير محايدة"

وهناك عامل آخر يسد أفق تفعيل اتفاق باريس وهي الكتائب الناشطة في غربي ليبيا والتي لم تحضر اجتماع باريس.

وعشية المؤتمر الدولي، أصدرت 13 مجموعة مسلحة بالغرب الليبي بيانا استنكرت فيه عقد اجتماع دولي بشأن أزمة البلاد، داعية إلى حوار داخلي بعيدا عن أي تدخّل خارجي.

وشدد مواسرون أنه "طالما لا يوجد اتفاق سياسي على المستوى الداخلي، فإن أي مبادرة لحل الأزمة الليبية سيكون مآلها الفشل. قد تكون مثل هذه الاجتماعات مفيدة لكن تأثيرها على الأرض يظل محدودا للغاية".