صعود اليمين المتطرف الأوروبي يلقي بظلاله على الهجرة في تونس

سياسات تونس تجاه الهجرة غير النظامية تنسجم مع التزاماتها الدولية، ومذكرة التفاهم التي أبرمتها مع الاتحاد الأوروبي.

تونس - حققت أحزاب اليمين المتطرف والأحزاب القومية مكاسب واضحة في انتخابات البرلمان الأوروبي بين 6 و9 يونيو/حزيران الجاري، ما يعكس تنامي نفوذ هذه الأحزاب داخل بعض دول الاتحاد الأوروبي الـ27، غير أن تداعيات هذه النتائج لا تقتصر على أوروبا بل تمتد إلى عدة دول منها تونس التي تواجه تحديات عديدة بسبب ملف الهجرة خصوصا.

وحشدت هذه الأحزاب الناخبين حول قضايا جدلية، أبرزها ضرورة تشديد سياسات الهجرة غير النظامية واللجوء؛ ما طرح تساؤلات بشأن تأثير صعود اليمين المتطرف على العلاقات مع تونس، إحدى دول عبور المهاجرين.

ورجح خبيران أن هذا الصعود لن يسفر عن ضغوط على تونس في قضية الهجرة؛ بدعوى أن سياساتها الراهنة في هذا الملف تنسجم مع سياسات الاتحاد الأوروبي، بعد مذكرة التفاهم التي تم إبرامها، بينما يرى تبرز وجهة نظر أخرى مساندة للرئيس التونسي قيس سعيد تنفي وجود "تماهٍ" بين سياسات الجانبين، مشددة على أن سياسات تونس تجاه الهجرة غير النظامية تنسجم مع التزاماتها الدولية.

وتوصل الاتحاد الأوروبي، منتصف يوليو/ تموز 2023، إلى اتفاق مع تونس للتعاون على الحد من تدفق الهجرة غير النظامية إلى شواطئ أوروبا على البحر المتوسط. وجرى توقيع الاتفاق بعد اجتماع في تونس بين سعيد ورئيسة مفوضية الاتحاد أورسولا فون دير لاين ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته ونظيرته الإيطالية جيورجيا ميلوني.

الاتفاقية بين تونس والاتحاد الأوروبي ليست مادية، بل ذهب الرئيس في اتفاقات استثمار وخلق فرص شغل للشباب في تونس، حتى لا يخاطر الشباب بنفسه في البحر

وفي سبتمبر/ أيلول 2023، أعلنت المفوضية الأوروبية تخصيص 127 مليون يورو مساعدات لتونس، ضمن مذكرة تفاهم بشأن قضايا، بينها الحد من توافد المهاجرين غير النظاميين.

وقال مجدي الكرباعي، نائب سابق لحزب التيار الديمقراطي بالبرلمان التونسي عن دائرة إيطاليا وناشط مدني في البلد الأوروبي، إن "ما جنته الأحزاب اليمينية، خاصة 'إخوة إيطاليا' لجورجيا ميلوني، هو نتيجة لما وعدت به ونفذته".

وأضاف الكرباعي "ميلوني وعدت في برنامجها الانتخابي أن تجعل من دول شمال إفريقيا، مثل ليبيا وتونس، نقاطا ساخنة لتجميع المهاجرين".

وتابع "كما وعدت بأن تغلق البحر (المتوسط أمام الهجرة غير النظامية). وزارت تونس 4 مرات وليبيا ومصر، وأبرمت اتفاقيات شاملة مع ليبيا ومصر وتونس"

من جهته، يرى رمضان بن عمر متحدث المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادي والاجتماعية (أهلي) أن "صعود اليمين المتطرف، الذي له مقاربات أكثر عدوانية تجاه المهاجرين، هو نتيجة طبيعية لمسار مخطط في أوروبا منذ سنوات".

وأوضح ابن عمر أن "صعود اليمين هو تعبير عن سياق سياسي وثقافي في أوروبا به كثير من العداء للمهاجرين واستدعاء لقضايا الهوية، وهو ما استغله سياسيون في إيطاليا والمجر فرنسا ودول عديدة".

ويلجأ أفارقة، لاسيما من دول جنوب الصحراء إلى الهجرة غير النظامية بحثا عن حياة أفضل في أوروبا، وهربا من نزاعات مسلحة وأزمات سياسية واقتصادية في دولهم، ويلقى العديد منهم مصرعهم في عملية محفوفة بالمخاطر.

وبخصوص توقعاته لمستقبل معالجة ملف الهجرة قال الكرباعي "لا نتحدث في تونس عن ضغوطات؛ فالحديث عن ضغوطات يتم عندما نتحدث عن سياسة هجرة مخالفة لسياسة الهجرة الأوروبية". واستطرد "لكن تونس لها سياسة هجرة ورئيس جمهورية يعتبر أن وجود المهاجرين في تونس يدخل ضمن مؤامرة دولية لتغيير التركيبة الديمغرافية، وهو خطاب يتماهى مع خطاب اليمين المتطرف في إيطاليا- ميلوني".

وزاد بأن "أوروبا صدَّرت أزمتها في المهاجرين والتصرّف فيهم وأزمة مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس وليبيا". وحسب ابن عمر فإن "علاقة أوروبا بتونس خرجت من الضغوط ودخلت في حلف استراتيجي، وكانت إحدى تعبيراته التوقيع على مذكرة التفاهم السنة الماضية".

وتابع "وكذلك الزيارات الكبرى التي يقوم بها مسؤولون أوروبيون وإيطاليون إلى تونس، والمساعدات ذات الطابع الأمني، والمساعدات المباشرة لميزانية الدولة، والقروض التي تقوم بها مؤسسات مالية أوروبية".

إلا أن متحدث "تحالف أحرار" أحمد الهمامي نفى وجود تماهٍ بين تونس وسياسات الاتحاد الأوروبي في ملف الهجرة. وقال إن "تونس ليست منعزلة عن العالم الذي تحكمه معاهدات دولية، وأوروبا تعاني الهجرة بصفة كبيرة، والأفارقة يصلون إليها عبر تونس والجزائر والمغرب"، مضيفا "لا نضع تونس وأوروبا في نفس الوضع. وضعنا خاص ولابد أن تأخذ تونس إجراءات حماية وفق القانون الدولي، وهؤلاء المهاجرون هم بشر يبحثون عن تحسين وضعهم الاقتصادي والاجتماعي".

وأردف "نرجو ألا تتفاقم أزمة الهجرة غير النظامية، ويجب أن نجد حلولا مباشرة مع ليبيا والجرائر؛ لأنه ليست لنا حدود مع أي من دول إفريقيا جنوب الصحراء".

ويرى منتقدون أن تونس تحصل على مقابل ضعيف لتعاونها مع الاتحاد الأوروبي في مكافحة الهجرة غير النظامية. وقال الهمامي "وضعنا ليس وضع لبنان ولا مصر، التي لديها 125 مليونا من السكان، ولبنان دولة فرانكفونية بحتة ذات صبغة خاصة".

واعتبر أن "الاتفاقية ليست مادية، بل ذهب الرئيس في اتفاقات استثمار وخلق فرص شغل للشباب في تونس، حتى لا يخاطر الشباب بنفسه في البحر".

واستطرد "الاتفاق بين تونس والاتحاد الأوروبي، وخاصة إيطاليا، ذو صبغة اقتصادية بحتة، وتمكنا من زيادة عدد زيارات الدخول إلى أوروبا، والطلبة التونسيون يتمتعون بتأشيرات أكثر".

لكن ابن عمر رأى أن "مسار التفاوض مع الاتحاد الأوربي مبني على مصلحة أوروبية ذات جوانب أمنية، مقابل بعض المساعدات التنموية التي هي مساحيق فقط".

وقبل زيارة الوفد الأوروبي لبلاده، قال سعيد في يونيو/ حزيران 2023، إن أزمة الهجرة غير النظامية لا يمكن حلها على حساب تونس، وإن بلاده لن تكون حرسا لحدود أوروبا. ورافضا ما طرحه الكرباعي، قال الهمامي "أولا الرئيس لا يأخذ شرعيته من أي شخص". وتابع "الرئيس سعيد يوم اختار إعلان إجراءات 25 يوليو تموز 2021، وهو رئيس جمهورية منتخب من 2.7 مليون، الشعب سانده".

و"ثانيا الرئيس سعيد في السياسية الخارجية غيّر منهج التعامل مع الدول الصديقة"، كما ختم الهمامي.