صفقة سليمان شنين تشق إخوان الجزائر

حركة مجتمع السلم أكبر حزب إسلامي في الجزائر يصف تزكية النائب عن تحالف برلماني لثلاثة أحزاب إسلامية لرئاسة البرلمان بأنه "نتاج هِبة منحتها أغلبية برلمانية مزورة" تابعة للسلطة المؤقتة.

حمس: الرئيس الجديد للبرلمان رئيس أمر واقع بقرار من السلطة
تنافس بين الأحزاب الإسلامية على المواقع والنفوذ
سليمان شنين الإسلامي الذي أصبح الرجل الثالث في الدولة
تزكية شنين مقاربة سياسية للتهدئة أم لتأجيج الفرقة

الجزائر - كشفت تزكية سليمان شنين النائب عن تحالف برلماني يضم ثلاثة أحزاب إسلامية عن خلافات تشق إخوان الجزائر الذين اخترقوا البرلمان في صفقة يعتقد أن السلطة المؤقتة التي تشكل امتدادا للنظام السابق، رتبت لها لإحداث شرخا وسط الإسلاميين وضمن مساع لتهدئة الاحتجاجات المطالبة برحيل جميع رموز النظام.

وجاءت تزكية شنين المتحدر من مدرسة الإسلام السياسي مفاجئة في خضم التطورات المتسارعة التي تشهدها الجزائر منذ اعلان الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة استقالته في أبريل/نيسان.

ووصفت حركة مجتمع السلم 'حمس'، (أكبر حزب إسلامي بالجزائر محسوب على تيار الإخوان المسلمين) تولي نائب إسلامي رئاسة البرلمان بـ"الهِبة" التي منحتها السلطة عبر أغلبية نيابية يرفضها الشعب الجزائري.

وجاء ذلك في أول رد فعل من الحركة على تزكية سليمان شنين النائب عن تحالف برلماني يضم جبهة العدالة والتنمية وحركة البناء وحركة النهضة، الأربعاء لرئاسة المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) خلفا لمعاذ بوشارب في سابقة تاريخية تشهدها البلاد.

وحظي شنين بتزكية من حزبي الأغلبية بالمجلس وهما جبهة التحرير الوطني الحاكم سابقا وحليفه التجمع الوطني الديمقراطي إلى جانب كتل أخرى صغيرة، حيث لا تملك المجموعة النيابية التي ينتمي إليها سوى 15 عضوا من بين 462 يحصيهم المجلس.

وقاطع الجلسة كل من حركة مجتمع السلم (أكبر كتلة للمعارضة 35 نائبا) وحزبا التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (علماني) وجبهة القوى الاشتراكية (يسار) وحزب العمال (يسار)

وحسب بيان للمجموعة النيابية لمجتمع السلم، فإن مقاطعتها الجلسة "جاء تنفيذا لقرار سابق من مجلس شورى الحركة بالتناغم مع مطالب الحراك الشعبي وتفند ما أشيع بأنها انسحبت من جلسة التزكية وتؤكد أن نوابها لم يحضروا مطلقا".

وأوضحت أن "الرئيس الجديد (شنين) رئيس أمر واقع مثل من سبقه ولا تمثل تزكيته حالة ديمقراطية إذ هو نتاج هِبة منحتها بقرار فوقي أغلبية برلمانية مزورة ومرفوضة من الشعب الجزائري".

وينتمي رئيس البرلمان الجديد سياسيا إلى حركة البناء الوطني التي تأسست عام 2013 من قبل قياديين انشقوا سابقا عن حركة مجتمع السلم بعد أزمة داخلية.

وهذه الحركة الجديدة ما زالت إلى اليوم تنازع حركة مجتمع السلم (الحركة الأم)، شرعية تبني ميراث الشيخ المؤسس محفوظ نحناح (1942 - 2003)، وكذلك تمثيل تيار الإخوان المسلمين في البلاد.

وقبل أشهر، ظهر مشروع لتوحيد الحركتين ودمجهما، لكنه تعثر لأسباب مجهولة رغم أن قيادات الحركتين تعلن باستمرار تمسكها به.

ولم يكن إسم هذا السياسي (شنين) الذي ترعرع في حركة مجتمع السلم في زمن مؤسسها الراحل الشيخ محفوظ نحناح، متداولا كمرشح لخلافة معاذ بوشارب إلى غاية صباح الأربعاء موعد جلسة الانتخاب.

وبدا الطريق معبدا أمام الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم محمد جميعي أو إطارات من ذات الحزب كانت قد أعلنت ترشحها قبل أيام.

وشكل طرح إسم سليمان كمرشح إجماع للمنصب إحدى المفاجآت السياسية التي تحدث في قلب الحراك الشعبي.

وبعدما نال ثناء واسعا من قبل كافة النواب المتدخلين في الجلسة، انتخب سليمان شنين بالأغلبية الساحقة لرئاسة المجلس الشعبي الوطني.

وقال شنين في كلمته أمام النواب، إن البرلمان "قدم مقاربة جديدة تتمثل في أن الجزائريين بإمكانهم أن يجمعوا أنفسهم حتى على أقلية العدد من أجل الخروج من الأزمة".

وتابع أن "هذه المقاربة تكمن حرصنا ومسؤوليتنا جميعا بأن الجزائر في حاجة لجميع أبنائها ولا يمكن أن يكون واحدا لوحده سببا في إخراجها من الأزمة".

ونوه بتنازل أحزاب الأغلبية التي تعرف داخل قبة المجلس، بأحزاب السلطة التي تزكي كل ما يأتي من مشاريع قوانين من الحكومة، مضيفا "أكدت مؤسستنا اليوم أنه بإمكان الأغلبية أن تقدم الأقلية عليها".

طرح إسم سليمان شنين كمرشح إجماع للمنصب يشكل إحدى المفاجآت السياسية التي تحدث في قلب الحراك الشعبي

ويصنف تحالف البناء، العدالة والنهضة الإسلامي ضمن تيارات المعارضة المعتدلة لنظام الحكم، كما أنه عارض أغلب مشاريع القوانين التي قدمتها الحكومة سابقا للتصويت على مستوى الغرفة الأولى للبرلمان.

ودائما ما آلت رئاسة المجلس الشعبي الوطني لشخصيات بارزة في حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم بعد تزكية من رئاسة الجمهورية.

وعلق الأمين العام السابق لحركة النهضة فاتح ربيع على انتخاب شنين على رأس المجلس الشعبي الوطني بأنها "لحظة فارقة". وكتب على صفحته في موقع فيسبوك "انتخاب سليمان شنين لرئاسة المجلس الشعبي الوطني من أقلية برلمانية معارضة يعد لحظة فارقة وتحولا لافتا"

ومن رسائل انتخاب سياسي معارض ينتمي إلى تيار الإسلامي السياسي في منصب سيجعله دستوريا الرجل الثالث في الدولة، إعطاء إشارات إيجابية للحراك الشعبي الذي يرفع كل جمعة شعارات تنادي بـ"التغيير الجذري".

ويرفض الجزائريون بشدة تولي أشخاص محسوبة على نظام الرئيس المستقيل وشاركت في التسويق السياسي له طيلة الولايات الانتخابية الماضية، تولي المناصب في المؤسسات الدستورية الكبرى.

وقال أستاذ العلوم السياسية زهير بوعمامة، إن انتخاب سلميان شنين لرئاسة المجلس الشعبي الوطني "خطوة في الاتجاه الصحيح، كانت بمثابة الحلم قبل الحراك".

وكتب في منشور له على فيسبوك "وصول السيد سليمان شنين إلى موقع رئاسة الغرفة السفلى للبرلمان كان أشبه بالحلم المستحيل قبل حراك الشعب"

وأضاف "مهما كان ما حدث، مجرد ترأس شخصية نظيفة غير محسوبة على السلطة للمجلس الشعبي الوطني وفشل الأسماء المنبوذة في المرور بالأساليب القديمة هو خطوة أخرى في الاتجاه الصحيح"

وألمح إلى أن صناعة القرار السياسي في البلاد باتت تأخذ مطالب الشعب في الحسبان قائلا "إنها مؤشر إضافي على طريقة تفكير أسياد اللحظة وتصورهم لما هو قادم".

ويعتبر بلوغ سياسي من الأقلية البرلمانية المعارضة المحسوبة على تيار الاخوان المسلمين، خطوة تهيئة لمرحلة الحوار الشامل الذي دعا إليه الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح في كلمته الأخيرة بمناسبة عيد الاستقلال.

ودعم قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح في كلمته الأربعاء مقاربة بن صالح للحوار التي تقوم "على حياد مؤسسات الدولة وتكليف شخصيات وطنية بإدارة الحوار الذي يفضي إلى انتخابات رئاسية في أقرب الآجال".

وتبنت أحزاب وشخصيات معارضة السبت الماضي، خيار الحوار كوسيلة وحيدة وفعالة للخروج من الأزمة.

واعتبر المحلل السياسي عبدالعالي رزاقي أن "رئاسة شنين للمجلس الشعبي الوطني ستفتح الباب أمام أحزاب الموالاة للمشاركة في الحوار الشامل المنتظر".

وقال "أحزاب الأغلبية المعروفة بدعمها المطلق للرئيس المستقيل، تنازلت عن رئاسة المجلس لشخصية معارضة من أجل إعادة هيكلة نفسها والمساهمة في الحوار المقبل والمشاركة في الاستحقاقات المقبلة".

وألمح رزاقي إلى أن "التعايش" الذي أملته الأزمة بين أحزاب المولاة والمعارضة، يصب في اتجاه إنجاح الحوار الذي تدعو إليه رئاسة الدولة والمؤسسة العسكرية.

ولاتزال العشرية السوداء التي شهدتها الجزائر في تسعينات القرن الماضي على اثر إلغاء الجيش نتائج الانتخابات التشريعية التي فاز فيها الإسلاميون، حاضرة في أذهان الجزائريين.