صيد انتقائي للفاسدين في العراق

العبادي يحيل وزراء سابقين ومسؤولين إلى التحقيق للاشتباه بتورطهم في الفساد في خطوة تهدف لإسكات المحتجين لكنها منقوصة في ظل استثناء كبار الفاسدين.

بغداد - قال مكتب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الثلاثاء، إن الأخير أحال وزراء سابقين ومسؤولين كبار إلى التحقيق للاشتباه بتورطهم في الفساد بشأن عقود تشييد أبنية مدرسية، في تحرك يهدف لاسترضاء المحتجين الذين يطالبون بمحاسبة الفاسدين. لكنها تبقى جهود منقوصة في ظل استثناء أسماء متنفذة ثبت تورطها في قضايا فساد كبيرة جدا على غرار رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.

وأوضح مكتب العبادي في بيان أن "رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي، صادق على إحالة عدد من الوزراء السابقين مع مسؤولين كبار إلى (هيئة) النزاهة".

وأضاف أن "ذلك جاء على خلفية فساد في عقود تشييد مدارس في عدة محافظات"، دون مزيد من التوضيح.

وهيئة النزاهة (مرتبطة بالبرلمان) معنية بالتحقيق في ملفات الفساد.

ويأتي هذا القرار وسط احتجاجات عارمة تشهدها مدن وبلدات وسط وجنوبي البلاد، ذات الأكثرية الشيعية، منذ ما يقارب الشهر.

ويطالب المحتجون بتحسين الخدمات العامة مثل الكهرباء والماء وتوفير فرص العمل، إضافة إلى محاربة الفساد المستشري في مفاصل الدولة.

عراقية تحمل لافتة تتهم كل السياسيين بالفساد
الكل فاسد في العراق

ولكن ورغم أهمية الخطوة، إلا أنها لا تعكس صدقية حكومة العبادي في مكافحة الفساد في ظل عجزها عن ملاحقة كبار المسؤولين الفاسدين في البلاد والذين ثبت تورطهم في خروقات صارخة وصفقات فساد وتحويلات مالية ضخمة وغير ذلك من جرائم مالية موثقة. ويأتي نوري المالكي على رأس هذه القائمة التي لم يتخذ العبادي أي خطوات تذكر بحقه رغم ظهور ملفات تدينه مباشرة.

ومن بين الملفات التي أدين فيها المالكي دون أن يحاسب، بل ويمارس صلاحياته السياسية والحزبية دون رادع نجد إخفاء لجنة العقود مصير المليارات من الدولارات بحجة شراء أسلحة من دون وجودها أصلا بل وتبين  أن العديد من تلك الأسلحة تم شراؤها بأسعار أكثر مما تستحق، وبعضها مستهلكة أو مستخدمة في الحرب العالمية الثانية، فضلا عن تبادل ملايين الدولارات من الرشى بين مسؤولي وزارة الدفاع، وهذا ما اتضح فيما بعد عندما عجز الجيش العراقي عن مواجهة أسلحة داعش خلال الهجوم الذي أدى إلى اجتياح الموصل وصلاح الدين.

وهناك ملف فساد لمستشفى عسكري وهمي إذ صرفت حكومة المالكي مليار دولار له وكان مخصصا لتقديم خدمات حديثة ومتطورة للعسكريين، لكن تبين في التحقيقات أنه غير موجود في العراق، حتى أنه لم يتم وضع حجر الأساس للمستشفى.

هناك ملف الطائرات التي قال المالكي إنه اشتراها من روسيا، لكن تبين أن تلك الطائرات هي ذاتها الطائرات العراقية التي لم تعطها إيران الإذن بالهبوط في الحرب الأميركية ضد العراق واضطرت للهبوط في روسيا آنذاك، فأعادت حكومة المالكي تلك الطائرات على أنه قد تم شراؤها.

العبادي والمالكي
عصي على المحاسبة

وهناك فضائح "بيع البشر" في القواعد العسكرية في الحكومة العراقية آنذاك، إذ عمد المسؤولين العسكريين إلى إنشاء معتقلات في قواعدهم العسكرية وكانوا يعتقلون الناس ثم يرجعوهم لأهلهم مقابل مبالغ مالية كبيرة، وهذا كان يمارسه أقرب العسكريين إلى المالكي وهو قائد عمليات نينوى آنذاك مهدي الغراوي وغيرها من الملفات الخطيرة التي لم تلتفت إليها حكومة العبادي.

ويرى بعض المحللين أن مكافحة الفساد في العراق ستبقى دائما مجرد مسرحية يطرحها الساسة لامتصاص غضب المواطنين نظرا لتورط العديد من المسؤولين النافذين في البلاد فيها، الأمر الذي يجعل مسألة محاسبتهم إما مستحيلة بسبب تحكمهم بالقضاء وتغلغلهم في مختلف أجهزة الدولة، أو بسبب الخوف رد فعل المليشيات المسلحة التي تأتمر بأمر هؤلاء، وهي على استعداد لإدخال فوضى عارمة في البلاد إذا ما تمت محاكمة أحد الرؤوس الكبيرة.  

ويأتي العراق في المركز 169 بين 180 دولة على مؤشر الفساد الذي تنشره منظمة الشفافية الدولية.

وقوّض الفساد مؤسسات الدولة إلى حد كبير، وحال دون تحسين الخدمات العامة والبنى التحتية للبلد الذي يشكو أيضا من أعمال عنف وحروب منذ عقود.

والعراق ثاني أكبر منتج في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) ويتلقى عشرات مليارات الدولارات سنويا من بيع الخام، لكن الحكومات العراقية لا تزال عاجزة عن توفير الخدمات الأساسية للسكان.