ضحايا.. أنفاق 'حزب الله'

الأعذار المحلية المعطاة لوسائل الإعلام اللبنانية لا يعني أنها، بمناسبة حرب الأنفاق وبفضل حزب الله لم يتم إخراجها مرة جديدة من "معركة الحقيقة"، في الصراع المفتوح مع إسرائيل وبات يُنظر إليها على أنها مجرد أدوات دعاية.

بقلم: فارس خشّان
ما إن أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عملية "درع الشمال" بعد الإعلان عن اكتشاف أنفاق عابرة للحدود حفرها "حزب الله"، حتى توجّهت وسائل الإعلام اللبنانية، مدججة بكاميراتها وميكروفونات مراسليها إلى الحدود الجنوبية "للتثبت من صحة" مزاعمه، فإذا بها، وبعد جهد يسير، تكتشف أن نتنياهو "واهم" فما يقول إنه بداية نفق "ليس سوى معمل بدائي هنا ومزرعة دجاج هناك".
ولم تكد وسائل الإعلام اللبنانية تُنهي نشر "اكتشافاتها التكذيبية" وبثّها في "احتفائية حماسية"، حتى أطلّت قيادة قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل)، لتعلن أنها تأكّدت من وجود الأنفاق، بدءا بالجانب اللبناني من الحدود.
لا إدانة لوسائل الإعلام هذه، فهي وفق ما هو مجمّع من إثباتات، مضطرة، تحت طائلة "التخوين" المكلف للغاية في لبنان، أن تُراعي كل ما يفرضه "حزب الله" في "الحرب الناعمة" التي يخوضها مع إسرائيل.
إلا أن "الأعذار المحلية" المعطاة لوسائل الإعلام اللبنانية، لا يعني أنها، بمناسبة "حرب الأنفاق"، وبفضل "حزب الله"، لم يتم إخراجها، مرة جديدة، من "معركة الحقيقة"، في الصراع المفتوح مع إسرائيل، وبات يُنظر إليها على أنها مجرد أدوات دعاية.
في المقابل، فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية، وفي كل معركة تفتحها الحكومة الإسرائيلية، تجد لنفسها، زوايا حامية لمهنيتها؛ فهي التي تنتقد، وهي التي تفتح كوة في الجدار السلطوي، وهي التي لا تقدّم شعارات الصراع العسكري على الأهداف الضمنية للاعبين السياسيين، وهي التي تحلّل المخاطر التي يمكن أن تنزلق بالوضع الدقيق إلى حرب خطرة، وهي التي تنشر الفضائح، عند توافرها.
وعليه، فإن "حزب الله" عموما، وأمينه العام حسن نصرالله خصوصا، يستشهد بشكل مكثّف بوسائل الإعلام الإسرائيلية وبمحلليها وبمحققيها، من أجل نصرة وجهة نظره.
بذلك، ومن دون أن يرف جفن أي مسؤول لبناني، تتهاوى مصداقية كبريات القنوات التلفزيونية والإذاعية ـ في ظل تدهور خطر في وضعية الصحافة المكتوبة ـ أمام دولة معادية، يفترض المنطق أن تكسب هذه الوسائل الرأي العام وأحقية المرجعية، من أجل تثبيت أحقية القضية.
ووسائل الإعلام ليست الضحية الوحيدة لـ"درع الشمال"، فولاية الـ"يونيفيل" لن تكون بمنأى عن الأنفاق المكتشفة، ولكن ليس لأنّ قيادتها موّهت الحقيقة، بل لأنّ قواتها لم تحل دون الحفر الذي يُعتبر خرقا فاضحا للقرار 1701 المانع لأي نشاط ذي طابع عسكري، في هذه المنطقة، إلا للجيش اللبناني ولقوات الطوارئ الدولية.
كانت الـ"يونيفيل" قد تعرّضت لانتقادات كبيرة، عند البحث في تجديد عملها في جنوب لبنان في آب/أغسطس الماضي، بسبب ما وصفته دول في مجلس الأمن الدولي، تتقدمها الولايات المتحدة الأميركية، تهاونا كبيرا يُتيح حرية حركة لـ"حزب الله" في "المنطقة المحرّمة".
إلا أن الدول التي أرسلت قوات إلى جنوب لبنان تحت راية الأمم المتحدة، نفت ذلك، ورفضت بقوة كل تعديل على طريقة عملها، لأنّ من شأن ذلك أن يدخلها في نزاعات مجانية مع "حزب الله" الذي يتستّر دائما تحت مسمّى "الأهالي".
لكن مع ثبوت وجود الأنفاق التابعة لـ"حزب الله"، فإن الأسباب التي سمحت للدول المشاركة في الـ"يونيفيل" أن تقف في وجه الضغط الأميركي ستتهاوى، الأمر الذي من شأنه يُضعف قدرتها على رفض التعديل المطلوب على طريقة عملها، بحيث تصبح "استقصائية ـ اقتحامية" ولا تعود "رقابية ـ تدوينية"، وتاليا تصبح قواتها أمام خطر المواجهة مع الأسلوب الذي استنبطه "حزب الله" ليستعيد حرية الحركة، جنوب نهر الليطاني.
بذلك، فإن الترسانة التي تسهر إسرائيل على تجميعها لتوفّر لنفسها مظلة تعينها على تنفيذ عدوان على لبنان الذي تعتبر أنه أصبح "كيانا واحدا مع "حزب الله" المدجج بأكثر من مئة ألف صاروخ"، بالتوقيت الذي يناسبها، تكتمل: وسائل الإعلام سقطت في "إلزامية الدعاية"، و"يونيفيل" عاجزة عن تنفيذ المهمة المنوطة بها، وجيش لبناني لا يستطيع بفعل القرار السياسي المتحكّم به إغضاب "حزب الله"، والسلطات اللبنانية على مختلف مستوياتها لا تملك ما يعينها على الوفاء بتعهداتها، لجهة الالتزام بالقرار 1701 الذي كانت شريكة في صوغه.
ثمة إجماع أن عملية "درع الشمال" لن تتسبب بحرب جديدة بين إسرائيل من جهة ولبنان من جهة أخرى، ولكن، في المقابل، فهناك شبه إجماع بأن الأنفاق التي حفرها "حزب الله" لتنفيذ عمليات في الجليل، تستعملها إسرائيل لتعبر إلى الشرعية الدولية، إسقاطا للمناعة التي توافرت للبنان، منذ 12 سنة.
عن صفحة الحرة