ضغوطات واشنطن تعدّل مشروع قرار فلسطيني في مجلس الأمن

الصيغة الأولى لمشروع قرار إدانة الخطة الأميركية للسلام الذي قدمه الفلسطينيون بواسطة تونس وإندونيسيا يطيح بمندوب تونس لدى الأمم المتحدة بعد ضغوط أميركية.

الأمم المتحدة (الولايات المتحدة) - حُذفت إدانة خطة السلام الأميركية للشرق الأوسط من نصّ مشروع قرار فلسطيني من المقرّر التصويت عليه في مجلس الأمن الدولي الثلاثاء ويمتنع عن ذكر الولايات المتحدة خلافا لصيغته الأولى، في خطوة تؤكد سبب إعفاء تونس مندوبها بالمجلس بشكل مفاجئ.

والنص الذي قدم للدول الـ15 الأعضاء في مجلس الأمن السبت، ينص على أن "المبادرة التي تم تقديمها في 28 كانون الثاني/يناير 2020 بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تبتعد عن المعايير المتّفق عليها دولياً لحلّ دائم وعادل وكامل لهذا النزاع كما وردت في قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة".

وكانت صيغة معدلة لنص أول عرضت الجمعة وتتحدث عن مبادرة "قدمتها الولايات المتحدة". وشطبت هذه الإشارة من الصيغة الأخيرة التي تم تسليمها السبت على أعضاء مجلس الأمن الدولي.

وكانت الصيغة الأولى لمشروع القرار الذي قدّمه الفلسطينيون بواسطة تونس وإندونيسيا اللتين تشغلان مقعدين غير دائمين في مجلس الأمن، تؤكد أن مجلس الأمن "يأسف بشدة لأن خطة السلام التي قدمتها في 28 كانون الثاني/يناير الولايات المتحدة تنتهك القانون الدولي والمعايير المرجعية لحل دائم وعادل وكامل للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني".

لكنّ تخفيف لهجة القرار الذي لا يزال يتضمّن إدانة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك في القدس الشرقية، ويؤكّد على ضرورة الحفاظ على خطوط التقسيم التي حددت في 1967، قد لا يكون كافيا لمنع الولايات المتحدة من استخدام حق النقض (الفيتو) خلال التصويت على النص.

والجمعة أعلنت تونس إعفاء مندوبها لدى الأمم المتحدة المنصف البعتي من مهامه بعد أن قدم مشروع القرار الأول إلى المجلس، في خطوة كشفت ضغوطا مارستها واشنطن لتعديل موقف تونس خصوصا أن الرئيس قيس سعيد عرف بدعمه المطلق للقضية الفلسطينية وقد وصف في تصريحات سابقة خطة الإدارة الأميركية بـ"مظلمة القرن". وقال "أُكرّرها هي خيانة عظمى".
وعللت الخارجية التونسية الجمعة في بيان قرار إعفاء البعتي "بضعف الأداء وغياب التنسيق والتفاعل مع الوزارة".
وأضاف بيان للوزارة أن عضوية تونس غير الدائمة بمجلس الأمن تقتضي التشاور الدائم والتنسيق المسبق مع الوزارة، بما ينسجم مع المواقف المبدئية ويحفظ مصالح البلاد.

لكن مصادر دبلوماسية أممية كشفت أن قرار تونس إعفاء البعتي جاء بعد ضغوط أميركية عليها بسبب مشروع القرار الذي وزعه البعتي ومندوب إندونيسيا بالمجلس رفضا لخطة السلام الأميركية.

وقالت صحيفة ''لوفيغارو'' الفرنسية نقلا عن مصادر دبلوماسية إن القرار يتعلق بمواقف البعتي التي كانت أبعد مما كان يريده رئيس الجمهورية قيس سعيّد الذي عرف بمواقفه المتشدد إزاء التطبيع مع إسرائيل، لأن الدعم الكبير الذي قدمه المندوب التونسي للفلسطينيين يضع العلاقات التونسية الأميركية في خطر. 

ونقلت الصحيفة عن مصدر دبلوماسي آخر، فضل عدم الكشف عن هويته، أنه تم استدعاء المندوب التونسي بصفة عاجلة، وأن الأخير لم يحضر الخميس الماضي الاجتماع الذي نظمته الولايات المتحدة بين جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب وهو مهندس الخطة الأميركية، ومجلس الأمن رغم أن تونس عضوا غير دائم في مجلس الأمن وتمثل باقي الدول العربية منذ مطلع العام الجاري.
وأضاف المصدر أن البعتي "ذهب أبعد مما أرادت السلطات التونسية في ملف الشرق الأوسط، وقدم دعما كبيرا للفلسطينيين يهدد بإفساد العلاقات بين تونس والولايات المتحدة".

وفي صيغته المعدّلة يضيف مشروع القرار على النسخة السابقة فقرة تتضمّن "إدانة كل أعمال العنف ضدّ المدنيين بما فيها أعمال الإرهاب، والأعمال الاستفزازية، والتحريض على 'العنف' والتدمير".

وحذفت من النص المعدّل الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي حول الشرق الأوسط "في أقرب وقت"، واكتفت النسخة الجديدة من مشروع القرار بالتذكير بأنّ ذلك منصوص عليه في قرار صادر عن الأمم المتحدة في العام 2008.

وينتظر وصول الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الأمم المتحدة الثلاثاء لطرح مشروع القرار للتصويت.

وبعد الجلسة سيعقد عباس مؤتمر صحافياً في نيويورك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت، وفق بيان للبعثة الفلسطينية في الأمم المتحدة.

ورفض الفلسطينيون وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي خطة السلام الأميركية التي أعلنها ترامب وتنصّ على الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، على أن تقام، وفق الخطة، عاصمة لدولة فلسطين المستقبلية في بلدة أبو ديس الواقعة إلى الشرق من القدس.

كذلك تنصّ الخطة على ضمّ إسرائيل غور الأردن وأكثر من 130 مستوطنة تقع في الضفّة الغربية المحتلة.

وتعتبر معظم الدول المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي التي احتلت خلال الحرب انتهاكا للقانون الدولي.

وتتصور خطة ترامب المعروفة بـ"صفقة القرن" حلا يقوم على أساس وجود دولتين يقضى بأن تعيش دولة فلسطينية وإسرائيل تقام في المستقبل جنبا إلى جنب ولكنها تحوي شروطا يرفضها الفلسطينيون.

وتقضي الخطة الأميركية أن تخضع دولة فلسطينية منزوعة السلاح لسيطرة إسرائيلية على أمنها وستحصل على مساحات من الصحراء مقابل الأراضي الزراعية التي يستوطنها الإسرائيليون.