ضياع ما بعد حرب غزّة

خرج نتانياهو ودخل المستوطنون اليمينيون ليحكموا إسرائيل بمساعدة حزب اخواني. مشهد درامي بالفعل.
هل سيكون التعاطي الاميركي مع بينيت اسهل من نتانياهو رغم وجود يائير لابيد في وزارة الخارجية
لقطة تاريخية لمنصور عباس سليل الإخوان المسلمين بجوار نفتالي بينيت الزعيم اليهودي المدافع عن الاستيطان

الثابتان الوحيدان بعد حرب غزّة الأخيرة، هما صعود "حماس" وحكومة إسرائيلية جديدة تخرج بنيامين نتانياهو من موقع رئيس الوزراء الموجود فيه منذ 12 عاما. كلّ ما يجري في ضوء حرب غزّة الاخيرة عجيب غريب. عوّمت "حماس"، عبر الصواريخ التي اطلقتها من غزّة "بيبي". كان ذلك بالتفاف اليمين حوله مؤقتا. ما لبثت انّ غيّرت رأيها وقرّرت المساهمة في لعب دور في انهاء حياته السياسيّة. بات الرهان الحمساوي على حكومة اسرائيلية جديدة من نوع شديد الغرابة. انّها حكومة برئاسة اليميني نفتالي بينيت المنادي بالاستيطان، حكومة تجمع بين كلّ التناقضات يشارك فيها فلسطينيون من جماعة الاخوان المسلمين يتزعّمهم عضو الكنيست الاسرائيلية منصور عبّاس.

لا يجمع بين اعضاء هذه الحكومة سوى الرغبة في التخلّص من "بيبي" الذي يبدو واضحا انّه استطاع خلق خصومات ذات طابع شخصي، خصوصا مع سياسيين إسرائيليين من اقصى اليمين. من المقرّر ان يكون بينيت رئيس الوزراء الجديد لمدّة عامين فقط. يفترض ان يخلفه، بعد سنتين، في موقع رئيس الوزراء يائير لابيد الذي يتزعم حزبا ينتمي الى الوسط ويعارض الاحزاب الدينية واليمنيّة، بل يعتبرها خصما لدودا له.

كانت لقطة تاريخية تلك التي ظهر فيها منصور عباس، سليل جماعة الإخوان المسلمين، يقف مبتسما بجوار نفتالي بينيت، الزعيم اليهودي المدافع عن الاستيطان، وذلك بعد لحظات من الموافقة على تولي الأخير رئاسة الوزراء وتأمينه أكثرية في الكنيست.

دفع اشتراك الطرفين (بينيت ولابيد) في الوقوف في وجه "بيبي"، منصور عباس إلى المسرح السياسي الإسرائيلي من زاوية المشاركة في الحكومة بعدما حقق الفصيل الإسلامي الصغير الذي يتزعّمه أغلبية بسيطة صبّت في مصلحة الأحزاب اليهودية التي تأمل في عزل نتنياهو.

ستصبح القائمة العربية الموحدة أول حزب ينتمي إلى الأقلية العربية، التي تمثل نسبة 21 في المئة من سكان إسرائيل، يشارك في حكومة إسرائيلية. ذهب منصور عباس الى تنحية كل خلافاته مع نفتالي بينيت رئيس الوزراء المقبل والزعيم السابق لأكبر تنظيم يدافع عن المستوطنات اليهودية ويطالب بضم معظم الضفة الغربية المحتلة.

انضمّ الاخوان المسلمون الى دعم اليمين الاسرائيلي بطريقة تشكّل تخليا عن أيّ مبدأ من ايّ نوع. يكشف ذلك طبيعتهم الحقيقية. فقد اشتهر بينيت بعبارة اطلقها في الماضي القريب قال فيها: "قتلت كثيرين من العرب كي لا تكون لديّ أي عقدة" تجاه مشاركة فلسطينيين من عرب إسرائيل في الحكومة!

من هو منصور عبّاس الذي كشف انّ لا حدود امام شبق الاخوان المسلمين الى السلطة؟ ينتمي عباس إلى بلدة المغار التي يتألف سكانها من السنّة والدروز والقريبة من بحيرة طبريا. وحزبه هو الجناح السياسي للفرع الجنوبي من الحركة الإسلامية في إسرائيل بعدما انشق عن جناح رائد صلاح المسجون بتهمة التحريض على الإرهاب.

معروف انّ الحركة الإسلامية في إسرائيل تأسّست عام 1971 وترجع أصولها إلى جماعة الإخوان المسلمين التي تُعتبر "حماس" جزءا لا يتجزّأ منها على الرغم من كل الادعاءات المغايرة لذلك. يقول عباس الذي يعمل طبيب أسنان إنه يأمل في تحسين أوضاع المواطنين العرب الذين يشكون من التمييز وإهمال الحكومة لهم. قال في رسالة إلى أنصاره بعد توقيع اتفاق الائتلاف مع بينيت ويائير لابيد إن فصيله قرر الانضمام إلى الحكومة "من أجل تغيير توازن القوى السياسية في البلاد".

قالت القائمة العربية الموحدة بلسان ناطقين باسمها إن الاتفاق يقضي بتخصيص أكثر من 53 مليار شيقل (16 مليار دولار) لتحسين البنية التحتية والتصدي لجرائم العنف في المدن العربية. أضافت أن الاتفاق يتضمن أيضا بنودا لتجميد هدم البيوت التي بنيت دون تراخيص في قرى عربية ومنح بلدات البدو في صحراء النقب، والتي تعتبر معقلا للدعم الإسلامي، وضعا رسميا.

اكّد منصور عباس إنه عندما تتشكّل الحكومة بدعم الفصيل العربي، سيتمكن من التأثير فيها وتحقيق إنجازات للمجتمع العربي.

هل صار "بيبي" من الماضي؟ سيعتمد الكثير على ما اذا كانت حكومة بينيت – لابيد قابلة للحياة من جهة وما اذا كان نتانياهو سيتمكن من التخلّص من مشاكله مع القضاء الإسرائيلي في ظلّ التهم بالفساد التي يحاكم بموجبها من جهة اخرى. الاكيد ان مرحلة ما بعد حرب غزّة ليست مثل مرحلة ما قبل تلك الحرب. الأكيد أيضا انّ الوضع الداخلي في اسرائيل مقبل على تقلبات، فيما سيكون السؤال الأكبر بعدما تبيّن ان إسرائيل في حال ضياع ما الذي ستفعله "حماس" في ضوء انتصارها السياسي الذي جعلها، بفضل الصواريخ الإيرانية، في الواجهة على حساب السلطة الوطنيّة الفلسطينية في رام الله؟

 الواضح وسط كلّ هذه المعمعة السياسية في إسرائيل، ان إدارة بايدن مرتاحة الى التخلّص من "بيبي" القادر على ممارسة ضغوط عليها في الداخل الأميركي عن طريق الحزب الجمهوري والمسيحيين المتطرّفين الذين يعتبرون نفسهم من اتباع الفكر الصهيوني. ذهب "بيبي" أخيرا الى حدّ تأكيد ان الملفّ النووي الإيراني يتقدّم على الاحتكاك بالولايات المتحدّة. أراد بكل بساطة القول انّه على استعداد للاشتباك مع الادارة الأميركية في حال اضطرّ الى ذلك. هذا ما فعله سابقا مع إدارة باراك أوباما، المغرمة بايران، ونجح فيه الى حدّ ما.

حسنا، تخلّصت الإدارة الاميركيّة من "بيبي". هل لديها ما تطرحه بعد تشكيل حكومة برئاسة نفتالي بينيت؟ هل لديها مشروع سلام يوفّر املا للفلسطينيين؟ الاهمّ من ذلك كلّه، هل سيكون التعاطي الاميركي مع بينيت اسهل من التعاطي مع "بيبي"، على الرغم من وجود يائير لابيد في وزارة الخارجيّة؟

بعد حرب غزّة التي لم يكن ايّ طرف في المنطقة وخارجها يتوقّع نتائجها، هناك أسئلة كثيرة ولا أجوبة عن ايّ منها. من بين الأسئلة التي لن يكون مفرّ من التعاطي معها مستقبلا ما العمل بغزّة نفسها وما مستقبل الدور المصري فيها؟ ما الذي ستفعله إدارة بايدن مع ايران وبرنامجها النووي وصواريخها وسلوكها خارج حدودها في غياب "بيبي" او حضوره؟

لا يمكن الحديث، فقط، عن ضياع أميركي وإدارة فاجأتها صواريخ غزّة. هناك ايضا ضياع فلسطيني، يظلّ افضل تعبير عنه مشاركة الاخوان المسلمين في حكومة على رأسها احد قادة الاستيطان في الضفّة الغربيّة. هناك أيضا وايضا ضياع إسرائيلي تجسّده حكومة كلّ التناقضات التي قد تتشكّل.