طالبان تغتال مسؤولا أفغانيا بارزا وتسيطر على أول عاصمة ولاية

طالبان تغتال رئيس المركز الإعلامي التابع للحكومة بإطلاق النار عليه قرب مسجد في كابول الجمعة فيما سيطرت على أول عاصمة ولاية في البلاد مع دعوة موفدة الأمم المتحدة لأفغانستان الحركة لوقف هجماتها على المدن.
واشنطن تعيد للأفغان بلادهم كما استلمتها عاجزة ومهددة بحكم طالبان
مسؤولة أممية: أفغانستان عند نقطة تحول خطيرة

كابول- في 15 فبراير 1989، كتب المراسل الخاص لوكالة فرانس برس آلان بوبيون، "لم تنتشر في كابول اي دعاية ولم ينظم اي احتفال خاص بمناسبة مغادرة آخر جندي سوفياتي، انسحب وسط لامبالاة تامة من الرسميين ومن الشعب نفسه".

واضاف "+لقد رحلوا+، اكتفى سكان كابول بالقول، رافعين ايديهم الى السماء، وهذه حركة تترجم شعورا لدى القسم الاكبر من سكان العاصمة: الارتياح والقلق في آن بسبب غموض المستقبل".

يتكرر المشهد اليوم مع انسحاب القوات الأميركية، وبقلق أكبر حيث خبر الأفغان مدى تطرف طالبان وحقيقة حكمها.

بعد خروج السوفييت، تقاتلت فصائل المجاهدين، الذين دعمتهم واشنطن ضد الجيش الأحمر، دخلت البلاد في حرب أهلية تلاها وصول طالبان إلى الحكم في 1996. اضطرت واشنطن للتدخل عسكريا في 2001 للإطاحة بحكم طالبان وتحقيق الاستقرار وبناء دولة متماسكة. وبعد عشرين عاما كانت مكلفة ماديا وبشريا قررت واشنطن سحب قواتها وقد تركت ذات الدولة عاجزة ومهددة بسيطرة طالبان من جديد.

وفقا لأجهزة المخابرات الأميركية، قد يفقد نظام الرئيس أشرف غني السيطرة على أفغانستان في غضون ستة أشهر. ولا يبدو الأمر مبالغا فيه. فمنذ الإعلان عن الانسحاب الأميركي لم تهدأ ضربات طالبان، التي صارت تسيطر على غالبية الأراضي الأفغانية.

وتسيطر طالبان حاليا على أجزاء واسعة من الريف فيما باتت تشكّل تحديا للقوات الحكومية في عواصم عدة ولايات. وازدادت حدة القتال في نزاع أفغانستان منذ مايو عندما بدأت القوات الأجنبية آخر مراحل انسحابها المقرر استكماله في وقت لاحق هذا الشهر.

وفي أحدث تطور، سيطرت طالبان على أول عاصمة ولاية في البلاد. واشتدت المعارك في مراكز ولايات عدة الجمعة فيما أعلن مسؤول افغاني أن طالبان سيطرت على زرنج، عاصمة ولاية نيمروز، لتكون بذلك أول عاصمة ولاية تسقط في أيدي الحركة المتشددة منذ أطلقت هجومها الأخير.

وقال روح جول خيرزاد، نائب حاكم إقليم نيمروز، إن العاصمة زارانج، الواقعة في جنوب غرب الإقليم، سقطت في أيدي المتمردين بقليل من المقاومة من قوات الأمن والكثير منهم تركوا مواقعهم ونقاط التفتيش في السنوات الأخيرة.

وزارانج مدينة نائية نسبيا ويبلغ عدد سكانها 63 ألفا. ولكن بسبب موقعها على الحدود مع إيران، فإنها تعد مركزا تجاريا مهما ومركزا لشبكات تهريب المخدرات.

كما تهدف الحركة إلى جعل هلمند عاصمة مؤقتة لها، إلا أن مديرية أمن في الولاية أفادت في بيان، الجمعة، بحدوث اشتباكات عنيفة بين قواتها ومسلحي "طالبان" في مدينة "لشكر كاه" مركز الولاية.

وأشار البيان إلى وقوع عدد كبير من القتلى في صفوف الحركة صباح الجمعة، إثر غارات جوية.
وفي شمال البلاد، شهدت الأيام الماضية اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن في ولاية جوزجان ذات الأغلبية من الأوزبك والتركمان، ومسلحي الحركة.

وأكد مسؤولون حكوميون في الولاية، سيطرة الحركة على منطقتي قصري دوستم (التابعة لمدينة شبرغان عاصمة جوزجان) وتشاغصاي وغيرهما في الولاية. ويلف الغموض الوضع في ولاية نيمروز على الحدود الإيرانية، مع وصول الاشتباكات إلى مركز الولاية.

استهداف الحكومة

بالتزامن مع التقدم الميداني، أعلنت طالبن الحرب على الحكومة من خلال تبني عمليات اغتيال طالت مسؤولين، آخرهم قتلت رئيس المركز الإعلامي التابع للحكومة الذي قتل بإطلاق النار عليه قرب مسجد في كابول الجمعة.

وتزامنت التطورات الأخيرة مع انعقاد اجتماع لمجلس الأمن الدولي في نيويورك لمناقشة النزاع طالبت خلاله موفدة الأمم المتحدة إلى أفغانستان ديبورا لايونز بتوجيه تحذير واضح للمتمرّدين. وقالت لايونز إن على الدول التي تتواصل مع المتمردين أن تحذرهم "بأن حكومة يتم فرضها بالقوة في أفغانستان لن يتم الاعتراف بها".

وجاء اغتيال داوا خان مينابال، الذي يعد بين أبرز الأصوات في الحكومة، بعد يوم آخر شهد معارك دامية في أفغانستان فيما تمتد الحرب إلى كابول لأول مرة منذ أشهر.

وأثار اغتيال مينابال صدمة في أوساط مسؤولي الحكومة. وقال الناطق باسم وزارة الداخلية ميرويس ستانكزاي في معرض حديثه عن مقتل مينابال "للأسف، ارتكب الإرهابيون المتوحشون عملا جبانا آخر وقتلوا أفغانيا وطنيا".

وكان مينابال معروفا في الأوساط الإعلامية الضيّقة في كابول وكثيرا ما كان يهزأ من طالبان على وسائل التواصل الاجتماعي، مازحا في بعض الأحيان.

وأعلنت طالبان مسؤوليتها عن قتله إذ أرسل الناطق باسمها ذبيح الله مجاهد رسالة إلى وسائل الإعلام جاء فيها أن مينابال "قُتل في هجوم خاص نفّذه المجاهدون". وحذّر قادة طالبان الأربعاء من أنهم يستعدون لاستهداف قادة الحكومة الأفغانية، بعد يوم من نجاة وزير الدفاع بسم الله محمدي من محاولة اغتيال بقنبلة وبالرصاص.

لم يبق شيء

وتواصل القوات الحكومية استهداف مواقع طالبان جوا وبعمليات تنفذها القوات الخاصة. وأعلنت وزارة الدفاع الجمعة مقتل أكثر من 400 متمرّد في الساعات الـ24 الماضية.

وكثيرا ما يبالغ الطرفان في أعداد الضحايا المعلنة من الجانبين، ما يجعل التحقق من الأرقام أمرا شبه مستحيل.

افغانستان

لكن حتى مع إعلان المسؤولين الأفغان بأنهم يلحقون خسائر بالغة بطالبان، لم تنجح القوات الحكومية حتى الآن في إخراج المتمرّدين من عواصم الولايات التي دخلوها بينما أجبر مئات آلاف المدنيين على الفرار في الأسابيع الأخيرة.

وتملأ تسجيلات مصوّرة للدمار الذي ألحقه القتال بمدينة لشكر كاه جنوبا وسائل التواصل الاجتماعي، فيما تظهر منشورات ألسنة اللهب تتصاعد من منطقة تضم سوقا رئيسيا.

وأفادت مجموعة "أكشن أغينست هانغر" (العمل ضد الجوع) في بيان الجمعة أن مكاتبها أصيبت بـ"قنبلة من الجو" سقطت في المدينة في وقت سابق هذا الأسبوع.

وقالت المنظمة "كانت هناك علامات تُرى من الشارع والسقف على المبنى تشير إلى أنه تابع لمنظمة غير حكومية وتم تزويد أطراف النزاع مرارا بموقع المكتب"، مؤكدة عدم إصابة أي من موظفيها.

وفي مدينة هرات غربا، يغادر السكان منازلهم تمهيدا لهجوم مرتقب للقوات الحكومية على مواقع تسيطر عليها طالبان. وقال أحمد ضيا الذي يعيش في غرب المدينة "أخلينا المكان بالكامل. لم يعد لدينا شيء ولا نعرف أين نذهب".

لا أحد يعلم أين ستذهب أفغانستان. خاصة وأن الانسحاب الأميركي فتح الباب أمام كل الدول التي لديها مصالح إستراتيجية في المنطقة المحيطة وتلك التي تنافس الولايات المتحدة وتعاديها، من الصين إلى روسيا وتركيا وإيران وقطر.

وبينما تبدو الدوحة أكبر الرابحين من عودة طالبان بعد استثمارها الطويل في الرهان على الحركة واستضافة قيادتها ورعاية المفاوضات بينها وبين الحكومة الأفغانية، لا يبدو أن بقية الدول ستقف مكتوفة الأيدي، فتركيا تسعى للسيطرة على مطار كابول عبر ورقة حراسته، وقد ذكرت تقارير أنها تخطط الآن لنقل مقاتلين من سوريا إلى أفغانستان.

 وروسيا تراقب بحذر توسعات طلبان التي جعلتها على تماس مباشر مع المصالح الروسية بعد سيطرة الحركة على مناطق قرب الحدود بين أفغانستان وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة.

أما إيران، فإلى جانب المباحثات الرسمية التي تجريها مع حكومة أفغانستان وحركة طالبان، تعمل سرا على تسليح قومية الهزارة الشيعية في البلاد، استعدادا لمرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي.

وفي خضم هذا التزاحم، يطل أيضا تهديد تنظيم الدولة الإسلامية، ما يجعل أفغانستان، كما قالت ديبورا ليونز، "عند نقطة تحول خطيرة".