طبول الحرب الاميركية ابعدت السائحين عن مصر

القاهرة واثينا - من محمد جمال عرفة

لم تقتصر أضرار دق واشنطن طبول الحرب للثأر لكرامتها الجريحة بعد تدمير رموز قوتها العسكرية والاقتصادية, على ضرب السياحة العالمية في منطقة الشرق الأوسط، ولكن طال تأثيرها إلغاء أهم حدث سياحي تقيمه مصر كل عام, بهدف تنشيط السياحة لديها, وهو "أوبرا عايدة", التي بدأت أول عرض لها علي الأوبرا المصرية عام 1871, خلال حكم أسرة محمد علي لمصر, على يد الموسيقار "فيردي"، فيما أغلقت شركة طيران أميركية فرعها في مصر ورحلت, خوفا من تأثيرات أجواء الحرب.

وهذا هو العام الثاني على التوالي الذي تقرر فيه مصر إلغاء "أوبرا عايدة", التي تعرض في الفترة من 12 إلى 17 تشرين أول (أكتوبر) من كل عام في منطقة الأهرامات في مصر, أو في منطقة المعابد بالأقصر وأسوان جنوب مصر. وجاء الإلغاء بقرار من الرئيس المصري حسني مبارك, بعدما رفع إليه وزير الثقافة فاروق حسني تقريرا يشير إلى إلغاء العديد من الشركات السياحية الأميركية والألمانية حجوزاتها في هذه الأوبرا, التي تعتمد على السياحة الخارجية.

ورغم أن وزير الثقافة المصري أكد أنه لا توجد خسائر حتى الآن بسبب إلغاء الأوبرا, على اعتبار أن الحملة الرئيسية لها لم تبدأ بعد, كما أنه لم يتم الاتفاق بعد مع الفرق الموسيقية العالمية والأوركسترا والفنانين العالميين، إلا أن الممثل حسن كامي, مستشار رئيس الأوبرا والمشرف على إنتاج "أوبرا عايدة" صرح لجريدة الوفد المصرية المعارضة بأن خسائر الإلغاء بلغت سبعة ملايين جنيه مصري (الدولار الأمريكي يساوي حوالي أربعة جنيهات وربع)، وأنه تم دفع (عربون) للعديد من الفنانين المشاركين.

وقال كامي إن من ضمن الخسائر أيضا تكاليف بناء منصة للعرض, قامت ببنائها القوات المسلحة المصرية, وتوفير أجهزة الإضاءة والصوت. وأشار إلى أن حملة الدعاية الأساسية لم تكن قد بدأت بعد, مما قلل الخسائر، بيد أن المتابعين لاحظوا أن بعض المحطات العالمية كانت تبث عبر الأقمار الصناعية دعاية لأوبرا عايدة في مصر في برامجها المسائية, رغم إعلان قرار إلغائها.


وقد أشار وزير الثقافة فاروق حسني إلى أن منصة العرض, التي أقامتها القوات المسلحة المصرية لأوبرا عايدة الملغاة، سوف تستخدم في عروض قادمة أخرى, وأكد أن إعلان الولايات المتحدة الحرب أدى إلى تخوف شركات السياحة العالمية من التعرض للخسائر.

وكانت وزارة الثقافة المصرية قد قامت بإلغاء عرض "أوبرا عايدة" في أيلول (سبتمبر) 2000، وتردد أن السبب هو انتخابات البرلمان المصري في ذلك الوقت, وانشغال الشرطة بحماية مقرات الانتخابات، إلا أن وزير الثقافة قال في تصريح صحفي في ذلك الوقت إن التأجيل جاء لإتاحة المزيد من الفرصة لإخراج وتسويق أفضل للعرض, الذي سيتوافق مع ذكرى مائة وخمسين عاماً على مولد "فيردي", مؤلف "أوبرا عايدة".

وأضاف الوزير أن الاتصالات بدأت ببعض المخرجين، والفنانين العالميين لانتخاب أفضلهم.

الجدير بالذكر أن قرار عرض "أوبرا عايدة" منذ عام 1998 بشكل سنوي, كان ذا صبغة سياسية وسياحية؛ وجاء ردًا على حادثة الأقصر, التي قُتل فيها نيّف وستون سائحا أوروبيا من بلدان العالم المختلفة عام 1998, على يد عناصر قيل إنها من تنظيم الجهاد المصري.

وقد ترددت معلومات في صحف المعارضة المصرية عن خسائر سنوية لهذه الأوبرا وصلت في العامين السابقين إلى ما يقرب من خمسة عشر مليون جنيه مصري، إلا أن الحكومة المصرية كانت تصر عليها لإثبات استقرار الأوضاع ولتشجيع السياحة.

عايدة غير مصرية!

وقد أبدى عدد من نقاد الأدب, ممن يعارضون الفكرة, التي تعرضها الأوبرا سعادتهم بإلغائها, مشددين على أن هذه الأوبرا, وأسمها الحقيقي "إييدا" وليس "عايدة", تمجد الخيانة لمصر! وقالت الأديبة صافيناز كاظم إن الأوبرا المسماة عايدة هي "أسوا اختيار ممكن لعرض أوبرا على أرض مصر", مشيرة إلى أن "إييدا", التي تقام الأوبرا "لخاطر عيونها" هي أميرة أثيوبية, (أي غير عربية بعكس ما يوحي اسم الأوبرا), يخون قائد الجيش الفرعوني في مصر بلاده بسببها, وأن نهاية الأوبرا تمجد هذه الأميرة الأثيوبية والقائد الخائن لبلاده بسبب الحب بينهما!.

وتتلخص قصة هذه الأوبرا في أن "إييدا" ابنة ملك أثيوبيا في العصور الفرعونية القديمة, قد وقعت في أسر الجيوش المصرية, التي كانت في حالة حرب مستمرة مع الأثيوبيين، وأصبحت فيما بعد خادمة أو أمة لابنة فرعون مصر واسمها "أمنريس".

وتقع "إييدا" أو عايدة في حب ضابط مصري هو "راداميس", الذي تحبه أيضا ابنة الفرعون وتريد الزواج منه، إلا أن الضابط يفضل "إييدا" الأثيوبية على "أمنريس" المصرية. وعندما تقوم الجيوش الأثيوبية بغارة علي مصر بقيادة ملك أثيوبيا, والد "إييدا"، يوالي الضابط المصري والد محبوبته وجيش بلادها أثيوبيا.

وفي حين تغني ابنة الفرعون لحبيبها الضابط, الذي لا يهتم بها, وهو ذاهب إلى الجبهة للقتال أغنية "عد منتصرا"، تغني الأثيوبية "إييدا" ذات الأغنية, ولكنها تقصد عودة والدها ملك أثيوبيا منتصرا على المصريين من أجل تخليصها من الأسر!.

وينتصر الجيش المصري علي الأثيوبيين ويأسر ملك أثيوبيا لينضم إلى ابنته في الأسر. وحين يقرر الفرعون مكافأة الضابط المصري الفرعوني "راداميس", ويقرر تزويجه ابنته, التي لا يحبها، يسعى ملك أثيوبيا الأسير لإقناع ابنته "إييدا" باستغلال حب "راداميس" لها, لمعرفة خطط تحرك الجيش المصري منه, بعدما بدأت حشود من الجيش الأثيوبي تتقدم وتنتظر فرار ملك أثيوبيا من الأسر لقيادتها. وتنجح "إييدا" في استخلاص هذه الأسرار الحربية من حبيبها الضابط المصري الخائن, لكن سرعان ما يتم كشف خيانته، فيما يموت الملك الأثيوبي وهو يهرب من الأسر.

وفي نهاية الأوبرا يقرر الكهنة إعدام الخائن "راداميس" بالحكم عليه بالموت من خلال وضعه حي في مقبرة تغلق عليه ليموت فيها، ويرفض هذا الضابط محاولة للعفو عنه من قبل الأميرة المصرية, التي تحبه متمسكا بابنة ملك أثيوبيا، التي تنزل معه إلى قبره ليموتا سويا, وسط مؤثرات صوتية وضوئية تبكي على العاشق الخائن والأميرة الأثيوبية, وتلعن كهنة مصر الذين حكموا بالموت على العاشقين!.

شركة أمريكية تغلق أبوابها في مصر

من ناحية أخرى, وضمن تأثيرات الحرب الأميركية المنتظرة على عدد من المنظمات والدول في العالم العربي والإسلامي، أوقفت شركة الطيران الأمريكية "تي دبليو إيه" رحلاتها إلى مصر, بعد 53 عاما من التشغيل، وأغلقت مكاتبها, واستغنت عن 115 موظفا من المصريين لديها, وسط حالة من الدهشة بين المتعاملين معها وبين موظفيها.

وقال مسؤولون في فرع الشركة في القاهرة إنه من المنتظر وصول وفد من الشركة الأميركية إلى القاهرة الأسبوع القادم للتفاوض مع العاملين المصريين بشأن التعويضات الخاصة بهم.

وقال بادي شلبي نائب رئيس نقابة العاملين بالشركة إن الشركة تعرض على العاملين تعويضات قيمتها 20 ألف جنيه لمن تزيد أعمارهم عن سن الـ 50 عاما، و6 آلاف جنيه لمن تقل أعمارهم عن سن الـ50، موضحا أنها قليلة جدا. وأشار إلى أن الشركة تمارس ضغوطا على العمال لإجبارهم على قبول التعويضات.

يذكر أن شركة "أميركان إيرلاينز", التي فقدت طائرتين في حوادث تفجيرات أمريكا, وتعاني من خسائر ضخمة, كانت اشترت شركة "تي دبليو إيه" في نيسان (إبريل) الماضي. وكان من المقرر دمج رحلات الشركتين من أول الشهر القادم. ويعتقد أن غلق مقر الشركة في مصر له علاقة بالأسباب المالية.

تضرر بلدان اخرى في منطقة المتوسط

وتشير التقارير عن السياحة في منطقة البحر المتوسط الى ان مصر والبندقية وروما، بالاضافة الى تركيا وان بدرجة اقل، هي الاكثر تضررا من جراء تراجع الحركة السياحية في اعقاب اعتداءات الحادي عشر من ايلول/سبتمبر في الولايات المتحدة.

وامام انهيار عدد الحجوزات المتوقع في شهر تشرين الاول/اكتوبر في بعض الحالات، اعرب العديد من العاملين في قطاع السياحة عن قلقهم حيال هذا الفصل الاخير المزدهر عموما في كافة ارجاء منطقة حوض المتوسط، في حين تدهورت حركة السياح الاميركيين خصوصا حتى الان.

وفي مصر،الغي عدد كبير من الحجوزات. واكدت فنادق كبرى عدة في القاهرة، وبينها الميريديان في منطقة الاهرام، ان ما بين 40 الى 50% من الحجوزات الغيت وخصوصا تلك الصادرة من المانيا واسبانيا وايطاليا. والغت اوبرا القاهرة عرض اوبرا "عايدة" في منطقة الاهرامات والذي يجذب سنويا آلاف السائحين الاجانب.
والقطاع السياحي في مصر يعتبر من اكبر موارد العملات الاجنبية في البلاد، وكانت ايرادات هذا القطاع بلغت 3.4 مليارات دولار في عام 2000.

وفي عمان، اعلنت شركة الخطوط الملكية الاردنية عن انخفاض عدد الرحلات الى الاردن بنسبة 20% في اعقاب الاعتداءات.


اما في ايطاليا، فان الصناعة السياحية تغرق في السواد. واوضح فرانكو بالوشيا المتحدث باسم مؤسسة "اينيت" المكلفة ترويج السياحة الايطالية في الخارج "لقد توقف وصول السياح الاميركيين بين ليلة وضحاها".

وفي البندقية، الغى السياح الاميركيون (مليون سائح في السنة) حجوزاتهم جماعيا بحسب الجمعية المحلية للفنادق، بينما سجلت مواقع الانترنت الاربعة لمجموعة "جولي هوتيلز" في روما "تراجعا ملحوظا" في حجوزاتها، كما اعلن مديرها التجاري فرانشيسكو اسكولي الذي رأى ان "نصف الحجوزات الاميركية قد تم الغاؤه".

وفي تركيا، فان السياحة تعاني اصلا بشكل كبير. وبحسب ثلاث وكالات سفر، هي كاليانت وانسييمي وباشاتورز، فان الغاء الحجوزات يتعلق خصوصا بسياح من ايطاليا والولايات المتحدة وكندا واستراليا او جنوب افريقيا، ويصل احيانا الى حدود 54%.

واوضح زكي خان كيزيل اوغلو مدير شركتي كاليانت وانسييمي ان "السياح يخافون السفر جوا بنوع خاص". واكد انه "اذا كان الرد الاميركي سيكتفي بافغانستان، فسنصمد، ولكن اذا ما طاول الرد العراق ايضا، فنكون قد انتهينا".

وفي المقابل، لم يتم تسجيل اي الغاء لدى شركة "اوجيه تورز" التي تعمل باتجاه السوق الالمانية او شركة "نوفيل فرونتيير" (الحدود الجديدة) الفرنسية بحسب ممثليهما في اسطنبول.

وفي قبرص، القريبة ايضا والتي ترتادها غالبية كبرى من الاوروبيين، فان الخوف من الاعتداءات ادى حتى الان "الى انعكاسات قليلة على الصناعة السياحية عموما"، بحسب وزير السياحة نيكوس رولانديس.

في اليونان قالت جمعية وكالات السفر ان "المشكلة تقتصر اساسا على الزبائن الاميركيين" الذين يمثلون حوالي 5% من العدد الاجمالي للسياح.

وفي الجانب الغربي من المتوسط بقيت نسبة الحجوزات الملغاة هامشية. ولكن المسؤولين في كافة الانحاء تقريبا، في اسبانيا كما في تونس او المغرب، قلقون حيال المستقبل القريب.

وقد الغيت مؤتمرات هنا وهناك على غرار ما حدث في زغرب حيث كان من المتوقع ان يعقد 200 طبيب، بينهم العديد من الاميركيين، اجتماعا الاسبوع المقبل.