طريق جونسون لقيادة بريطانيا سالكة لكن علّته في لسانه

وزير الخارجية البريطاني السابق يعتبر الأوفر حظا للفوز برئاسة المحافظين والحكومة، لكن نهجه الصدامي وزلّاته وخطاباته المغرقة في الشعبيوية تفرض تساؤلات حول قدرته على الخروج من مأزق بريكست.

بوريس جونسون يتقدم بثبات لرئاسة المحافظين وقيادة بريطانيا
زلّات جونسون تنغّص طريقه لرئاسة الوزراء
وزير الخارجية البريطاني السابق لم يقدم خطة واضحة لبريكست
مسار بريكست أكثر تعقيدا من تلك الصورة التي يحاول جونسون تسويقها

لندن - قدّم وزير الخارجية البريطاني السابق بوريس جونسون المعروف بمزاحه وزلّاته وتهديداته نفسه على أنه الشخصية البارزة التي تحتاجها بريطانيا لقيادتها خلال مرحلة بريكست وبالتالي إنقاذ حزبه من تلقي ضربة مهينة في صناديق الاقتراع.

وبدت طريقه اليوم الثلاثاء سالكة لخلافة تيريزا ماي على رأس حزب المحافظين ورئاسة الوزراء حيث عزّز النائب المحافظ وأحد أبرز مؤيدي بريكست تقدّمه في السباق بعد أن حلّ أولا في الدورة الثانية من تصويت النواب المحافظين، التي بات على إثرها عدد المرشحين خمسة.

وحصل جونسون على 126 صوتا من أصل 313 وتم استبعاد دومينيك راب الذي شغل منصب وزير شؤون بريكست لفترة قصيرة، بحسب نتائج أعلنها الحزب المحافظ.

كما تلقى دعما جديدا في السباق نحو منصب رئاسة الوزراء عندما دعمته منافسة سابقة لقيادة البلاد للخروج من أزمة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.

وقبل ساعات من تصويت نواب حزب المحافظين لتقليص عدد المرشحين الستة للمنصب، أعلنت أندريا ليدسوم تأييدها لجونسون بوصفه المرشح الأوفر حظا.

وقالت ليدسوم وهي رئيسة سابقة لمجلس العموم وخرجت من السباق الأسبوع الماضي، لهيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) "هو الأقدر على إخراجنا من الاتحاد الأوروبي في نهاية أكتوبر... ثانيا أعتقد أنه فائز في الانتخابات".

وأمس الاثنين، تلقى دعما من وزير الصحة مات هانكوك الذي ترك السباق يوم الجمعة، وذلك على الرغم من تباين وجهات نظرهما بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

لكن الوزير السابق والمرشح الأوفر حظا لخلافة ماي أثار تساؤلات بشأن كفاءته خاصة بعد خطابه الشعبوي بالتعهد بإخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتوحيد البلاد التي تشهد انقسامات.

وبالنسبة لزملائه المحافظين الذين يشعرون بالذعر من احتمال تسبب الأزمة السياسية المرتبطة ببريكست بانتخابات عامة مبكرة، يؤكد على أنه الشخصية الأمثل لمواجهة حزب العمال المعارض وحزب بريكست حديث النشأة الذي يقوده نايجل فاراج المشكك بالاتحاد الأوروبي.

وأثبت جونسون خلال قيادته حملة المعسكر المؤيد لبريكست قبيل استفتاء 2016 والعهدين اللذين قضاهما كرئيس لبلدية لندن، أنه قادر على الوصول إلى أبعد من ناخبي الحزب المحافظ التقليديين.

لكن زلّاته السابقة على غرار تلك المرتبطة بالمثليين وتشبيهه للمسلمات اللواتي يرتدين النقاب بـ"صناديق البريد" عرضته لانتقادات شديدة.

وأثار تعهده بمغادرة الاتحاد الأوروبي بحلول المهلة النهائية في 31 أكتوبر/تشرين الأول سواء باتفاق أو بدونه قلق نصف الناخبين الذين رفضوا بريكست قبل ثلاث سنوات، وخصوصا كونه لم يقدم خطة مفصّلة في هذا الشأن.

واتهم جونسون كذلك بالهروب من التعرض للتدقيق خلال الحملة الأخيرة للفوز برئاسة الوزراء بعدما تغيّب عن أول مناظرة تلفزيونية وتجنّب بقدر الإمكان الظهور على وسائل الإعلام.

ولطالما كان الكسندر بوريس دو فيفل جونسون الذي ولد في نيويورك عام 1964 شخصا طموحا. وتؤكد شقيقته رايتشل أنه كان يطمح ليصبح "ملك العالم".

وترّشح لرئاسة الوزراء في أعقاب استفتاء 2016 لكنه انسحب عندما انقلب عليه حليفه الأبرز مايكل غوف ليترشح هو.

وهذه المرة، أدار حملة انتخابية منضبطة بدأت بقص شعره الأشقر الأشعث الذي اشتهر به، مركزا على الحصول على داعمين في البرلمان وقلل ظهوره العلني ما سمح له بتجنب الزلّات التي عرف بها خلال مسيرته المهنية.

شخصية مثيرة للجدل تتلاقى وتتناغم تقريبا مع شخصية ومواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب
شخصية مثيرة للجدل تتلاقى وتتناغم تقريبا مع شخصية ومواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب

وتلقى جونسون تعليمه في كلية 'ايتون' العريقة وجامعة 'أوكسفورد'. وعمل في البداية كصحافي في صحيفة 'ذي تايمز'، لكنه أقيل لفبركته أخبارا، فيما عرف لاحقا كمراسل لجريدة 'ذي دايلي تلغراف' في بروكسل.

وانتخب لتولي مقعد في البرلمان البريطاني عام 2001 وأقيل من منصبه كمتحدث عن الفنون للمحافظين بعد اتهامه بالكذب بشأن علاقة أقامها خارج إطار الزواج.

لكنه عاد في 2008 وانتخب كرئيس بلدية العاصمة لندن متعددة العرقيات والتي تميل عادة لانتخاب حزب العمال. وأعيد انتخابه في 2012 وأشرف على تنظيم دورة الألعاب الأولمبية في العام ذاته.

وأشار جونسون مرارا إلى تجربته كرئيس بلدية للتأكيد على أنه ينفّذ وعوده، مشددا في هذا السياق على تراجع نسب الجريمة وزيادة مشاريع بناء المساكن والعمل الذي قام به مع الشركات التجارية.

لكن معارضيه يشيرون في الوقت ذاته إلى المشاريع باهظة التكلفة التي انخرط فيها على غرار 'جسر الحديقة' الذي لم ينفّذ كدليل على أن أحلامه الكبيرة لا تترجم على الدوام إلى إدارة حكيمة.

وعاد إلى البرلمان في 2015 كنائب عن ضاحية في شمال غرب لندن، متعهدا بمعارضة مشروع توسعة مطار هيثرو، لكن عندما كان وزيرا للخارجية، تغيّب عن جلسة تصويت مهمة في البرلمان تتعلق بهذا المشروع بعدما رتّب زيارة على عجل إلى أفغانستان.

ويُنظر إلى قرار رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي التي تتولى حاليا حكومة تصريف أعمال بعد استقالتها، بتعيينه في وزارة الخارجية كخطوة ماكرة بعدما تولت السلطة لإبقائه قريبا منها.

لكنه ارتكب بعض الأخطاء الكبيرة أثناء توليه المنصب لعل أبرزها إشارته إلى أن نزانين زغاري-راتكليف البريطانية من أصل إيراني المسجونة في إيران لإدانتها بإثارة الفتنة، كانت ربما تدرب صحافيين في الجمهورية الإسلامية.

ونفت عائلتها ذلك بشدة وتخشى من أن تصريحه أثّر سلبا على قضيتها إذ استغل القضاء الإيراني فورا التصريحات لاستخدامها كإثبات على أنها لم تكن تقضي إجازة في إيران.

وتوصل مركز شاتهام هاوس للأبحاث إلى أن جونسون كان وزير الخارجية البريطانية "الأقل نجاحا" منذ الحرب العالمية الثانية. وقال "كان جونسون يطلق تعبيرات متذاكية في الأوقات التي كانت الحاجة فيها للهيبة والعناية بالتفاصيل".

واستقال جونسون أخيرا في يوليو/تموز 2018 احتجاجا على إستراتيجية ماي حيال بريكست رغم أنه صوّت لاحقا للاتفاق الذي أبرمته بشأن بريكست كأفضل طريقة للخروج من الاتحاد الأوروبي.

وفي حال فوزه برئاسة حزب المحافظين وبالتالي خلافة ماي في منصب رئاسة الوزراء، فإن الرجل المعروف بمواقفه الصدامية والارتجالية وخطاباته الغارقة في الشعبوية سيواجه تحديات أكبر من تلك التي واجهتها رئيسة الوزراء المستقيلة.

ولم يقدم حتى الآن أي خطة أو مشروع للانسحاب من الاتحاد الأوروبي بأخف الأضرار الممكنة، فمسار بريكست أكثر تعقيدا من تلك الصورة التي يحاول جونسون تسويقها ومن الصعب أن يخرج من المأزق الراهن بلا خسائر قد يكون مستقبله السياسي نفسه.