طهران.. بين معادلتَي الإصلاح والتطرُّف

ضعف فَهْم الحالة الإيرانية وطبيعة النظام السياسي في إيران جعل التيارات اليسارية لقمة سائغة في فم الفخ الإيراني.

بقلم: محمد بن صقر السلمي

عُقِدَت في إيران مؤخَّرًا انتخابات مجلس الشورى الإيراني، في ظلِّ مقاطعةٍ هي الأعلى تاريخيًّا من مختلِف شرائح المجتمع الإيراني. في هذا المقال لن أتحدَّث عن نتائج الانتخابات، التي لم تكن مفاجئة كثيرًا ولم أتابعها عن كثب لاعتبارات كثيرة سوف أتحدَّث عنها في طيّات هذا المقال، لكنني في الوقت ذاته متفائل بتشكيل مجلس يسيطر عليه ما يسمى بالتيار الأصولي المتشدِّد، وذلك لعدّة أسباب ومبرّرات جوهرية.

بدايةً، مِن المعلوم أنني سوف أواجه حملة من الانتقادات من قِبل كثيرين، وخصوصًا اليساريين في الغرب، الذين ظلُّوا لسنوات يراهنون على ضرورة دعم ما يسمى بالتيار المعتدل في إيران، لإضعاف التيار الأصولي المتشدِّد، وأنّ ازدياد قوة ما يسمى بالمتشددين يعني ألا مجال للوصول إلى اتفاق مع إيران، وأنّ الحوار مع طهران مرهون بوجود حكومة من التيار المعتدل.

إنّ ضعف فَهْم الحالة الإيرانية وطبيعة النظام السياسي في إيران جعل التيارات اليسارية لقمة سائغة في فم الفخ الإيراني الذي لعب على هذه الثنائية لعقود بشكل ناجح، في ظلّ دعم قويّ من اللوبي الإيراني في العواصم الغربية، إذ ابتلعوا هذا الطعم سريعًا ووقعوا في الفخ وأخذوا يتبنّونه ويدافعون عنه بضراوة شديدة، ونتائج ذلك واضحة في ظلّ التمدد الإيراني وارتفاع وتيرة سلوكها العدائي، وازدياد تمويلها للميليشيات والإرهاب، ونقض كل المعاهدات والمواثيق الدولية وأُسُس حُسن الجوار، وكل ذلك حصل في ظلّ وجود حكومة ما يُعرف بالتيار المعتدل.

إذا كان الخبراء والمحللون من منطقة الشرق الأوسط قد حذَّروا لسنوات طويلة من الوقوع في الفخ الإيراني، وحذَّروا من نشاط إيران الإقليمي والسماح لطهران بالتمدد إقليميًّا، فإنّ بعض المحللين الغربيين وصلوا الآن إلى ذات القناعة، وإن كان وصولهم المتأخر يُحسَب لهم في كل الأحوال. نحن في المنطقة نعتقد أننا نفهم منطقتنا أكثر من غيرنا، ونفهم إيران كدولة جارة، لنا تفاعلاتنا المباشرة معها لقرون، وندرك الفروق بين الأنظمة السياسية التي تحكم إيران أكثر من غيرنا، ونعتقد أن الفرق بين ما يسمى بالتيار المعتدل (الإصلاحي) والتيار الأصولي المتطرف في إيران الخمينية يكمُن في الوجه الخارجي للحكومة، لا في النظام وثوابته وأهدافه وإستراتيجياته، لأن الحكومة إذا كانت تنتمي إلى ما يسمى بالتيار الإصلاحي المعتدل ومجلس الشورى مهما كانت الغالبية فيه، فجميعها لا يستطيع تعديل طبيعة النظام أو خططه الإستراتيجية دون أن يكون ذلك رغبة من رأس الهرم، المرشد الأعلى للنظام، وهذا ما لم نرَه حتى هذه اللحظة.

نحن لا نقول ذلك بسبب عداء مع إيران، أو بهدف تشويه سمعتها، فهي في نهاية المطاف دولة جارة، ويربطنا بها كثير من المشاركات، ونتطلع للوصول إلى حالة سلام معها.

لهذا فأنا متفائل بأنّ سيطرة التيار المتشدد على مجلس الشورى، وأيضًا المأمول أن يختار خامنئي شخصية من ذات التيار في عام ٢٠٢١ لرئاسة الجمهورية، ستقود نحو التخلص من ذلك الفخ الذي لعب عليه النظام لعقود من الزمن. ويدرك التيار اليساري في الغرب حقيقة تلك الكذبة الكبرى التي ظلّ يدافع عنها لسنوات، ومن هنا يمكن الوصول إلى موقف موحَّد لدفع إيران لتغيير سلوكها والتخلي عن أطماعها التوسعية ودعمها للإرهاب والطائفية، لتكون دولة طبيعية تنسجم وتتكامل مع محيطها الجغرافي والعالم، وهذا لا يمكن مطلقًا تحقيقه بالتفاوض مع ما يسمى بالتيار الإصلاحي/المعتدل، ولا ينبغي طلب ذلك منهم، لأنهم ببساطة غير قادرين على تقديم أمرٍ كهذا، لا تأثير لهم فيه ابتداءً. فالمعادلة التي تختصر كل ذلك هي: كلما كان الطريق أقصر إلى صانع القرار في إيران -المرشد الأعلى- كان ذلك أكثر نجاعة وفائدة واختصارًا للوقت.

نُشر في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية