طهران تستثمر غضب موسكو بإلقاء طوق النجاة لبشار الأسد

زيارة ظريف تأتي على وقع خلافات بين موسكو ودمشق بعد أن نشرت وسائل الإعلام الروسية ملفات فساد لمقربين من بشار الأسد ومسؤولين في الحكومة السورية.

دمشق - التقى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف اليوم الاثنين بالرئيس السوري بشار الأسد في دمشق حيث جرى بحث التطورات على الساحة السورية والإقليمية مع إنتشار وباء كوفيد -19، وهو أول لقاء بينهما منذ عام والذي يرى مراقبون أنه يأتي على خلفية التوتر التي بدأ يظهر في الفترة الأخيرة بين النظام السوري وحليفته موسكو.

وكان في استقبال ظريف نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، ثم انتقل للقاء الرئيس بشار الأسد بحضور وزير الخارجية السوري وليد المعلم.

ونشرت وزارة الخارجية الإيرانية صور لحظة وصول ظريف إلى مطار دمشق الدولي مع الوفد المرافق له، مرتدين الكمامة الطبية والقفازات الواقية، وصورة أخرى تجمعه مع المقداد يلبس الكمامة الطبية في ضوء الإجراءات الاحترازية الصحية تحسبا من انتقال عدوى فيروس كورونا.

وذكرت صفحة الخارجية السورية على فيسبوك أن اللقاء ركز على أهمية التنسيق المستمر وتبادل المعلومات والتجارب بين الجهات المعنية في البلدين لتعزيز القدرة على مواجهة مخاطر وتداعيات انتشار وباء كورونا، وتأمين ما يلزم من احتياجات ومستلزمات الوقاية والتشخيص والعلاج.

وأشارت إلى تأكيد الجانبين على "خطورة استمرار الإرهاب الاقتصادي المفروض على شعبي البلدين، والمتمثل بالإجراءات الاقتصادية القسرية التي تفرضها الولايات المتحدة وحلفاؤها على البلدين".

وبحث الأسد وظريف أيضاً التطورات السياسية في سوريا ومفاوضات أستانا التي ترعاها إيران إلى جانب روسيا وتركيا، فضلاً عن التواجد التركي في شمال سوريا.

وقالت مصادر دبلوماسية إن طهران تسعى عبر زيارة ظريف لإيصال رسالة لنظام بشار الأسد مفادها إنها لن تتخلى عنه خصوصا بعد ظهور فتور واضح في العلاقة بين البلدين خلال الفترة التي تلت عملية قتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بضربة أميركية في بغداد التي سافر إليها من سوريا.

ودعمت كل من إيران وروسيا بشار الأسد ومنعت انهيار نظامه منذ بداية النزاع بينه وبين معارضيه في سوريا عام 2011، لكن الصراع بين موسكو وطهران على النفوذ واقتسام كعكة إعادة الاعمار في البلد الذي دمرته الحرب لمدة 9 سنوات، بدت واضحة في الأشهر الأخيرة.

وفي الأسابيع الأخيرة، ظهرت خلافات مثيرة بين مقربين من بشار الأسد لكن المثير فيها أكثر أن وسائل إعلام روسية هي من كشفتها، في خطوة بدت بمثابة رسائل تحذيرية مبطنة للأسد من الكرملين.

وكشفت وكالة الأنباء الفيدرالية الروسية التابعة للملياردير يفغيني بريغوجين المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عن ملف فساد مثير ركزت فيه على شراء بشار الأسد لزوجته لوحة فنية بحوالى ثلاثين مليون دولار، في الوقت الذي يعاني فيه السوريون وضعاً اقتصادياً متدهوراً.

v;
خطط روسيا في سوريا تتجاوز ما بعد الحرب

وقالت المصادر الإعلامية التي تحدثت عن قضية اللوحة، إن عائلة مخلوف المصاهرة للأسد والتي تعتبر واجهة النظام الاقتصادية هي التي سربت قضية اللوحة إلى وسائل الإعلام الروسي، رداً على الاجراءات التي اتخذتها عائلة الأسد خلال الأشهر الأخيرة الماضية ضدها، من بينها حجر بعض من أموالها ومؤسسات تجارية وخيرية مملوكة لها.

وأضافت أن هذه الخلافات الكبيرة بين العائلتين، انتهت بمغادرة محمد مخلوف خال بشار الأسد إلى روسيا، وإقالة ابنه من منصبه كمدير للمناطق الحرة في سوريا.

وفي تقرير آخر وصفت وكالة الأنباء الروسية وهي غير حكومية لكنها معروفة بقربها من الكرملين، بشار الأسد بـ"الضعيف" وتحدثت عن عدم قدرته على محاربة الفساد المستشري في إدارته واتهمت مسؤولي النظام باستغلال المساعدات الروسية لأغراضهم الشخصية.

واتهم التقرير رئيس الوزراء في الحكومة السورية عماد خميس بـ"تجميع أموال من تصدير كميات من الكهرباء إلى لبنان منذ 2019 بعد زيادة الإنتاج في حقول حمص من الغاز، بعد المساعدة الروسية".

وأوضح أنه "نتيجة أنشطة حكومة عماد خميس، لا يمكن للشركات الروسية أن تعمل في سوريا بسبب المشاكل الهائلة في اقتصاد البلاد والفساد التام في القطاع العام. وبدورها، تزداد الحكومة ثراء وتنقل الأموال إلى الغرب، على الرغم من أن الولايات المتحدة والدول الأخرى تواصل عدوانها على سوريا اقتصادياً من خلال نظام العقوبات".

ولم تكتف الوكالة الروسية بذلك بل نشرت استطلاعا للرأي أجرته مؤخرا قالت أنه أظهر “تدهور شعبية الأسد إلى مستويات غير مسبوقة”، فضلا عن “فقدان الثقة” لدى السوريين حتى يكون قادراً على إصلاح الموقف وتحسين الأحوال في البلاد مستقبلا.

ولا تبدو الرسائل الروسية إلى نظام الأسد اعتباطية أو مجرد صدفة حيث تأتي في وقت ذاقت موسكو ذرعا من تعنته في العديد من الملفات العسكرية والسياسية منها طريقته في التعامل مع المفاوضات خلال اجتماع لجنة الدستور السوري بالإضافة إلى كيفية التعامل مع ملف إدلب.

ووجدت روسيا نفسها في مواجهة مع تركيا والولايات المتحدة أيضا في محافظة إدلب بسبب عرقلة نظام بشار الأسد لتلك التسوية عبر اتباع التعليمات الإيرانية.

وقالت مصادر دبلوماسية إن طهران دخلت على خط التوتر بإرسال ظريف إلى دمشق حتى لا تفوت فرصة تقوية نفوذها والاستثمار في الأزمة.

وكان ظريف قد قدم استقالته العام الماضي احتجاجاً على عدم علمه بزيارة قام بها الأسد إلى طهران، لكن تم رفضها لاحقا وتمت ترضيته بدعوة من الجانب السوري لباها بزيارة إلى دمشق التقى خلالها بالرئيس السوري في 16 نيسان من العالم الماضي.

وتراجع نقوذ إيران التي أرسلت ميليشياتها بقيادة قاسم سليماني منذ بداية الحرب في سوريا لدعم نظام الأسد، في الفترة الأخيرة بشكل كبير بسبب عشرات الغارات على قوات تابعة لها في ريف دمشق ومطار التيفور بريف حمص الشرقي ومدينتي البوكمال والميادين في ريف دير الزور الشرقي قرب الحدود السورية العراقية، من جانب طائرات التحالف الدولي والصواريخ الإسرائيلية.

وتنتشر قوات من الحرس الثوري الإيراني وفصائل عراقية موالية لإيران إضافة لحزب الله اللبناني في تلك المناطق لكن بعد مقتل سليماني تكبدت خسارات متتالية أثارت مخاوف طهران.