ظروف قاسية تضطر اللاجئين السودانيين لمغادرة مصر

العديد من السودانيين يؤكدون أنهم طردوا من الشقق المستأجرة بحجة إساءة استخدام المفروشات أو تضاعف عدد القاطنين فيها.

القاهرة - بات العديد من السودانيين اللاجئين إلى مصر مضطرين إلى العودة إلى بلادهم مع علمهم أنهم سيعيشون في الخرطوم تحت تهديد القصف، فيما لا مأوى لهم في القاهرة.

وصلت رحاب إلى مصر مع أولادها قبل سبعة أشهر وكانت حاملا، بينما بقي زوجها في السودان حيث تدور منذ 10 أشهر حرب بين قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو 'حميدتي'. وتقول "ابنتي ولدت هنا ولا أستطيع إطعامها".

وأوقعت الحرب آلاف القتلى بينهم 10 آلاف إلى 15 ألفا في مدينة واحدة في دارفور، وفق خبراء الأمم المتحدة، كما تسببت في نزوح أكثر من ثمانية ملايين سوداني، من بينهم 1.6 مليون يعيشون حاليا خارج السودان.

ويقول ابرام كير البالغ 28 عاما إن غالبية السودانيين الذين لجأوا إلى مصر "كانوا يظنون أن الحياة في مصر ستكون أفضل".

ويتابع كير الذي لجأ قبل خمس سنوات إلى مصر ويساعد راهنا اللاجئين الجدد "لقد اكتشفوا الحقيقة المرة، فليس لديهم مال ولا مسكن ولا ملابس شتوية لمواجهة البرد ولذلك يفضلون العودة".

وتشير الأرقام الرسمية إلى عبور 450 ألف سوداني إلى مصر منذ اندلاع الحرب. وتمكن آخرون من الدخول بشكل غير رسمي عبر الصحراء.

وأراد هؤلاء الفرار من القصف، لكن بعد عدة أشهر بلا عمل ولا مسكن ولا مساعدة في بلد يعاني من تضخم يزيد عن 35 في المئة تبخر ما كان يحملونه من مال.

ويضطر الكثيرون للإقامة في شقق ضيقة تضم عائلتين أو ثلاث عائلات يعتمدون على دخل واحد فقط دون الحد الأدنى للأجور بكثير وعلى سبيل المثال، يحاول دان مهيك أكوم الصمود من خلال العمل في تنظيف المنازل لكن صديقا له "لم يعد يستطيع توفير الطعام لعائلته وقرر العودة إلى السودان".

وتروي رندة حسين البالغة 33 عاما أن ابنة خالتها عادت في أكتوبر/تشرين الأول إلى ضاحية الخرطوم، أحد أكثر الأماكن خطورة في السودان.

وتحكي هذه المدرسة التي لم تعد لديها أي أخبار عن ابنة خالتها "لنا الموت هناك أفضل من البقاء هنا"، بعد ذلك قررت استضافة سودانية أخرى هي شابة في العشرين أم لطفلين كانت تقيم لفترة من الوقت عند جدتها.

"في الشهور الأخيرة، كل شيء تغير حتى طريقة تعامل المصريين مع السودانيين أصبحت أكثر حدة"

وتوضح أنها قررت استضافتها بعدما هدد أصحاب المنزل الذي تستأجره جدتها العجوز بالطرد إذا لم تغادر حفيدتها وطفلاها.

وتقول حسين "هذه الأم مصرة الآن على العودة إلى السودان. تقول إنها لن تستطيع البقاء فلا تستطيع العمل بينما طفلها الأصغر عمره سنة واحدة. لكنها لا تعرف كيف تعود وإلى أين ستذهب".

ومن غير المؤكد أن يجد العائدون سقفا يؤويهم في بلدهم. فبيوتهم إما دمرت أو احتلها مسلحون فيما مخيمات النازحين تعاني من نقص حاد على كل الأصعدة.

وتقول الباحثة رجا مكاوي "الناس مرغمون على الاختيار بين العيش بلا مأوى أو في خطر ويفضلون العودة إلى السودان والتفاوض مع الأطراف المسلحة لضمان أمنهم على العيش في أوضاع بائسة تماما" وتعيش حواء تلفون في مصر مع زوجها منذ عشرين عاما لكنها طردت أخيرا من شقة كانت تستأجرها منذ خمس سنوات وتقول إن مالك الشقة منحها "مهلة أسبوعين" للمغادرة لأنها تؤوي الكثير من اللاجئين. وتؤكد أن شقيقها وأسرته كانوا قد وصلوا للتو من السودان وتساءلت باستياء "هل كان ينبغي علي أن أطردهم؟".

وتتزايد في القاهرة الشكاوى من طرد سودانيين من الشقق المستأجرة بحجة "اساءة استخدام المفروشات" أو "تضاعف عدد القاطنين في الشقة".

جاء ياسر علي البالغ أربعين عاما إلى القاهرة في العام 2002 للدراسة ويقول "في الشهور الأخيرة، كل شيء تغير حتى طريقة تعامل الناس أصبحت أكثر حدة"، فيما تتزايد على مواقع التواصل الاجتماعي الشكاوى من "عبء" المهاجرين.

وأعلنت القاهرة أخيرا أنها ستقوم بدراسة حول "كلفة" المهاجرين الذين أتوا من السودان وسوريا واليمن ودول إفريقية عدة.

ولا يحصل هؤلاء على أي مساعدات ولا يسمح للأمم المتحدة أو المنظمات غير الحكومية بإقامة مخيمات لايوائهم، بل يتحملون كلفة إقامتهم وتعليم أبنائهم بالكامل. في المقابل، تؤكد السلطات المصرية أنه بوسع المهاجرين التنقل والعمل بحرية غير أنه مع توافد اللاجئين السودانيين بدأ أصحاب الشقق في رفع سعر الإيجار، وفق ناشطين وخبراء.

ويقول كير "إما أن تدفع ما يطلبونه أو يجدون شخصا آخر لاستئجار المكان"، أما ياسر علي الذي يدير رابطة للتكافل بين السودانيين فيقول "نحن الآن لا نستطيع العودة إلى السودان ولا نستطيع الخروج إلى مكان آخر وحتى لا نستطيع توفير سبل الإقامة في مصر".