ظهور قاآني بعد الحديث عن اغتياله محاولة لرفع المعنويات
طهران – في محاولة واضحة لرفع المعنويات الداخلية بعد سلسلة اغتيالات طالت قيادات عسكرية وعلماء نوويين، ظهر قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني، العميد إسماعيل قاآني، علناً وسط العاصمة طهران، الثلاثاء، بعد 12 يوماً من تداول أنباء عن مقتله في غارات إسرائيلية داخل الأراضي الإيرانية. هذا الظهور العلني جاء وسط احتفالات رسمية أُطلق عليها "احتفالات النصر"، عقب إعلان وقف إطلاق النار بين طهران وتل أبيب، بعد نحو أسبوعين من التصعيد العسكري الأعنف منذ سنوات بين الطرفين.
وبثّت وكالة "إرنا" الرسمية صوراً لقاآني وهو يتجول في ساحة الاحتفال برفقة حراسه، ويتبادل الحديث مع المواطنين، في مشهد بدا معدّاً بعناية لإيصال رسائل داخلية وخارجية بأن قادة الحرس الثوري ما زالوا فاعلين على الأرض. وعلقت الوكالة على الصور بعبارة "الظهور الأول لقاآني بعد 12 يومًا من العدوان الإسرائيلي"، في إشارة واضحة إلى أنها ترد على الروايات الغربية حول اغتياله.
وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد ذكرت، في 13 يونيو/حزيران الجاري، نقلاً عن مصادر إيرانية لم تُسمّها، أن قاآني قتل خلال الهجمات التي نفذتها إسرائيل داخل إيران، والتي استمرت 12 يوماً وأسفرت، بحسب وزارة الصحة الإيرانية، عن مقتل 606 أشخاص وإصابة أكثر من 5300 آخرين، بينهم قيادات عسكرية بارزة وعدد من العلماء النوويين.
ويرى مراقبون أن ظهور قاآني بعد هذه المدة الطويلة ليس مجرد رد على إشاعة، بل يدخل ضمن جهود القيادة الإيرانية لرفع معنويات الداخل الإيراني بعد الضربات المؤلمة التي تلقاها الحرس الثوري خلال الهجمات الأخيرة، والتي طالت قيادات عليا من بينها قائد الحرس الثوري حسين سلامي، ورئيس هيئة الأركان العامة محمد باقري، فضلاً عن اغتيال علماء نوويين بارزين في منشآت تمت مهاجمتها بصواريخ دقيقة وطائرات مسيرة.
هذا المشهد، وإن بدا احتفالياً، لا يخفي الخلل الأمني العميق الذي تعانيه إيران، وسط تزايد مؤشرات الاختراق الاستخباراتي الواسع. فنجاة قاآني، رغم أهميتها الرمزية، لا تُلغي حقيقة أن النظام الإيراني فشل في تأمين أبرز قياداته، سواء العسكرية أو العلمية، من عمليات تصفية باتت منهجية ودقيقة في توقيتها وأهدافها. وقد أثارت هذه الاغتيالات المتتالية تساؤلات كبرى داخل إيران حول جاهزية المنظومة الأمنية وقدرتها على مواجهة التهديدات غير التقليدية.
النظام الإيراني فشل في تأمين أبرز قياداته، سواء العسكرية أو العلمية
ويُجمع محللون على أن تكرار هذه الخروقات، بدءاً من اغتيال قاسم سليماني عام 2020، ثم تفجير منشأة نطنز النووية، وصولاً إلى موجة الاغتيالات الأخيرة، يشي بوجود اختراقات هيكلية داخل أجهزة الأمن الإيرانية، سواء عبر التجسس الإلكتروني أو عبر عملاء داخليين. كما تؤكد المعطيات أن إسرائيل، وربما حلفاءها الغربيين، باتت تملك القدرة على تنفيذ عمليات معقّدة في عمق الأراضي الإيرانية دون أن تتمكن طهران من الردع أو الاستباق.
ووفق تقارير غربية، فإن إسرائيل تعتبر قاآني مسؤولاً مباشراً عن دعم هجمات نُفّذت ضد مصالحها عبر أذرع طهران الإقليمية في العراق وسوريا ولبنان. وقد تعرّض أكثر من مرة لمحاولات استهداف، إلا أن ظهوره الأخير يُظهر أنه لا يزال يشكل هدفاً حيوياً في قائمة الأهداف الإسرائيلية.
في هذا السياق، جاء الرد الإيراني عبر قصف بالصواريخ والطائرات المسيّرة طاول مقرات عسكرية إسرائيلية، وأوقع 28 قتيلاً وأكثر من 3 آلاف جريح، بحسب مصادر إعلامية إسرائيلية. كما ردّت الولايات المتحدة بقصف منشآت نووية، مدعية نهاية البرنامج النووي الإيراني، مما دفع طهران لاستهداف قاعدة "العديد" الأميركية في قطر، في تصعيد أوصل الطرفين إلى شفا مواجهة شاملة، قبل إعلان وقف إطلاق النار في 24 يونيو/حزيران الجاري.
لكن رغم هذا الرد، تبقى معادلة الردع مختلّة لصالح إسرائيل والغرب، وهو ما تعكسه سهولة اختراق الأجهزة الإيرانية ونجاح العمليات الدقيقة في تصفية قادة وعلماء. ومن هذا المنطلق، فإن ظهور قاآني، ولو بدا احتفالياً، لا يخفي هشاشة المنظومة الأمنية في إيران، وعجزها حتى الآن عن حماية مفاصلها الأساسية.