عادات الروائيين المتحققين وطقوسهم

الاسكتلندي وليام بويد يرى أن معظم الكتاب مثل القبرات يستيقظون مبكرين ويخمدون عند الظهر بينما هو ينتمي لفئة البوم فلا ينام إلا بعد طلوع الصباح.
يشربون الشاي ويمارسون الكتابة منذ السادسة صباحا
على الكاتب أن يوفر لنفسه الظرف المناسب لا أن ينتظر تحققه

القاهرة ـ من أحمد رجب

"إن الكاتب الذي لا يكتب منتظرا تحقق الظروف المثالية للكتابة، سوف يموت دون أن يكتب كلمة واحدة"، هكذا تحدث الكاتب الأميركي الفائز بالبوليتزر، معليا من قيمة الجهد المطلوب من الكاتب بذله على قيمة الطقوس المطلوب توافرها لتيسير عملية الكتابة. فعلى الكاتب أن يوفر لنفسه الظرف المناسب لا أن ينتظر تحققه، فبيده وحده جعل يومه مثاليا للكتابة، وعن ذلك اليوم استكتبت الجارديان البريطانية عددا من الكتاب، أدلوا بشهادات إبداعية عن عاداتهم مع الإبداع، ضمن سلسلة شهيرة عنوانها "روتين الكتابة"، اختار المترجم علي زين تسعا وخمسين منها، ضمها معا في كتابه "اليوم المثالي للكتابة"، الصادر حديثا عن منشورات تكوين الكويتية. 
وترجع أهمية ترجمة هذه المقالات لأمرين أولهما اطلاعنا مباشرة على عادات وطقوس عدد كبير من الروائيين المتحققين، وإتاحة خبراتهم عن كيفية التقاط الأفكار ومواجهة المآزق التي قد تحدث خلال الكتابة، أما الثاني فيتمثل في الجديد الذي تقدمه، فأغلب الذين استكتبتهم الجاردين روائيين مميزين فازوا بجوائز أدبية كبيرة لكنهم غير معروفين للقارىء العربي، فمن بين الأسماء التي يضمها الكتاب قد لا يعرف القارىء بالعربية إلا الليبي الذي يكتب بالإنجليزية هشام مطر، والبريطانية الفائزة بالبوكر مرتين هيلاري مانتل، والاسكتلندي وليام بويد الذي ترجمت له روايات الهلال روايته "الرجل المناسب قبل عقدين من الزمان".
قبرات وبوم
الروائي والسيناريست الاسكتلندي وليام بويد ( 1952) يرى أن معظم الكتاب مثل القبرات يستيقظون مبكرين ويخمدون عند الظهر بينما هو ينتمي لفئة البوم فلا ينام إلا بعد طلوع الصباح، و"عقله الكاتب" لا يعمل بفعالية إلا في النصف الثاني من اليوم. لذلك فهو يخصص ساعات الصباح لممارسة شئون الحياة العادية، وبعد الغداء يبدأ يومه فعليا، ويذكر بويد أنه عندما بدأ في كتابة روايته الأولى عندما كان شابا، كان يستطيع الكتابة لسبع أو ثمان ساعات متصلة، أما الآن وبعد خمس عشرة رواية فطاقته تنفد بعد ثلاث ساعات فقط. لكنه يكتب يوميا إن استطاع. 
وهو عادة ما يقضي عامين في تخيل الرواية، وبعد أن تكتمل في مخيلته ينجزها خلال عام. وهو يكتب المسودة الأولى دائما بخط اليد، لأن لوحة المفاتيح تمحو العلاقة بين الذهن والورقة، كما أن الرقن على الحاسوب يتيح له مسودة ثانية اليكترونية منقحة. يستطيع التعديل فيها بيسر إلى أن يطمئن إليها.

الكتب لا تكتب إلا بإرادتها، ووتيرتها الخاصة، ولن تمكنك من كتابتها أبدا إلا متى أصبحت جاهزة، فأن تتعلم كيفية الانتباه إلى تلك اللحظة عند وصولها، هو بمثابة المفتاح لكي تبدأ إدارة وقتك. 

أما الجامايكي كاي ميلر (1978) صاحب الروايات العشر والجوائز الخمس، منها بوكاس للأدب الكاريبي 2017 عن روايته العاشرة "عبور نهر بابل"، و"البريكس" 2018، عن الترجمة الفرنسية لها.  فيقول "فترات الكتابة المثلى لا تأتي بطريقة منتظمة، فقد يحدث أن تمتد لأيام عديدة، من العاشرة ليلا وحتى الخامسة صباحا، فأنام نوما قلقا أستيقظ منه بعد ساعات لأواصل الكتابة. لا أحبذ مكانا بعينه للكتابة، فقد أكتب على الحاسوب في حجرة مكتبي أو عبر اللاب توب وأنا مستلق على السرير، وقد أكتب في المقاهي أو في صالات المطار  الصاخبة. وإذا كتبت أكتب بشراسة ذلك لأن الأيام التي تصلح للكتابة أقل من الأيام الأخرى، لكن حتى تلك الأيام أنشغل فيها بالكتابة سواء في مطاردة فكرة غريبة أو في جمل لم تكتب بعد. وأتسلى ببعض الملهيات مثل لعبة الكاندي كراش، أنا كاتب منتج بدليل إنتاجي لعشرة كتب لكن لا أرى نفسي كاتبا منضبطا، فأنا ذلك الكاتب الذي يعيش مع ثقل دائم خلفه، شيء عظيم يدفعه للكتابة إنه القلق".
لغتك عالمك
ومثله البريطانية من أصل صيني شياو جوه (1973) التي ترجمت رواياتها إلى ثلاثين لغة ليس من بينها العربية، وتكتب بالصينية وبالانجليزية، تقول "يبدأ يوم الكتابة عندي بحلول الليل، أو بعد منتصفه، أو في الصباح الباكر بعد انتهاء الأحلام مباشرة، منذ غادرت الصين وأيام الكتابة تبدو لي كمعركة بين اللغة التى أفكر بها واللغة التي أكتب بها، لا أستطيع التعبير عن أفكاري بلغة واحدة فقط لهذا أترجم، وأحاول جاهدة أن أكتب نصا باللغتين الصينية والانجليزية، نص حيوي صالح لكلا الثقافتين، ترافقني دائما مقولة المفكر البريطاني ذو الأصول النمساوية فيتجنشتاين بأن "حدود لغتك هي حدود عالمك" ولا تزال تلك المقولة محفورة في عقلي، فالكلمات تخذلني دائما سواء بالانجليزية أو بالصينية، لكنني مازلت أكتب كما هائلا من الكلمات المختلطة في عالم أجنبي بلغة آمل أن تصبح لغتي ذات يوم".
السادسة صباحا
أغلب الروائيين ممن وصفهم بويد بالقبرات يصحون مبكرين، فالبريطاني جوناثان كو (1961)، يصف الأيام التي يكتب فيها بأنها تفتقر إلى السمات الأساسية لباقي الأيام، فهي أيام بلا شكل محدد ولا تضبطها بنية ما، فلا يوجد يوم من الأيام التي أمارس فيها الكتابة يشبه الآخر، فقد يبدأ في الخامسة صباحا ويمكن أن أستمر في الكتابة لاثنتي عشرة ساعة، وقد تكون مدته ثوان قليلة تراودني فيها فكرة خاطفة لكتابة رواية، قد أكتب في حجرة مكتبي الفسيحة، لكن أحب الأماكن العامة الصاخبة، لكن إن ركزت جيدا في عملك فإن الأصوات من حولك ستتلاشي تماما. 
وعلى كل حال فالكتب لا تكتب إلا بإرادتها، ووتيرتها الخاصة، ولن تمكنك من كتابتها أبدا إلا متى أصبحت جاهزة، فأن تتعلم كيفية الانتباه إلى تلك اللحظة عند وصولها، هو بمثابة المفتاح لكي تبدأ إدارة وقتك. وبعد تأليفي لأحد عشرة كتابا استغرقت ثلاثين عاما فما تزال عملية الكتابة غامضة بالنسبة لي". 

الكتابة
لا مشكلة لدي أن كتبت بيدي أو على الحاسوب مباشرة

كذلك مواطنه هاورد جاكوبسون (1942)، يقول "أستيقظ مثل راهب في السادسة صباحا، أصنع الشاي ثم أتوجه فورا إلى طاولة الكتابة فورا، ولا أغادرها إلا بعد أن تتورم عيناي.  يوم الكتابة يشير ضمنيا إلى أن هناك أياما لا تصلح للكتابة ولا وجود لتلك الأيام، لست مقيدا بحد أدنى من الكلمات، ولا مجبرا على خطة ما، ولا أعمل على مسودات. لا توجد طريقة صائبة إلى الأبد، علمتني تجاربي أن كل أثر أفرغ من إنجازه سيغير طقوسي، لقد أمضيت أوقاتا ممتعة من السادسة صباحا وحتى السادسة مساء في تركيز مكثف ممتع، إلى درجة أنه يشغلني عن شم رائحة الدخان لو اشتعل حريق في منزلي".
أيضا هيلاري مانتل (1952) تحب أن تكون الكتابة أول ما تفعله في كل صباح، قبل أن تنطق بكلمة، أو تأخذ رشفة من فنجان قهوة. بسرعة تدون أفكارا وملاحظات  قد تكون مستقاة من أحلامها، والتحدي الأكبر أمامها هو أن تأتي رواياتها مطابقة للتاريخ. لذا فهي تعد دليلا بالشخصيات مرتبة هجائيا. كل شخصية تخصص لها صفحة توضح في أي الأماكن بالضبط كانت تتواجد في تواريخ بعينها. تقول "هناك حاجة حقيقية إلى معرفة مكان تواجد دوق سفولك في لحظة معينة. فلا يمكنك أن تقول إنه كان في لندن بينما تاريخيا هو كان في مكان آخر".
تعمل مانتل طوال النصف الأول من العام. بينما النصف الثاني لحياتها العادية، وتضيف "لا مشكلة لدي أن كتبت بيدي أو على الحاسوب مباشرة"، و"الشاي هو مصدر طاقتي أثناء الكتابة"، وتعرف الإلهام بأنه "اليقظة الدائمة والبقاء في حالة ترقب للمادة التي تكتبها ليلا أو نهارا".
وأخيرا يذكر الليبي الذي يكتب بالانجليزية والفائز بثلاث جوائز عالمية هشام مطر - وهو من  مواليد نيويورك 1970، ومقيم في لندن - أن الأسطورة هي  أن تستمر في فعل الشيء العادي يوميا، لتحدث الأشياء غير العادية بعد ذلك، أكتب عددا من أفضل أعمالي وأنا في الحافلة، أو أثناء المشي فيتوقف ويدون سطرا مرق في رأسه بسرعة كالفراشة، ثم يعود إلى مكتبه، وهو عادة ما يصحو منذ السادسة صباحا ويظل يكتب لنحو عشر ساعات .(خدمة وكالة الصحافة العربية)