عاشوراء. استقطاب الأحزاب الدينية للجمهور

أحزاب الإسلام السياسي تقوم بتجييش مشاعر محبي الحسين وتعبئة الناس لزجهم في آتون الكراهية والاستفزاز الطائفي والديني وتعطيل مؤسسات الدولة وحرف نضالات الجماهير المطلبية من أجل تحسين ظروف العيش.

بقلم: عامر صالح

على الرغم من اختلاف القراءة لواقعة كربلاء، سواء من منطلقات دينية او سياسية او انسانية، والتي تراوحت هذه القراءة بين تهويل وتضخيم الحدث وحرفه عن مسار الأحداث الطبيعية الممكنة الحدوث وادخال الحدث في عالم الغيبيات المعرقلة للعقل، وبين دراسة واقعية تجري الاستفادة من الحدث وعناصره الإيجابية في تشخيص الحاضر وتداعياته ورسم ملامح المستقبل من خلال القوة الايجابية الكامنة في الحدث، ظل من المسلم به استحضار سلوكيات المحبة والاحترام وشعائر الاستذكار للأحداث، ليست فقط لدى الشيعة، بل لدى كل الطوائف الإسلامية، والديانات السماوية الأخرى وحتى غير السماوية، و ليست في العراق فقط بل في بقاع مختلفة من العالم العربي والاسلامي.

تقوم أحزاب الإسلام السياسي والمتأسلمين بتجييش مشاعر محبي الحسين وتعبئة الناس لزجهم في آتون الكراهية والاستفزاز الطائفي والديني وتعطيل مؤسسات الدولة وحرف نضالات الجماهير المطلبية من اجل تحسين ظروف العيش.

وفي الوقت الذي يكرسون فيه صناعة البطالة والكسل والفقر وانتشاره باعتباره قدر إلهي لا بد منه، ينغمسون من رأسهم حتى أخمص قدميهم في مباهج الحياة الدنيا، يرفلون في نعيمها وخيراتها ويجرون ملهوفين وراء متاعها وملذاتها ويستحوذون على ارفع المناصب والوظائف، مع تكريس العداء للآخر المسالم الذي قد يختلف معنا في التفكير.

يختلط فيه الديني بالسياسي بعنف، وخصوصاً في ظروف العراق الحالية التي تأسس فيها نظام الحكم بعد سقوط الدكتاتورية 2003، على أسس من المحاصصة الطائفية والعرقية، حيث ساعد على استنفار الورقة الطائفية واستخدامها من قبل الإسلام السياسي الطائفي، ويجري التعمد في خلط المشاعر بين حب الحسين ابن علي وممارسة طقوس الاعتزاز به كما في عاشوراء، و بين ثقافة تعبئة الحشود التي تلجأ إليها هذه القوى في محاولة منها لاستنزاف القوى العقلية والفكرية للجماهير المليونية والمحبة حقا للحسين، وتحويلها إلى كتلة بشرية صماء غير قادرة على تعقل أحداث عاشوراء والطف واستلهام الدروس منها في المحبة والإخاء والعدل والمساواة والكرامة واحترام قيم العمل والتعايش السلمي.

كيف استطاع الإسلام السياسي الطائفي وفي فترة قصيرة جدا لا تتجاوز العقد والنصف من الزمن، وفي ظل غياب مشروعه التنموي والحضاري الشامل، أن يستقطب الشارع الشيعي ويعبئ الناس بطريقة " مشجعي فريق كرة قدم خاسر ":

  • ـتكريس الحزن والكرب والمعاناة في حياة الناس اليومية وممارسة سلوكيات التكفير عبر التعزيز المستمر لطقوس مؤلمة وحزينة تجلد الذات جلدا مبرحا أكثر مما تيسر حياة الناس وتبعث فيهم الفرح والبهجة بمشروع الحسين الكبير، كتطبير الرأس والضرب بالزناجيل على الظهر واللطم على الوجه والصدر والجبين، وما يصاحبها من مشاعر المزيد من الإحساس بعقدة الذنب والاضطهاد والعدوانية الموجهة إلى الذات والى الآخرين.
  • زرع الخوف من الآخر والتشكيك فيه واعتباره قابلا للغدر في أي لحظة ما، وهي حالات تصل إلى حد بارانويا الاضطهاد، وتكريس سلوك اخذ الحيطة والحذر، ويترتب على ذلك الكثير من الدوافع في امتلاك السلاح وحيازته على نطاق واسع وبعشوائية استجابة لمشاعر الإحساس بالظلم والاضطهاد والعزلة لحماية الذات من العدو بعيدا عن دور الدولة في هذا المضمار، يقابله في الطرف الآخر الصراع المكثف للانتساب إلى أجهزة الشرطة والجيش والمخابرات وامتلاك ناصية القوة في الوزارات ذات العلاقة استجابة لعدو وهمي قد يهجم في لحظة ما ".
  • عمل الإسلام السياسي والقوى المتطرفة بتكريس فكرة أن حدث الحسين واستشهاده هو حدث خاص بالطائفة الشيعية ولوحدها فقط، وما تبقى من طوائف ومذاهب خارج البيت الشيعي فأن صلتها ثانوية بالحدث من حيث الاحتفاء والإجلال به والاستفادة من دروسه الايجابية، إن لم تكن مساهمة في مأساوية الأحداث، وهذا التصور الشائع أضفى على الوسط الشيعي مسحة انفعالية سالبة معززة للتشدد ومساهمة في انعزال المجتمع الشيعي عن الوسط المحيط به من طوائف ومذاهب، رغم وجود مشتركات كبيرة بينها في طقوس العبادة والشعائر الدينية.
  • أن تأصيل الشعور بالذنب لدى الوسط الشيعي اتجاه الحسين بسبب من عدم نصرته في معركته العادلة مع يزيد، يقابله في الطرف الآخر الإعجاب الشديد ببطولته وتحديه لسلطة يزيد بدء من مقولته الشهير: " لا بيعة ليزيد، شارب الخمور، وقاتل النفس المحرمة "، وعلى الرغم من الكثير من النصائح والتحذيرات التي قدمت للحسين بعدم الدخول في هذه المعركة بسبب عدم تكافئ الجيشين وتوقعات باستشهاده، إلا انه ترك ارض الحجاز متوجها إلى العراق قائلا: " لو لم يكن في الدنيا ملجأ و لا مأوى لما بايعت يزيد "، وكان يعي تماما حاجة الأمة الإسلامية لمثل هذا الموقف الشجاع " بغض النظر عن التفاصيل "، وخاصة على اثر بيعة الحسن لمعاوية والتي أثارت الكثير من الالتباسات لدى المؤمنين آنذاك، أن هذا التداخل في المشاعر اتجاه الحسين والتي هي خليط من مشاعر الحسرة والندم لعدم نصرته، إلى جانب الإعجاب بصموده وبطولته أدى إلى حالة من التقديس والتعظيم للحسين.

كاتب عراقي

ملخص مقال: "عاشوراء الحسين بين الإسلام السياسي وسيكولوجيا جلد الذات"