عاقبوا مروجي الفتن.. من الطائفيين والمذهبيين

دعاة المذهبية يجنون من إثارة الحكايات كثيراً من الأموال سواء كان أولئك الوعاظ من السنة أو من الشيعة لذلك تجد أن من سفههُم واعترض على مثل هذه الخزعبلات يكيلون له من الشتم والسباب أكثر مما يكيلونه للمجرمين ويقولون فيه وفي سلامة معتقده ما لم يقله الإمام مالك في الخمر.

بقلم: محمد آل الشيخ

يروى أن فلسطينياً سنياً وعراقياً شيعياً تخاصما في لندن حول الحسين ومعاوية وأيهما الأفضل، وتطور الخصام إلى عراك بالأيدي، الأمر الذي جعل البوليس يتدخل، ويعتقلهما، ثم أحيلا إلى القضاء هناك. القاضي البريطاني عندما مثلا أمامه سأل: ومن هو الحسين ومن هو معاوية، وأين يعيشان؟.. فلما عرف أنها قضية تاريخية، مضى عليها أربعة عشر قرنا، ذُهِلَ وقال: (لن أعاقبكما بعقاب تقليدي، وإنما سأحيلكما إلى مصحة للأمراض العقلية). لا أدري عن مدى صحة هذه الرواية لكنها تجسد لنا سطوة التاريخ وأحداث الماضي على عقلية أغلب المسلمين، التي غالباً ما تنتج عنها برك من دماء، وليس لدي أدنى شك في أن ذلك تخلف وجهل مطبق، كما أن هناك من الوعاظ ومن ينعتونهم مؤخراً بالدعاة يجنون من إثارة الحكايات هذه كثيراً من الأموال، سواء كان أولئك الوعاظ من السنة أو من الشيعة، لذلك تجد أن من سفههُم واعترض على مثل هذه الخزعبلات، يكيلون له من الشتم والسباب أكثر مما يكيلونه للمجرمين، ويقولون فيه وفي سلامة معتقده ما لم يقله الإمام مالك في الخمر. وأنا أعتقد جازماً أن إثارة النعرات المذهبية، هي مثل الفيروس الذي إذا غزا اللحمة الوطنية، فإنه يلقي بها في الفتن والقلاقل وينسف أمنها واستقرارها، ولنا في العراق، والصراع المذهبي الذي اجتاح مكوناته الوطنية، مثلاً حياً؛ ولن تصلح حالهم، وتستقر أوضاعهم، إلا إذا نبذوا التعصب المذهبي عنهم بعيداً.

الماضوية، والخوض فيما جرى في الأزمان، إذا كان سيثير فتناً، فإنه لا يقره عقل، كما لا يقره دين الإسلام، وإن رغمت أنوف المذهبيين من السنة والشيعة. والدليل قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. غير أن إثارة النعرات المذهبية، رغم النهي القرآني، هناك من يستفيد منها وراء الأكمة، ويصب الزيت على نيرانها لتلتهب أكثر، وهؤلاء إضافة إلى تجار الوعظ، فثمة أطراف أجنبية، تجد في إثارة هذه النعرة ثقباً تلج من خلاله إلى إثارة الفتن والقلاقل والخصومات بين أبناء المجتمع الواحد، ثم دون أن يعوا يتحولون إلى عبيد لأولئك الأجانب وخدمة مصالحهم، واستثمار غبائهم لتحقيق أهدافهم الخسيسة، وعلى رأس هؤلاء جمهورية الولي الفقيه، فلم نكن نعرف قبل أن يتربع الخميني على عرش السلطة في إيران، مثل هذه النعرات، رغم أنها كانت موجودة في بعض كتب التراث، وبمجرد أن نجحت ثورة الخميني، أثار المذهبيات، وبدأ التناحر والبغضاء والكراهية بين هؤلاء وأولئك، بعد أن وكل عملاء له، لإظهار هذا المأثور العفن من كتب التراث وإعادة تفعيله على أرض الواقع. ورغم أن ملالي إيران يدّعون أنهم مع وحدة الأمة الإسلامية، ويدّعون أنهم يتجاوزون هذه النعرات المذهبية، إلا أن سياساتهم في العراق وسوريا واليمن والبحرين تكذب ما يدّعون، خاصة وقد وجدوا في تلك الدول من يحقق لهم تكتيكاتهم.

أنا هنا لا أحمّل ملالي الفرس المسؤولية منفردين، وإنما هناك كثير من الوعاظ من أهل السنة والجماعة، إضافة إلى بعض البسطاء والسذج الجهلة، من يساعدونهم من حيث لا يعلمون على تنفيذ مشاريعهم، وتكريس الفرقة بين أبناء الوطن الواحد على أساس المذهب، ومن هنا فإنني أدعوا من خلال هذا المنبر إلى سن أنظمة رادعة وحازمة لردع هؤلاء الجهلة، وتنقية وطننا وأهل وطننا، والأهم مناهجنا الدراسية، من كل ما من شأنه تفتيت اللحمة الوطنية.

نشر في الجزيرة السعودية