عامان على الإفلات من العقاب في انفجار بيروت

خبراء دوليون يدعون لتحقيق دولي في قضية انفجار مرفأ بيروت بعد اصطدام القضاء اللبناني بسعي سياسيين لطمس الحقيقة والتغطية على مرتكبي الجريمة.
حزب الله يتعمد تعطيل سير التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت
انفجار مرفأ بيروت قريبا قضية دولية
بيروت

دعا خبراء مستقلون من الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية بارزة عشية إحياء لبنان الذكرى السنوية الثانية لانفجار مرفأ بيروت، مجلس حقوق الإنسان إلى إطلاق تحقيق دولي "بلا تأخير" حول الكارثة التي أفلت مرتكبوها إلى حد اللحظة من المحاسبة.
ووقع الانفجار مساء الـ4 من أغسطس/ آب 2020 إثر تفجّر مئات الأطنان من نترات الأمونيوم بعد اشتعالها بسبب حريق في المستودع الذي كانت مخزنة فيه.
وتفيد التقارير أن المواد الكيمياوية كانت متجهة في الأصل إلى موزمبيق على متن سفينة مستأجرة من روسيا وبقيت في المرفأ منذ عام 2013 عندما تم تفريغ حمولتها خلال توقف غير مخطط له لتحميل شحنة إضافية.
وأودى الانفجار بحياة ما لا يقل عن 215 شخصا وأصاب الآلاف وألحق أضرارا بأجزاء من العاصمة اللبنانية.
وقال ستة خبراء في بيان مشترك الأربعاء، "شكلت هذه المأساة واحدة من أكبر الانفجارات غير النووية في الذاكرة الحديثة، ومع ذلك لم يفعل العالم شيئاً لمعرفة سبب حصولها".
وأضافوا "في الذكرى الثانية للانفجار، نشعر بخيبة أمل، لأن الناس في لبنان ما زالوا ينتظرون العدالة، وندعو إلى فتح تحقيق دولي بلا تأخير".
ولم يتوصل التحقيق المحلي الذي يقوده القاضي طارق البيطار إلى نتائج بعد. ويؤجج تعليق التحقيق منذ نهاية 2021، جراء دعاوى ضد البيطار رفعها تباعا مُدعى عليهم بينهم نواب حاليون ووزراء سابقون، غضب اللبنانيين.

الأف بي آي يستخلص أن كمية نترات الأمونيوم التي انفجرت تمثل خُمس إجمالي الكمية البالغة 2754 طنا التي تم تفريغها في 2013،

وتسبب التحقيق في تعميق الانقسام السياسي في البلاد في ظل اعتراض قوى رئيسية أبرزها ميليشيا حزب الله على عمل البيطار واتهامه بتسييس الملف.
وفيما يجتمع مجلس حقوق الإنسان الشهر المقبل، دعت 11 منظمة حقوقية دولية ومحلية بينها هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية الأربعاء، إلى طرح قرار "من شأنه أن يوفد، من دون تأخير، بعثة مستقلة ومحايدة لتقصي الحقائق.. بغية تحديد مسؤولية الدولة والأفراد ودعم تحقيق العدالة للضحايا".
وخلص مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (إف.بي.آي) إلى أن كمية نترات الأمونيوم التي انفجرت تمثل خُمس إجمالي الكمية البالغة 2754 طنا التي تم تفريغها في 2013، مما زاد من الشكوك في اختفاء جزء كبير من الشحنة.
وكان الانفجار قويا لدرجة أنه أمكن الشعور به على بعد 250 كيلومترا في قبرص، وأطلق سحابة أشبه بسحب الانفجارات النووية.
وذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير العام الماضي أن كبار مسؤولي الأمن والحكومة "كانوا يدركون الخطر الكبير على الحياة... وتقبلوا ضمنيا خطر حدوث وفيات".
وبعد فترة وجيزة من الانفجار تم تعيين القاضي فادي صوان كبيرا للمحققين.
واتهم ثلاثة وزراء سابقين بالإهمال، لكنه واجه بعد ذلك مقاومة سياسية قوية.
وواجه صوان حملة سياسية كبيرة، برفض رؤساء الحكومة السابقين الادعاء على رئيس حكومة تصرف الأعمال حسان دياب، وأدرجوا الأمر في إطار الاتهام السياسي.
وبعدها علّق المحقق العدلي تحقيقاته لمدة شهرين بعد أن تقدّم كل من زعيتر وخليل بمذكرة أمام النيابة العامة التمييزية طلبا فيها نقل الدعوى إلى قاض آخر، بعدما اتهما صوان بخرق الدستور.
وأبعدته المحكمة عن القضية في شباط/ فبراير 2021 بعد أن اشتكى وزيران سابقان، هما وزير المال علي حسن خليل ووزير الأشغال غازي زعيتر، وكلاهما عضوان في حركة أمل التي يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري وحليفان لحزب الله المدعوم من إيران.، بداعي أنه "تجاوز صلاحياته".
وخلفه القاضي طارق البيطار، وسعى إلى استجواب شخصيات بارزة من بينها الوزيران زعيتر وخليل، إلى جانب اللواء عباس إبراهيم المدير العام جهاز الأمن العام.
وواجه البيطار مقاومة من جميع المسؤولين الحاليين والسابقين الذين سعى إلى  استجوابهم، بحجة أنهم يتمتعون بالحصانة أو أنه يفتقر إلى سلطة مقاضاتهم.
وعمد المشتبه بهم لإبعاد البيطار بدعوى تحيزه وارتكابه "أخطاء جسيمة"، مما أدى إلى توقف التحقيق عدة مرات

حزب الله يهدد القاضي البيطار بالاقتلاع في حال توجيه التهمة لأحد من أعضائه 

وعمد المشتبه بهم لإبعاد البيطار بدعوى تحيزه وارتكابه "أخطاء جسيمة"، مما أدى إلى توقف التحقيق عدة مرات.
وقال الوزراء السابقون إن أي قضايا ضدهم يجب أن تنظرها محكمة خاصة بالرؤساء والوزراء. 
ورغم أن البيطار لم ينجح في ملاحقة أي من أعضاء جماعة حزب الله، شن الحزب حملة شرسة عليه العام الماضي بعد أن سعى لاستجواب حلفاء له. وبعث مسؤول كبير في حزب الله برسالة إلى البيطار يحذر فيها من أن الجماعة "ستقتلعه".
واحتكم حزب الله إلى الشارع بعد أن حوّل مظاهرة مناهضة للبيطار دعا إليها هو وحلفاؤه في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي إلى أعمال عنف دامية.
واتهم حزب الله الولايات المتحدة، التي تصنف الجماعة على أنها منظمة إرهابية، بالتدخل في التحقيق، وهو ما نفاه السفير الأمريكي.
ونفى حزب الله الاتهامات التي وجهت إليه وقت الانفجار بأنه كان يخزن أسلحة في المرفأ وقال إنه لا علاقة له بالانفجار. 
وفي يوليو/ تموز 2021 تقدم 9 متضررين من انفجار مرفأ بيروت بدعوى قضائية في الولايات المتحدة ضد شركة أميركية للاشتباه في علاقتها بالمأساة، مطالبين بتعويض قدره ربع مليار دولار.
وتقدمت منظمة "المحاسبة الآن" التي تعرّف نفسها بأنها مؤسسة سويسرية تعمل على دعم المجتمع المدني اللبناني لوضع حد لثقافة إفلات المسؤولين من العقاب، بشكوى في تكساس ضد مجموعة تي جي إس  الأميركية النرويجية للخدمات الجيوفيزيائية.

مجلس النواب يماطل في رفع الحصانة عن وزراء حركة أمل المتحالفة مع حزب الله

وفي 2 يوليو/تموز 2021، وجه القاضي بيطار كتابا إلى مجلس النواب بواسطة النيابة العامة التمييزية، طلب فيه رفع الحصانة النيابية عن الوزيرين علي حسن خليل وغازي زعيتر، ووزير الداخلية السابق نهاد المشنوق، تمهيداً للادعاء عليهم وملاحقتهم.
وشملت قائمة الملاحقات قادة عسكريين وأمنيين سابقين، إذ ادّعى بيطار أيضا على قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي، ومدير المخابرات السابق في الجيش العميد كميل ضاهر، والعميد السابق في مخابرات الجيش غسان غرز الدين، إضافة إلى العميد السابق في المخابرات جودت عويدات.
وتعمد مجلس النواب المماطلة وطلب من بيطار أدلة إضافية لرفع الحصانة عن النواب، ليعود بعدها ويطلق عريضة نيابية تطالب بسحب القضية من القضاء العادي وحصرها بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
وأعلنت نقابتا الصحافة  والمحررين  في لبنان الثلاثاء، توقف الصحف عن العمل الخميس، الذي يصادف ذكرى انفجار مرفأ بيروت.
وقالت النقابتان، في بيان صحفي، إنه بـ"مناسبة إعلان الحداد الوطني في ذكرى فاجعة انفجار مرفأ بيروت وتضامنا مع عائلات الشهداء والجرحى ، تتوقف الصحف عن العمل في هذه الذكرى الأليمة".