عبث القاتل ومسؤولية القتيل

مشكلة شريف شيكات هي المشكلة نفسها التي يعاني منها الالاف من الشباب الذين يقفون حائرين أمام مزاج الهويات المتقلب والمتأرجح.

لم يبلغ منفذ عملية ستراسبورغ، شرق فرنسا الثلاثين من عمره بعد. الشاب المولود في المدينة نفسها من ابوين مغربيين مثقل ملفه الجنائي بالجرائم. لقد حُكم عليه 27 مرة في فرنسا وسويسرا وألمانيا في قضايا عنف وسطو وكان دائما عاطلا عن العمل.

شريف شيكات هو شبح إنسان سار بحياته مسرعا نحو الهاوية التي لم يكتف بالسقوط فيها وحيدا بل أخذ معه ثلاثة أرواح بريئة لأشخاص حملتهم الصدفة إلى سوق عيد الميلاد، هناك حيث نفذ شيكات جريمته.

في سجلات الشرطة يمكن اعتبار ما قام به ذلك الشبح عملا إرهابيا. غير أن المجتمع الذي ضربته الصدمة لن يتأخر في النظر إلى الجريمة من زاوية بعيدة عن الجانب الجنائي. فالجريمة تنطوي على جريمتين. جريمة معلنة جسدها قيام الشاب بقتل ضحايا أبرياء وجريمة خفية سبق للمجتمع أن ارتكبها في حق ذلك الشاب حين سلمه للشارع برفقة المئات من أمثاله في بيئة يغلب عليها الشعور بالعزل لأسباب عنصرية، كما يتم تداوله بين المهاجرين.

البعض يلوم الشرطة لأنها تركت شيكات مطلق السراح. أيمكن أن تُلام الشرطة لأنها نفذت القانون؟ ذلك سؤال يتعلق بالحريات التي يضمنها القانون. في بلد مثل فرنسا لا يمكن اعتقال الناس على الشبهات مثلما يحدث في دول لا تلتزم أجهزتها الأمنية بقوانينها.

دورة العنف التي صار الشاب المغربي جزءا منها لم تبدأ ولن تنتهي به. ما حدث لم يكن جزءا من حرب دينية. ليست هناك اية إشارة إلى الذئاب المنفردة. لم يكن شيكات إلا شابا وحيدا، مشردا وخائب الرجاء. وقد تكون جريمته محاولة انتحارية شاء أن يصدم بها المجتمع عن طريق قتل الآخرين تعبيرا عن احتجاجه على المجتمع الذي أهمله.

عاش ذلك الشاب حياته القصيرة في مواجهة مستمرة مع القانون الذي يشعر أنه لم ينصفه فقرر أن يفرض قانونه الخاص على الشارع الذي قابله بالنبذ والاحتقار بطريقة لا تتسم بشيء من الإنسانية.

من جهته فإنه قد يبرر لجوئه إلى القتل بخلو حياته من أي معنى. وهو في ذلك يحمل المجتمع أسباب ذلك. شيكات مواطن هو فرنسي تبعا لولادته وأوراقه الثبوتية غير أن تلك المواطنة لا تساوي شيئا على مستوى التصريف الواقعي، وهي لا تقف بينه وبين مواجهة سؤال يبدو بريئا هو "مَن أين أنت؟"

إن أجاب أنه من المغرب فهو كمَن يكذب على نفسه قبل أن يكذب على الآخرين. فما من شيء يربطه بالمغرب إلا عادات يومية درج عليها من غير أن تفرض عليه واجبات أو تهبه حقوقا كما تفعل المواطنة.شريف شيكات

مشكلة شريف شيكات هي المشكلة نفسها التي يعاني منها الالاف من الشباب الذين يقفون حائرين أمام مزاج الهويات المتقلب والمتأرجح والذي يكون أحيانا عدوا. قهم لا ينتمون إلى مجتمع بعينه بالرغم من أن الآخرين ينظرون إليهم باعتبارهم طارئين كما لو أنهم حضروا لتوهم إلى البلد الذي ولدوا فيه. وهي مفارقة غالبا ما تؤدي إلى الاستسلام لأفكار غير مريحة، يمكن أن تجد في العنف مخرجا لها.

حين فتح شيكات النار على المتسوقين وقتل وجرح عدد منهم لتنتهي العملية بمقتله على أيدي أفراد الشرطة لم تربط الأجهزة الأمنية الفرنسية بين ما حدث والإرهاب. لم يكن الإرهاب حاضرا هذه المرة في الصورة.

يتحاشى الكثيرون الإشارة إلى الإرهاب الذي يمارسه المجتمع في حق أفراد بعينهم، شاء قدرهم أن يضيعوا بين هويات، لم يكن لهم يد في اختراعها. هويات قد تكون مسؤولة عن غياب معنى الحياة لديهم. فهل يُعقل أن الشاب الذي خرج إلى الشارع شاهرا سلاحه ليقتل أناساً أبرياء لم يكن لديه أدنى شعور بفرنسيته؟

الجريمة التي نفذها شيكات تقع مسؤوليتها على المجتمع الذي لم يحتويه باعتباره واحدا من أبنائه.