عبداللهيان في السعودية... كلام جميل في انتظار أفعال

غادر عبداللهيان إلى طهران بعد إعلانه أنّه التقى ولي العهد السعودي في جدّة. هل تغيّر شيء في اليمن أو في العراق او في سوريا او لبنان؟ هل تغيّر شيء في مشروع الصواريخ الباليستية الإيرانيّة والمشروع النووي الإيراني؟

يمكن للزيارة القصيرة التي قام بها وزير الخارجيّة الإيراني حسين امير عبداللهيان للمملكة العربيّة السعوديّة أن تعني الكثير كما يمكن ألّا تعني شيئا. سيتوقّف كلّ شيء في نهاية المطاف على ما إذا كانت "الجمهوريّة الإسلاميّة" قادرة على التحول إلى دولة طبيعية في المنطقة بعيدا عن أوهام الهيمنة عليها عن طريق ميليشيات مذهبيّة تستخدم في تدمير اربع دول هي العراق وسوريا ولبنان واليمن. يظلّ الأهمّ من ذلك كلّه استخدام ايران لوجودها في اليمن لابتزاز دول الخليج العربي على نحو دائم عبر تكريس وجود لها، بواسطة الحوثيين والدولة التي اقاموها في اليمن الشمالي، في شبه الجزيرة العربيّة.

بكلام أوضح، هل تستطيع ايران التزام ما ورد حرفيا في البيان الثلاثي السعودي – الصيني – الإيراني الصادر في العاشر من آذار – مارس الماضي أي قبل، خمسة اشهر وعشرة أيّام... أم أن البيان مجرّد وسيلة لكسب الوقت لا اكثر؟

كان البيان الثلاثي الذي صدر من بيجينغ واضحا كلّ الوضوح لجهة "الإمتناع عن التدخّل في الشؤون الداخليّة للدول الأخرى". ليس ما يشير، أقلّه إلى الآن، إلى استعداد إيراني لإحترام ما ورد في البيان. على الرغم من ذلك، حرص وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان على القول أنّ "استئناف العلاقات الديبلوماسيّة مع ايران نقطة تحوّل مفصليّة للأمن في المنطقة". يندرج مثل هذا الكلام الإيجابي في سياق ابداء النيات الحسنة السعودية تجاه ايران. توّج هذا الكلام التفاؤلي بدعوة الرئيس إبراهيم رئيسي إلى زيارة الرياض. هل كانت زيارة عبداللهيان مجرّد تمهيد لمجيء رئيسي إلى الرياض؟  

من جهته، صرّح عبداللهيان بأنه أجرى محادثات "مثمرة" في الرياض وجدة حيث التقى ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان. قال الوزير الإيراني: "نثمن دور المملكة في المنطقة" مضيفا: "بإمكاننا العمل مع السعودية لحل الموضوعات العالقة بالمنطقة بشكل فوري". أشار إلى أن طهران "تدعم تحقيق الأمن والسلام في المنطقة دون تجزئة".

جاء الكلام الجميل للوزير الإيراني، الذي يبدو أنّه يسعى إلى لعب دور في تحسين العلاقات الإيرانيّة – السعودية، بعدما بدا واضحا وجود رغبة لدى طهران والرياض في رفض الاعتراف بأنّ الاتفاق السعودي الإيراني الذي رعته الصين ولد ميتا. ولد الاتفاق ميتا في ظلّ الرفض الذي تبديه "الجمهوريّة الإسلاميّة" في كلّ بقعة من بقاع المنطقة عن التخلي عن مشروعها التوسّعي. يؤكّد ذلك حملات تشنهّا وسائل اعلاميّة، تعمل من لبنان، على المملكة العربيّة السعودية ومحمّد بن سلمان فيما عبداللهيان في الرياض!

لا يمكن تجاهل أنّ زيارة عبداللهيان للرياض جاءت على خلفية تطورين في غاية الأهمّية حصلا منذ صدور بيان بيجينغ. يتمثل التطور الأوّل في نوع من التقارب الأميركي – السعودي عبرت عنه إدارة جو بايدن التي بعثت بمسؤولين كبار إلى الرياض. في مقدّم هؤلاء مستشار الأمن القومي جيك ساليفان. ترافق ذلك مع تعزيز الوجود العسكري الأميركي في الخليج.

أمّا التطور الثاني، فيتمثل في الصفقة التي عقدتها إدارة بايدن مع طهران. بموجب هذه الصفقة التي تشمل اطلاق سجناء اميركيين في ايران، هم في واقع الحال رهائن، تحصل "الجمهوريّة الإسلاميّة" على أموال عائدة لها. تقدر هذه الأموال بنحو ستة مليارات دولار، مجمّدة في كوريا الجنوبيّة. ليس مستبعدا أن تكون الصفقة خطوة على طريق العودة الأميركية، وإن بشكل غير معلن، إلى الإتفاق النووي الموقع في مثل هذه الأيّام من العام 2015 والذي مزّقته ادارة دونالد ترامب في العام 2018.

ثمّة تطور ثالث يمكن أن يكون لعب ايضا دورا حاسما في جعل وزير الخارجية الإيراني يعتمد لهجة تصالحية في الرياض وأن يأتي معه بالسفير الإيراني الجديد في السعوديّة.

يتمثّل هذا التطور في الكلام الجدّي عن مساع من أجل إقامة علاقة طبيعية بين إسرائيل والمملكة العربيّة السعوديّة. ما الذي ستفعله "الجمهوريّة الإسلاميّة" التي تعرف جيدا أن مثل هذا الأمر احتمال وارد مستقبلا؟ لم يعد في الإمكان تجاهل هذا الإحتمال، على الرغم من التعقيدات الكثيرة التي تحيط به، خصوصا أن دولا في المنطقة باتت تتعاطى من دون عقد مع إسرائيل. تفعل ذلك في ضوء تحوّل المشروع التوسّعي الإيراني إلى خطر وجودي على كلّ دولة عربيّة ومجتمع عربي.

شكلا، كانت زيارة وزير الخارجيّة الإيراني للرياض ناجحة. غادر عبداللهيان إلى طهران بعد إعلانه أنّه التقى ولي العهد السعودي في جدّة. ماذا حدث في اليوم التالي؟ هل تغيّر شيء في اليمن أو في العراق او في سوريا او لبنان؟ هل تغيّر شيء في مشروع الصواريخ الباليستية الإيرانيّة والمشروع النووي الإيراني؟

يُخشى أن تكون الزيارة الإيرانيّة لمجرّد كسب الوقت... ولمجرّد اعادة الحياة إلى الاتفاق الوارد في بيان بيجينغ. هذا ما يفسّر كلام الوزير الإيراني في الرياض عن "أن طهران تدعم تحقيق الأمن والسلام في المنطقة دون تجزئة". مثل هذا الكلام يحتاج إلى أفعال على الأرض، خصوصا في اليمن. لم يتردد زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي قبل ايّام قليلة في توجيه تهديدات إلى المملكة العربيّة السعوديّة. قال الحوثي الذي لا يمكن الفصل بينه وبينه "الحرس الثوري" الإيراني بالحرف الواحد: "لا يمكن أن يعيش السعودي في أمن ورفاهية وتحريك الإستثمارات في نيوم وغيرها ثم يتسبب باستمرار الحصار والمعاناة والبؤس في واقع شعبنا".

من هذا المنطلق، سيظلّ كلام وزير الخارجيّة الإيراني، أقرب إلى الكلام من أي شيء آخر، خصوصا أنّ المشروع الإيراني بات مكشوفا إلى حد كبير ليس في اليمن فحسب، بل في العراق وسوريا ولبنان أيضا...

لا حاجة إلى ادلة، أقلّه في ما يخص لبنان، لسعي إيراني دؤوب إلى وضع البلد في جيب "الجمهوريّة الإسلاميّة" عن طريق قبض ثمن السماح بترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل قبيل خروج ميشال عون وصهره جبران باسيل من قصر بعبدا في تشرين الأوّل – أكتوبر من العام 2022!