عبدالمهدي المهدد بتفكك حكومته يبعث برسائل طمأنة للسعودية

رئيس الوزراء العراقي طلب من عدة ميليشيات موالية لإيران الانسحاب من مناطق على الحدود مع السعودية تزامنا مع ترقب عالمي لما ستسفر عنه التحقيقات الخاصة باستهداف منشآت أرامكو النفطية.

بغداد - تعيش حكومة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي قلق وتوتر غير مسبوق منذ تنفيذ إيران للهجوم على منشأتي النفط في شركة أرامكو السعودية الذي أوقفت أكثر من نصف إنتاج النفط في المملكة.

وكشف مسؤول عراقي اليوم الأربعاء، أن عبد المهدي طلب من عدة ميليشيات موالية لإيران منها كتائب حزب الله والنجباء ولواء الطفوف وسيد الشهداء والإمام علي وغيرها، الانسحاب من مناطق على الحدود مع السعودية وترك تأمين الأماكن التي تتواجد فيها لقوات الجيش العراقي وحرس الحدود في المنطقة فقط.

ويأتي تحرك رئيس الوزراء العراقي بعد أن سارع الاثنين إلى النفي بشكل قاطع أن يكون الهجوم الذي استهدف منشأتين نفطيتين سعوديتين في نهاية الأسبوع الماضي قد انطلق من أراضيها.

ونفى العراق في بيان الأحد، أي علاقة له بالهجوم بعدما تحدثت وسائل إعلام عن احتمال أن يكون جرى انطلاقا من الأراضي العراقية على الرغم من تبني المتمردين الحوثيين اليمنيين العملية.

وتأتي أوامر عبد المهدي للميليشيات الموالية لإيران بالانسحاب تزامنا مع ترقب عالمي لما ستسفر عنه التحقيقات الخاصة باستهداف منشآت أرامكو النفطية السعودية في بقيق شرقي المملكة، حيث أشار مسؤولون أميركيون إلى إن الهجمات انطلقت من جنوب غرب إيران وليس من اليمن كما زعم الحوثيون.

ويقول مراقبون للشأن العراقي إن عبد المهدي يحاول إيصال رسائل طمأنة للمملكة العربية السعودية في وقت يشهد فيه العراق وضعاً سياسياً هشاً، بعد موجة خلافات غير مسبوقة بين قادة قوات الحشد الشعبي وأخرى بين سياسيين موالين إجمالا لإيران.

وتهدد هذه الأجواء المتوترة استقرار العراق ومستقبل عبد المهدي نفسه الذي لم ينقض سوى 11 شهراً من عمر حكومته التي تستمد نفوذها حتى الآن من تعايش قائمتي "سائرون" التي يدعمها رجل الدين الشيعي البارز مقتدى الصدر، وتحالف "الفتح"، الممثل السياسي لقوات الحشد الشعبي، داخلها وداخل البرلمان.

ويرى رئيس المركز العراقي للفكر السياسي إحسان الشمري، إن جملة عوامل جديدة نتجت خصوصا عن الإحباط بسبب الضربات الإسرائيلية التي قال الحشد الشعبي إنها استهدفت قواته، تضغط على العلاقة الهشة بين التحالفات في الحكومة.

وأضعف صمت حكومة عبد المهدي عن قصف معسكرات الحشد الأخيرة من موقفها، ويرى مراقبون إن رئيس الوزراء العراقي غير قادر على الاصطفاف ضد الميليشيات الموالية لإيران في بلاده إذا رفضت تنفيذ ما طلبه.

الس

وهذه ليست المرة الأولى التي يطالبها فيها عبد المهدي تلك الميليشيات الانسحاب من الشريط الحدودي مع المملكة، حيث سعى في وقت سابق إلى إقناع مليشيا حزب الله العراقية بالانسحاب من بلدة النخيب الحدودية مع السعودية.

وقالت مصادر عراقية مطلعة في أغسطس الماضي، إن عبد المهدي طلب من حزب الله العراقي الانسحاب من النخيب التي يمتلك فيها 6 مواقع، وترك الملف الأمني على الحدود العراقية السعودية تحت مراقبة الجيش فقط.

وقال نفس المصدر إن كتائب حزب الله التي توصف بأنها أشد الميليشيات العراقية تطرّفا واستعدادا للمضيّ بعيدا في مواجهة الحكومة، بقيت تماطل رافضة الانسحاب.

ووجه حزب الله العراقي، أواخر الشهر الماضي "إنذارا نهائيا للأميركيين" وهدد برد "قاصم" إذا ما تم استهداف أي من مقارها مرة أخرى.

وذكر بيان للحزب أنه "بعد أن اشتد ساعد المقاومة الإسلامية وتراكمت خبراتها وإمكاناتها، عادت قوات العدو الأميركي يسوقها حظها العاثر للتواجد مرة أخرى في احتلال مبطن جديد، متحدية إرادة الشعب العراقي، ومعلنة عدائها للقوات العراقية، منتقلة إلى مرحلة الاستهداف المباشر لمواقع الحشد الشعبي ومستودعات أسلحته، وبشكل متكرر خاصة في الأيام الماضية".

وأضاف البيان "إننا نحمل الأمريكان مسؤولية ما جرى من استهداف للمواقع العسكرية العراقية، ونعلم أنهم يخططون لشن هجمات أخرى، بشكل مباشر أو بدفع الصهاينة لارتكابها، ضاربين عرض الجدار قرار الحكومة العراقية بمنع طيرانهم إلا بموافقتها".

ويقول مراقبون إن التصعيد الإيراني عبر حدود العراق مع السعودية، كانت الخطة الإيرانية البديلة في حال لم تؤد الهجمات المتمردين الحوثيين الموالين لإيران من اليمن إلى الصدام المسلح المرجو في الخليج.

وتؤكد أوامر رئاسة الوزراء العراقية منذ شهرين بإغلاق معبر مندلي الحدودي مع إيران، شرق محافظة ديالى، بسبب سيطرة الميليشيات الموالية لطهران، تعدد خيارات طهران لدرسها جيدا قبل الهجوم على منشآت النفط السعودية.

وتسعى طهران من خلال البحث عن تصعيد أكثر حدة ضد أبرز حليف لواشنطن في المنطقة إلى تدخل عسكري محدود مع الولايات المتحدة في المنطقة، وتهدف من خلال ذلك إلى المراوغة وصرف الأنظار عن شلل اقتصادها بسبب العقوبات الأميركية وعن استئناف برنامجها النووي، أملا في التوصل إلى تفاوض مع واشنطن يجنبها انهيار نظامها.

تجدر الإشارة إلى أن الحوثيين كانوا أعلنوا مسؤوليتهم عن استهداف منشآت أرامكو مطلع الأسبوع، بينما مسؤولون أميركييون أكدوا أن مصدر الهجوم جنوب غرب إيران وليس اليمن.

ويرى مراقبون أن مكان تواجد الميليشيات التي نفذت الهجوم على عملاق النفط السعودي سواء من العراق أو اليمن لا ينفي أن مصدرها الرئيسي هو إيران التي أصبح وكلاؤها المنتشرون في أكثر من دولة عربية يهددون أمن واستقرار المنطقة.

ويأتي تحرك عبد المهدي بعد يوم من استقباله الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرج والوفد المرافق له في بغداد.

وقال عبد المهدي خلال القاء إن "سياستنا المتوازنة تخدم استقرار العراق وجميع دول المنطقة، ونتصرف بمسؤولية تجاه الأزمة الإقليمية الحالية لحفظ مصالح شعوب المنطقة ودوله ، ولا يمكن أن يتسبب العراق بأذى لأشقائه وجيرانه".

ويواجه عبد المهدي جملة تحديات من أجل دفع حكومته إلى مرحلة ما بعد ميلادها الأول لكن تزايد الضربات على الحشد الشعبي والاعتداءات الإيرانية على دول المنطقة سيعقد جهود بغداد في موازنة علاقاتها مع حليفيها الرئيسيين طهران وواشنطن.