عدوى تهم المؤامرة بشأن كورونا تنتقل إلى موسكو وبروكسل

وثيقة للاتحاد الأوروبي تشير إلى أن وسائل الإعلام الروسية لجأت إلى "حملة تضليل كبرى" ضد الغرب للتهويل من أثر الفيروس المستجد وخلق حالة من الذعر ونشر أجواء عدم الثقة.

بروكسل - اتهم الاتحاد الأوروبي روسيا بالوقوف وراء حملة تضليل إعلامي كبرى ضد الدول الغربية لنشر الذعر في صفوف المواطنين عبر تهويل انتشار فيروس كورونا الذي تتزايد حصيلة ضحاياه يوميا، وذلك بالتزامن مع اتهامات مماثلة بين واشنطن وبكين وصل حد إبعاد صحافيين أميركيين من الصين، على الرغم من الأولوية التي يمنحها العالم لمكافحة الوباء.

وأفادت وثيقة للاتحاد الأوروبي حملت تاريخ 16 مارس/آذار أن وسائل الإعلام الروسية لجأت إلى "حملة تضليل كبرى" ضد الغرب للتهويل من أثر الفيروس المستجد وخلق حالة من الذعر ونشر أجواء عدم الثقة.

وجاء في الوثيقة أن "هناك حملة تضليل كبرى من وسائل الإعلام الروسية والجهات المؤيدة للكرملين فيما يتعلق بفيروس كوفيد-19".

وأضافت الوثيقة التي صدرت عن خدمة العمل الخارجي الأوروبي التابعة للاتحاد "الهدف النهائي لحملة التضليل التي يقوم بها الكرملين هو تضخيم الأزمة الصحية العامة في الدول الغربية... بما يتماشى مع استراتيجية الكرملين الأشمل التي تحاول تدمير المجتمعات الأوروبية".

ولم تركز وسائل الإعلام الروسية في الفترة الأخيرة أي منذ ظهور الفيروس على الإصابات في روسيا بل ركزت على البلدان الأخرى خاصة العربية والأوروبية.

وتشير آخر الأرقام الرسمية التي أعلنت عنها السلطات الروسية، اليوم الأربعاء، عن تسجيل 147 إصابة بفيروس كورونا فقط.

وأفاد مركز العمليات الخاصة بمكافحة الفيروس في بيان أنه تم تسجيل 33 إصابة جديدة منها 31 حالة في العاصمة موسكو، وحالة واحدة في مقاطعة تومسك، وأخرى في مقاطعة نوفوسيبيرسك، بعد أن كان عدد الإصابات المؤكدة في حدود 114 حسب الإحصائية الصادرة الثلاثاء.

والاتهامات الأوروبية ليست الأولى التي توجه لموسكو بل سبقتها اتهامات أميركية أواخر فبراير الماضي، حيث قال مسؤولون أميركيون إن حسابات مرتبطة بروسيا اختلقت مزاعم لا أساس لها من الصحة بأن واشنطن بدأت نشر المرض.

ونشرت هذه النظرية على آلاف الحسابات على تويتر وفيسبوك وانستغرام، وفق المسؤولين.

وقال المسؤول الرفيع في وزارة الخارجية الأميركية، فيليب ريكر، في وقت سابق إن الجهات الفاعلة الروسية "الخبيثة" كانت تحاول زرع معلومات مضللة عن أصل فيروس كورونا.

hg

لكن روسيا نفت بشدة تلك المزاعم وردت وزارة الخارجية على تلك الاتهامات يوم 22 فبراير ووصفتها بـ"الزائفة".

وقالت المتحدثة باسم الوزارة ماريا زاخاروفا لوكالة أنباء "تاس" الروسية "هذه قصة كاذبة ومتعمدة".

ووفق وكالة فرانس برس، تم تحديد حملة التضليل عبر مراقبين أميركيين، منتصف يناير/كانون ثاني الماضي، بعد وقت قصير على إعلان موت الحالة الثالثة بفيروس كورونا.

وقالت ليا غبريال، رئيسة مركز التواصل العالمي بوزارة الخارجية الأميركية "في هذه الحالة، تمكنا من رؤية نظام المعلومات البيئية المضللة الخاص بهم، بما في ذلك التلفزيون الحكومي ومواقع الوكلاء الإلكترونية، والآلاف من الشخصيات المزيفة على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تدفع باتجاه نشر هذه الأفكار".

ويأتي تبادل الاتهامات بشأن نظرية المؤامرة لتعمد نشر الفيروس وسط أزمة أخرى بين الولايات المتحدة والصين التي أعلنت ظهور الوباء فيها لأول مرة في ديسمبر الماضي.

وعندما بدأ الوباء ينتشر خارج الصين، تراوحت مواقف الحكومة الأميركية بين إدانة غياب الشفافية لدى الجانب الصيني في البداية، والتعبير عن "ثقة" الرئيس الأميركي دونالد ترامب في نظيره الصيني شي جينبينغ.

لكن وصف ترامب أمس الثلاثاء كورونا المستجد في تغريدة على تويتر بـ"الفيروس الصيني"، أثار حفيظة بكين التي أدانت عنصرية الرئيس الأميركي.

واستخدم مسؤولون أميركيون نفس الصيغة لتوصيف الفيروس من بينهم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الذي اعتمد خلال حديثه عن الوباء تسمية "فيروس صيني" أو "فيروس قادم من ووهان" المدينة التي ظهر فيها المرض للمرة الأولى.

وردا على ذلك قال ناطق باسم وزارة الخارجية الصينية "نشعر باستياء كبير"، معتبرا ذلك "إدانة" لبلده.

وزاد منع الولايات المتحدة بسرعة الأشخاص القادمين من الصين من دخول أراضيها غضب بكين التي ردت بإمهال مراسلين أميركيين لصحف نيويورك تايمز وواشنطن بوست وول ستريت جورنال حتى الأربعاء لتسليم بطاقاتهم الصحافية، ما يعني فعليا طردهم.

وذكر "نادي المراسلين الأجانب في الصين" أن هذا الإجراء شمل 13 مراسلا على الأقل.

وكان ثلاثة مراسلين لصحيفة وول ستريت جورنال طردوا في نهاية شباط/فبراير. لكن سلسلة العقوبات الجديدة تشكل بحجمها، الإجراء الأكثر صرامة الذي تتخذه السلطات الصينية ضد وسائل الإعلام الأجنبية.

وذكرت الخارجية الصينية أن هذه الإجراءات هي رد على قرار واشنطن "الفاضح" بتخفيض كبير في عدد الصينيين الذين يسمح لهم بالعمل لخمس وسائل إعلام لبكين في الولايات المتحدة.

وقال بومبيو معترضا إن "الأمرين مختلفان"، مؤكدا أن إجراءات واشنطن تستهدف "أعضاء وسائل للدعاية الإعلامية الصينية". ودعا الصين إلى "التراجع" عن قرارات الطرد التي "تمنع العالم من معرفة ما يحدث فعليا داخل البلاد".

وفي بيان، عبر "نادي المراسلين الأجانب في الصين" عن أسفه لأن صحافيين أصبحوا في وضع "بيادق" في المواجهة بين القوتين الكبريين. وقال إن "الصحافيين يقومون بتنوير العالم الذي نعيش فيه، وبهذا الإجراء تفرض الصين التعتيم على نفسها".

إدانة" لبلده
الصين ترفص العنصرية عبر إدانتها بالفيروس

ورأى عدد من البرلمانيين الأميركيين وصحيفتا واشنطن بوست ونيويورك تايمز أن الإعلان الصين "مؤسف خصوصا في أوج أزمة صحية عالمية تبدو فيها المعلومات مهمة أثر من أي وقت مضى".

ووصفت صحيفة وول ستريت جورنال من جهتها الإجراءات الصينية بأنها هجوم "غير مسبوق" على حرية الصحافة.

لكن، في الوقت الذي يحاول فيه العالم تنسيق الجهود في مواجهة الوباء العالمي، لا تكف القوتان العظميان عن تصعيد المواجهة بينهما.

وتدعو بكين إلى عدم توجيه أصابع الاتهام إليها بدون نتائج علمية حاسمة حول منشأ الفيروس الذي رصد للمرة الأولى في ووهان في كانون الأول/ديسمبر الماضي.

وقد ذهب ناطق باسم الخارجية الصينية أبعد من ذلك الأسبوع الماضي عندما تحدث بدون أدلة عملية عن فرضية أن يكون الجيش الأميركي أدخل العامل المسبب للمرض إلى بلده.

وتؤجج هذه الحرب الكلامية الخلافات الدبلوماسية المتكررة منذ وصول دونالد ترامب إلى السلطة مطلع 2017، بينما يواجه الأوروبيون وقوف روسيا مع حليفتها الآسيوية ما يزيد التنافس بين القوى الأربع بينما يعيش العالم ظروفا استثنائية تعزز فيه نظرية المؤامرة شيئا فشيئا.

وقالت مجلة "ناشيونال إنترست" في تقرير سابق إن التكهنات بشأن مصدر كورونا أخذت أبعادا جيوسياسية، حيث رجح معلقون سياسيون في روسيا بأن الفيروس يعد "سلاحا بيولوجيا أميركيا" يستهدف موسكو وبكين.

ويرى لخبير العسكري الروسي فيكتور بارانيتس أن الحرب البيولوجية أصبحت سلاحا جديدا "تستخدمه الولايات المتحدة من أجل التفوق على خصومها الرئيسيين".

لكن هذه التصورات لا ترتكز إلى دلائل حقيقية ملموسة في ظل مواصلة انتشار الفيروس في كل بلدان العالم وليس في بلدان محددة صنع خصيصا لاستهدافها.

في المقابل يصر الجانب الأميركي على بقاء رسالته واضحة ومفادها أن مكافحة الوباء لا تنهي المنافسة مع الدولة الآسيوية العملاقة التي تعتبرها الولايات المتحدة خصمها الاستراتيجي الأول على الأمد الطويل.

وانتهز بومبيو الأسبوع الماضي فرصة عرض التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية حول حقوق الإنسان ليدين السياسة الصينية في إقليم شينجيانغ بشمال غرب الصين، حيث يحتجز مئات الآلاف من المسلمين على ما يبدو باسم مكافحة الإرهاب.

وتخوض إدارة ترامب مواجهات على جبهات أخرى ضد الصين، من الدفاع عن الديمقراطية في هونغ كونغ إلى إدانة نزعتها التوسعية العسكرية في بحر الصين الجنوبي، مرورا بالاتهامات بتجسس صناعي.

لكن ترامب أكد أن الاتفاق التجاري الذي اتخذ شكل هدنة في حرب الرسوم الجمركية وأبرم بعد أشهر من المفاوضات لن يتأثر بالخلافات الجديدة المرتبطة بفيروس كورونا المستجد.