'عدوّي الحميم' لويلا كاذر على رف اللغة العربية

رواية الكاتبة الأميركية تبدو مثل أناشيد قصيدة ملحمية، حيث التراجيديا والآلهة والصراع، مع أن المكان والزمان ثابتان.

ميلانو (إيطاليا) - صدرت حديثاً عن منشورات المتوسط في إيطاليا، رواية "عدوّي الحميم" للكاتب الأميركية ويلّا كاذر، ترجمها عن الإنكليزية يزن الحاج، وهي حسب إشارة المترجم، أقصر روايات كاذر، وهناك قصص قصيرة لها أطول منها، ولكنّها أفضل مقدّمة لأعمالها .. هنا بلغت كاذر درجةً عالية من الإتقان والبراعة والحساسيّة اللغويّة، تفتقر إليها معظم أعمالها الأولى، بما فيها ثلاثيّتها الروائيّة الأشهر "ثلاثية السهول الكبرى". لا نجد هنا جغرافيا كاذر المعتادة، أي نبراسكا وباقي ولايات السهول الكبرى الأميركيّة، بل ننتقل إلى نيويورك، ونتلمّس اختلاف المدن الكبرى عن المدُن والبلدات الصغيرة. لا يزال للطبيعة حضورٌ بارزٌ (فهذه إحدى مزايا أدبها المذهلة)، ولكنّ التركيز صار جوّانيّاً، سيكولوجياً، أكثر من كونه ظاهرياً. نبدو هنا، في بعض فصول الرواية، وكأنَّنا نقرأ أناشيد قصيدة مَلحميّة، حيث التراجيديا والآلهة والصّراع، مع أنّ المكان والزمان ثابتان.
ووفقا للناشر، يواصل المترجم: نقرأ في "عدوّي الحميم" تراجيديا ورومانس في آن (كما تشير الروائيّة والناقدة البريطانية أ. س. بيات)، وإن أضفنا اللمسة الشعريّة الشّفيفة غير المفرطة، سنكون أمام إحدى أعذب روايات الأدب الأميركيّ الذي لم يُقدَّم عربياً كما يستحقّ.
ونقرأ للروائيّة والناقدة الإنكليزية أ. س. بيات الرأي التالي: "في رواية عدوّي الحميم ... كلّ فصل موجَز يشكّل بوحًا عن شيء جديد وغير متوقّع. إنّه كتاب هادئ وعنيف. ما من كلمة مهدورة أو زائدة ... تُدرك الكاتبة الحكاية التي تحكيها كليًا، من حيث بدايتها إلى نهايتها".
بل يذهب الناقد الأميركي البارز هارولد بلوم، إلى القول: "ستّ روايات مُكرَّسة خلال أقل من عقدين رقمٌ استثنائيٌّ بالنسبة إلى أيّ كاتب أميركيّ حديث؛ لا يخطر لي إلا فوكنر كنظيرٍ لويلّا كاذر في هذا السيّاق، بما أنّه ألّف ستّ روايات خالدة، نُشرت كلّها في سنواته العظيمة بين عامي 1929-1939".

إنّه كتاب هادئ وعنيف، ما من كلمة مهدورة أو زائدة.. تُدرك الكاتبة الحكاية التي تحكيها كليًا، من بدايتها إلى نهايتها

أخيراً جاء الكتاب في مائة وصفحتين (102) من القطع الوسط.
من الكتاب: حين كنتُ ما أزالُ طفلةً، اعتادتْ خالتي ليديا أن تأخذني في نزهات مشي على طول الرصيف المعبَّد بالحجارة الذي يمتدّ مُوِّقًا أراضي العجوز دركسول. ومن خلال فرجات السياج الحديديّ كان بإمكاننا رؤية الأخوات، وقد خرجنَ للاستراحة، يمشينَ اثنَتَيْن اثنَتَيْن تحت أشجار التّفّاح. وكانت خالتي تحكي لي عن تلك الليلة المثيرة (ولعلّها الليلة الأكثر إثارة في حياتها بأسرها)، حينما خَطتْ مايرا دركسول نزولاً على الممشى، وخرجت من البيت، عبر تلك البوّابات الحديديّة الضخمة، للمرّة الأخيرة. كانت تريد المغادرة من دون أن تأخذ أيّ شيء ما عدا الثياب التي ترتديها – وبالفعل مشت خارجةً من البيت، من دون أن تحمل أيّ شيء معها باستثناء موفة الفرو الأنبوبيّة التي دسّت فيها ذراعَيْها وجزدانها. وعلى أيّة حال، كانت خالتي الحصيفة قد وضعت أدوات حمّامها وبعض البياضات في حقيبة سَفَر، وطوّحت بها من النافذة الخلفيّة إلى واحد من الفتيان المتمركزين تحت شجرة تفّاح.
"لن أنسى منظرها ما حييتُ، وهي تمشي نازلةً على ذلك الممشى وقد رمت ثروةً ضخمةً خلف ظهرها"، قالت خالتي ليديا.
ويلّا كاذر (1872-1947): كاتبة أميركيّة. كتبت مقالات وروايات وقصصاً قصيرة. تُعدّ إحدى أبرز الكتّاب الأميركيّين في العقود الأولى من القرن العشرين. أشهر أعمالها ثلاثيّتها الروائيّة: "ثلاثية السهول الكبرى"، "أيها الروّاد" (1913)، "أغنية القبّرة" (1915)، "غاليتي أنتونيا" (1917). وقد نالت جوائز وتكريمات كثيرة، منها جائزة بوليتزر عن روايتها "واحدٌ منّا" (1922).
والمترجم يزن الحاج (1985): كاتب ومترجم سوريّ. ترجم عدداً من الكتب عن الإنكليزيّة، صدر منها عن منشورات المتوسط: "ماركس 2020"، "اقتفاء خطى الماديّة التاريخيّة"، "بيكاسو"، "تشغيل العدو".