عراقيون وان لم ننتمِ.. تعالوا الى كلمة سواء بيننا

العراق دولة مركزية أكثر من اللازم بإقليم واحد تريد ممارسة دور الأخ الأكبر عليه.

في ثمانينات القرن الماضي تبنى البعثيون في العراق شعارا يقول "كلنا بعثيون وان لم ننتمِ"، في محاولة منهم لبعثنة المجتمع العراقي كله حتى الذين لا يؤمنون بمبادئ البعث ويعارضونه، مما يوضح مدى دكتاتورية ذلك الحزب ورغبته بمحو الشخصية السياسية للمجتمع العراقي واستهانته بتوجهات افراده.

ان كانت حكومة البعث قد فشلت في تطبيق شعارها فعليا، فان الحكومة العراقية في 2017 استطاعت ترجمة هذا الشعار على ارض الواقع وان كان بعوامل اخرى، من خلال ردود افعالها على استفتاء اقليم كردستان.

فرغم ان الاغلبية الساحقة من الكردستانيين صوتوا على رغبتهم بالاستقلال عن العراق وتأسيس دولتهم المستقلة، الا ان الضغوطات التي مارستها بغداد على كردستان عسكريا واقتصاديا بالتنسيق الكامل والمباشر مع ايران وتركيا، وضوء اخضر اميركي، اجبرت الكردستانيين على البقاء ضمن العراق. فاصبحت العلاقة منذ ذلك اليوم بين كردستان والعراق هي علاقة اجبارية يمكن التعبير عنها بـ"عراقيون وان لم تنتموا"، ولا ادري كيف لدولة ان تحترم نفسها وهي تدرك ان اكثر من ربع سكانها غير راضين بالبقاء ضمن حدودها.

في الحقيقة ان المشكلة الاساسية بين العراق وكردستان تكمن في طبيعة العلاقة بين الطرفين بعد 2003، فوجود دولة مركزية يرتبط بها اقليم واحد يفسح المجال امام تلك الدولة مهما كانت نسبة الديمقراطية فيها (عوضا عن دولة شرق اوسطية مثل العراق) لتمارس ما يمكن تسميتها بدكتاتورية الدولة امام ذلك الاقليم الوحيد. فكردستان اقليم وحيد موجود ضمن دولة لها دستورها الاتحادي الذي يعبر عنها وعن مصالحها وليس عن مصالح اقليم كردستان، لها عاصمة توجد فيها كل المؤسسات الرسمية للدولة، تصدر القرارات فيها بما يخدم مصالحها ويمثل توجهات الدولة المركزية بعيدا عن توجهات كردستان، وبذلك تتعامل مع الاقليم كطرف خارجي خارج مصالحها واحيانا كطرف خارجي ضد مصالحها، وتحييد الكردستانيين من المؤسسات الامنية والعسكرية للحكومة المركزية، وتمنع تسليح البيشمركة بمنع تجهيزهم بالاسلحة التي يحصل عليه الجيش العراقي وفصائل مسلحة غير نظامية فيه بغية ابقاء كردستان ضعيفا عسكريا، اضافة الى محاربة كردستان اقتصاديا لإبقائه تحت رحمة الاقتصاد الفدرالي. ورغم وجود نواب كرد في البرلمان العراقي لكنهم يعملون ويتحركون ضمن المساحة التي يعطيها لهم الدستور العراقي الذي لا يوجد فيها ما يمثل مصالح الاقليم.

كان يفترض بالمفاوض الكردستاني منذ سقوط نظام صدام حسين الاصرار على تحويل العراق الى اقليمين (اقليم عربي واقليم كردي)، يكون لكل اقليم دستوره الخاص به حسب مصالحه الذاتية، ويكون للدولة الاتحادية دستورها الذي ينظم العلاقة بين الاقليمين والحكومة الاتحادية من النواحي الاقتصادية والعسكرية والخارجية، دون ان تتناول النقاط التفصيلية للاقليمين باعتبارها شانا داخليا يتعلق بالاقليمين. اما البرلمان الاتحادي فيتشكل من نواب او ممثلين من الاقليمين يكون وظيفته تنظيم العلاقة التشريعية بين الاقليمين، حينها لم تكن كردستان لتعاني من التهميش في مؤسسات العاصمة الفدرالية، ولا في المؤسسات العسكرية لها... ولم نكن لنعاني من كم المشاكل المستعصية التي توشك ان تتحول الى مشاكل مزمنة.

ان كنا في كردستان قد حوربنا في موضوع الاستقلال عن العراق، وان كان تنظيم علاقة كونفدرالية بين كردستان والعراق تحتاج الى مراحل قبل الوصول اليها وعوامل غير متوفرة الان، فان الاصرار على اعادة تنظيم التركيبة السياسية للعراق ممكن التفاوض عليها مع الحكومة الاتحادية، سواء بتشكيل اقليم او اقليمين (سني وشيعي) مع اقليم كردستان لتلافي المشاكل المزمنة التي يعاني منها الطرفين الكردستاني والعراقي لنتخلص والى الابد من مشكلة الاخ الاكبر التي تتعامل على ضوئها الحكومات العراقية المختلفة مع كردستان، حينها سيشعر الكردستانيون بالانتماء الحقيقي لدولة العراق، وليس كما هو الان "عراقيون مع عصر طن من الليمون على قلوبهم".