عراق ما بعد الحرب

طبول الحرب بين الولايات المتحدة وإيران تقرع في العراق أكثر من أي مكان آخر.

يعرف أفراد الطبقة السياسية الحاكمة الآن في العراق أن حربا تنشب بين الولايات المتحدة وإيران لن تكون في صالحهم إذ أن تلك الحرب قد تضع نهاية لذلك النوع الأسطوري من الفشل في بناء الدولة وإعادة الحياة الى مؤسساتها الخدمية. وإذا ما توقعنا أن الشعب سيرحب بذلك التحول فليس طمعا منه في أن يرى مستقبلا أفضل بل نكاية وشماتة منه بتلك الطبقة الفاسدة.

لذلك فإن سؤالا من نوع "متى يطلق ترامب صواريخه على إيران؟" هو سؤال ملح في بغداد قبل ان يكون سؤالا إيرانيا. من خلاله ينفس العراقيون عن رغبتهم في أن يحل الموت الرحيم محل العذاب اليومي الذي صار يتخلل تفاصيل حياتهم أينما ولوا وجوههم.

غير أن ما يتم التحضير له من قبل جهات صارت معروفة قد لا يحقق تلك الرغبة إلا في جزئها المتعلق باستبعاد الوجوه السياسية التقليدية التي أمسكت بالحكم كما لو أنه ملك شخصي.

هناك أطراف عديدة في العراق تريد أن تنهي ما تبقى من الحقبة الأميركية. تلك الأطراف ستجد في الفوضى التي ستخلقها الحرب فرصتها للاستيلاء بشكل كلي على السلطة ومن ثم انهاء نظام المحاصصة لا من أجل العودة إلى السياق الوطني الذي تم استبعاده بشكل نهائي بل من أجل اعلان انتصار طائفة بعينها على الجميع وتمكين ممثلي تلك الطائفة المسلحين بتخويل من المرجعية الدينية من الحكم المطلق.

وإذا ما كانت ميليشيات صغيرة قد بدأت في العمل على ازعاج الجانب الأميركي من خلال قصف محدود وغير مؤثر للقواعد العسكرية الأميركية وشركات استخراج النفط فإن الميليشيات الكبيرة لن تتورط في أعمال من ذلك النوع بغية عدم استفزاز الجانب الأميركي. ستركز تلك الميليشيات عملها على اسقاط الطبقة السياسية الفاسدة في الوقت الذي تراه مناسبا، مكتفية بذلك من غير أن تكون طرفا في الحرب، التي تعرف أن تدخلها لن يكون مؤثرا في نتائجها.

العراقيون الذين باتوا يسمعون طبول الحرب بالرغم من أن الطرفين المعنيين بالأمر، إيران والولايات المتحدة، يؤكدان عدم الرغبة فيها صاروا يستعدون للحرب كما لو أنها قدر لا مفر منه.

وكما يبدو فإن الميليشيات هي التي تقف وراء صناعة الأجواء الملتهبة والمشحونة بالشائعات التي تتعلق باقتراب لحظة الصفر. وهي من خلال ذلك انما تهيء الشعب للقبول بما هو أسوأ. وهو ما لم تتمكن الجهات الرسمية العراقية من التصدي له وتفادي التعرض لآثاره السلبية من خلال موقف حكيم يطمئن الشعب من جهة كون العراق سوف لن يكون طرفا في تلك الحرب.

العكس تماما هو ما فعله السياسيون العراقيون وهو ما صب في مصلحة الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني والتي ستسعى إلى أن تكسب الحرب بطريقة غير متوقعة وذلك من خلال الحاق العراق بإيران بشكل كامل وهو ما لا تستطيع الولايات المتحدة معالجته في خضم حربها ضد إيران.           

سياسيو العراق الذين لم يظهروا موقفا حاسما في النأي بالنفس كانوا يظنون أنهم من خلال عدم اغضاب إيران سيكسبون رضا قادة الميليشيات الذين تعهدوا بالوقوف إلى جانب إيران إذا ما نشبت الحرب. غير أنه ظن في غير محله كما يُقال.

فإيران التي تعرف أنها الطرف الخاسر في المواجهة المباشرة كانت قد هيأت نفسها لضرب الولايات المتحدة تحت الحزام في مفاجأة صادمة، لن تبذل جهدا في صنعها بالرغم من أنها ستشكل نوعا من النصر لطرف مهزوم.
حينها ستفقد الولايات المتحدة وصايتها الجزئية على العراق وإذا ما قررت استعادة تلك فإنها ستكون مضطرة لإعلان الحرب على العراق ومن ثم إعادة احتلاله. وهو ما لا يمكن أن يحدث.

عراق ما بعد الحرب سيكون مفاجأة للجميع وبالأخص لشعبه.