عروض مسرحية في مواجهة الطغيان

"حالة طوارئ" و"الصورة" و"صديق" عروض مسرحية قدمت على مسرح مركز كلباء الثقافي في إطار الدورة السابعة لمهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة.
العرض الذي أخرجه محمد الحنطوبي حمل زخما حركيا كبيرا صاحبتها حركة إضاءة قوية جنبا إلى جنب حوار انفعالي صاخب بين الممثلين الخمسة
هناك أمل لأن هناك صديقا يمكن أن يقبل بعودة صديق دراسته وشبابه بعد أن ينظف نفسه من غرور السلطة وأوهامها

يغض المرء الطرف عن أي أخطاء في الرؤية الإخراجية المسرحية لأسباب أهمها صعوبة النصوص المختارة والتي هي لكتاب عالميين لهم تأثيرهم الخلاق في المسرح العالمي، ولأن المخرجين والممثلين والفنيين شباب يسعون بدأب واضح إلى التحقق والإضافة إلى مسيرة المسرح، فأن يقدم هؤلاء على العمل على نص كـ "الطاعون" لألبير كامو، أو "الصورة" لسيلافومير مروجيك، أو "صديق" لأدموند ساي، أو "في العربة" لآرثور آداموف، أو "تاجر البندقية" لوليم شكسبير وغيره، وأن ينجحوا في تكثيفه وتقديمه في زمن لا يتجاوز الثلاثين دقيقة دون أن يخلوا بالرسالة التي يحمها هذا النص أو ذاك، فإن ذلك يؤكد أهمية التسامح أمام بعض الأخطاء ولكن دون التفريط في المساءلة وتبيان هذه الأخطاء ومن ثم النصح والارشاد.
في ضوء ذلك يمكن أن نتوقف مع العروض المسرحية الثلاثة التي قدمت على مسرح مركز كلباء الثقافي في إطار الدورة السابعة لمهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة. ولنبدأ بعرض "حالة طوارئ" لألبير كامو وهو العرض الثاني في إطار المهرجان الذي يعالج عمل كامو "الطاعون". 
العرض الذي أخرجه محمد الحنطوبي حمل زخما حركيا كبيرا صاحبتها حركة إضاءة قوية جنبا إلى جنب حوار انفعالي صاخب بين الممثلين الخمسة، حوار صاحبته حركة غير منسجمة تماما للمجاميع ليملأ فضاء المسرح. المسرح الذي تدلت منه مشنقة تتمثل وتتجلى فيها دلالات القهر والجوع والموت، إنها ـ المشنقة ـ المعادل للطغيان الذي يمارس ضد الإنسان فيدفعه إلى مديح المشنقة، مديح الموت والكفر بالمستقبل. 

إلى أي حد يسقط الإنسان في الضياع
لا يرى للمستقبل أي تباشير أمل تلوح في الأفق

يكشف العرض إلى أي حد يسقط الإنسان في الضياع جراء الطغيان، فيتساقط عقله وجسده متمزقا تحت وطأة فقدان الإحساس بالزمن واليأس، فلا يرى في حاضره إلا الموت والجوع والعزلة ولا يرى للمستقبل أي تباشير أمل تلوح في الأفق، وعلى الرغم من أن كامو في نصه الأصلى يفتح باب الأمل إلا أن العرض لم يهتم كثيرا بذلك فمر الأمل في النجاة مرور الكرام، رمز إليه المخرج بفتاة صغيرة تأخذ بيد بطلة النص.
حالة الوعي بما يشكله الطغيان خاصة طغيان الأنظمة الشمولية لم تكن رسالة "حالة طوارئ" فقط بل امتدت للعرض التالي "الصورة" عن نص سيلافومير مروجيك وإخراج دينا بدر، الذي جاء أكثر إحكاما وتكثيفا وقبضا على رؤيته الإخراجية ورسالته، فنحن أمام إنسان تسيطر على عقله وروحه وجسده أشباح الضمير المعذب، لتتجلى عليه حالة من الظلامية والتشظي والعزلة، ويرفض أن يتخلى عنها حيث تشكل له حياة خيرا من حياة الظلام والصمت، فهذه الأشباح التي تتعارك معه يوخزه مذكرا إياه بما ارتكبه يوم قتل صديقه في مظاهرة تطالب بالتغيير، قتله تأدية للواجب الدفاع عن النظام الذي يعمل ضابطا فيه. وزوجته التي لم يؤد واجبه اتجاهها. يطارده شبح صديقه وزوجته، بينما تحاول الطبيبة أن تحصل منه على الحديث عما يعذب ضميره لكنه يرفض "العذاب أهون من الظلام والصمت". ليتحول الطغيان إلى جزء لا يتجزأ من العقل الاجتماعي والنفسي.
وسّطت المخرجة صورة كبيرة وسط المسرح لتنجح في تشكيل أشباحها التي تطارد بطل العرض، وتحقق معادلا حركيا تعبيريا انسجم تماما مع لغة الضوء ليتشاركا في بناء عملية الصورة / الوهم، حيث الانتقال الوهمي للشخصيات الثلاثة بطل العرض وشبحيه، خاصة في مشهد قتل الصديق في التظاهرة، ولقاء الزوجة ومشاهد الحديث مع الطبيبة. 
وقد لخصت المخرجة عرضها بمقولة "لم يصمد إيمانه أمام الخسارة الفادحة، فظل عالقا بين الذنب وبقايا الإيمان". وقالت إن عرضها جماعي شارك في أبطاله محمود النجار وهاني الطمباري، وأن قضيتها كانت كيف تحول الصورة لمسرحية قصيرة، وقد بدأت بالممثلين ثم عرض الصورة.
العرض الثالث "صديق" عن نص "صديق من فترة الشباب" هو التجربة الإخراجية الأولى لمخرجه محمد علي الحاجي، ويعالج علاقة صديقين فرق بينهما الزمن والقناعات، الأول ظل وفيا لقناعاته ومبادئه فانهارت علاقته الزوجية التي كانت قائمة على الحب وترك عمله كأستاذ وافتقر فلم يبق له إلا تلك المجلة التي تحمل رؤاه وأفكاره، والثاني اندفع في الحياة لتسلبه تلك القناعات والمبادئ التي كان يشارك فيها صديقه ليصبح وزيرا. يذهب الأول للقاء الثاني ليدور حوار كاشف تتخلله عملية فلاش باك لثلاثة مشاهد أساسية في حياة الأول وهي مشهد عمله بالتدريس وتعرضه للطرد ومشهد زواجه وعلاقة الصداقة.. ليخرج العرض برسالة مفادها أن هناك أملا لأن هناك صديقا يمكن أن يقبل بعودة صديق دراسته وشبابه بعد أن ينظف نفسه من غرور السلطة وأوهامها.