عزالدين البراري يحتفي بتجربة علي بلاغة في معرض تونسي

الفنان التشكيلي عزالدين البراري يستعد لتنظيم معرضه الفني الشخصي الجديد ليقدم لوحات مستوحاة من الذاكرة التونسية ويحتفي بالفنان علي بلاغة المعروف بأسلوبه الفني الخاص ومواضيعه المتصلة بالذاكرة الثقافية الشعبية.
أعمال جديدة تتضمن قبة الهواء وحفل باب سويقة والباطوار القديم وساحة العاصمة

يستعد الفنان التشكيلي صاحب التجربة المميزة مع الرسم عزالدين البراري لتنظيم معرضه الفني الشخصي في شهر ديسمبر/كانون االأول برواق الفنون دار بودربالة بالمدينة العتيقة بتونس والذي سيكون بمثابة الاهداء للفنان الراحل علي بلاغة صديقه.
ويضم المعرض الخاص عددا من اللوحات الفنية للبراري منها لوحات جديدة اشتغل فيها على أمكنة ومشاهد من تونس في مجال من الذاكرة وفق جماليات مشهدية تبرز العراقة والحنين وطابع السوسيو-ثقافي المميز لتلك الحقب والفترات التي بدت فيها وخلالها هذه المناظر والمشاهد .
هذا الى جانب لوحات فيها تذكر واستلهام تجاه تجربة الفنان الكبير الراحل علي بلاغة الذي طبع الساحة الفنية التشكيلية بخصوصيات تجربته الجمالية وهو أحد أبرز فناني تونس وأحد أبرز عناصر جماعة مدرسة تونس التي فيها نجد بوشارل والتركيين الهادي والزبير وعبدالعزيز القرجي وعمار فرحات وغيرهم.
.وقد عرف الفنان علي بلاغة بأسلوبه الفني ومواضيعه المتصلة بالذاكرة الثقافية الشعبية حيث نجد الحكاية والخرافة والموروث الشعبي بما فيه من فنطاستيكية وملحمية .

موعد مع الأصالة والعراقة والتاريخ
موعد مع الأصالة والعراقة والتاريخ

والفنان علي بالاغا (1924 -2006) نشأ بمدينة تونس وسافر إلى فرنسا لينضم الى مدرسة الفنون الجميلة بباريس وبعد انهائه للدراسة هناك انضم الى ورشة "جودون" ليتشبع أكثر بفنون الحفر الحديث ومارس عمل الخزف عند " كانيفاي " و تعلم فنون التزويق.
 سافر علي بلاغة لأجل الفن الى عدد من المدن الأوروبة والى أميركا وعدة بلدان شرقية وكذلك الصين والهند فضلا عن الجزائر والمغرب ومصر والعراق وسوريا.
 و بدأ في اقامة المعارض ليكون معرضه الشخصي سنة 1953وأدار بلاغة للصالون التونسي واتّحاد الفنّانين التشكيليين التونسيين الذي ساهم في تأسيسه ونشط مع قناني مدرسة تونس.
الفنان التشكيلي عزالدين البراري يكرم علي بلاغة في هذا المعرض وهذا ضرب من الوفاء حيث كانت هناك علاقة فنية وانسانية بين علي بلاغة والبراري الذي تعرف اليه وهو في بداياته وفي مرحلة الهواية.
 ليعجب فيما بعد بلاغة بعمل وأسلوب عزالدين البراري وليقدمه الى الساحة التشكيلية مؤمنا بفنه وتجربته.
والبراري يتواصل مع هذا الوفاء تجاه بلاغة ليكرمه في هذا المعرض بالنظر لتجربته المميزة جماليا وفنيا وأثره في تجربة مدرسة تونس والمشهد التشكيلي التونسي والعربي.
اللوحات الفنية الجديدة للبراري فيها اشتغال جمالي على مشاهد بما فيها من حيوية وذلك وفق نظرة متجددة من حيث تخيل وتصور الفنان.. لوحة "قبة الهواء" بالمرسى وفترة السبعينيات حيث حفلات الفنان علي الرياحي والما قبل السهرة من تفاصيل لونت فكرة الفنان وهو يستذكر المكان والأحوال..

اثراء المشهد التشكيلي التونسي والعربي
اثراء المشهد التشكيلي التونسي والعربي

كذلك لوحة الاحتفال في بطحاء باب سويقة عند مدخل نهج القعادين والبهجة في الوجوه والمعمار بجماله.
ولوحة المسلخ البلدي (الباطوار) حيث كانت تباع الخرفان فترة العيد وتعدد الصور داخل اللوحة بما يجعل منها وحدة جمالية متكاملة وممتعة لونيا وبصريا  هذا المكان المعلم القديم الذي صار الآن المأوى للسيارات والعربات و الدراجات بأنواعها المحجوزة .
لوحة أخرى في هذا المعرض في حركية يومية وحديثة بين الكاتدرائية وسفارة فرنسا بتونس وتمثال العلامة عبدالرحمان ابن خلدون ومرور عربات مترو تونس والمارون من هناك من الناس كل ذلك وفق ما يستبطنه الفنان البراري من نظرات للأشياء والأمكنة وحالاتها الشتى.
.لوحات أخرى سابقة للفنان البراري في هذا المعرض عرف بها في معارضه السابقة بصالونات اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين ومعارضه الخاصة تجمع بينها أسلوب ونظرة يعمل ضمنهما البراري من سنوات.
والأعمال السابقة للفنان البراري التي ينجزها في مرسمه بمقر سكناه بحي عريق من ضواحي تونس وقريبا من باب سيدي قاسم الجليزي ورأس الدرب والمركاض وسيدي محرز والقشاشين وجامع الزيتونة المعمور والمدينة العتيقة لتونس.. يعيش البراري في المكان الذي هو أشبه بالخلوة للفنان.. في المرسم رفوف مكتبة وكتب ومخطوطات و صحف ومجلات وفي الوسط تجلس اللوحات بمختلف أحجامها وألوانها ومواضعها ولكن يجمع بينها عطر الرسام عزالدين البراري الذي هو العنوان الكبير لهذه الشواسع الفنية.
يرقب لوحاته بحنان هائل هو كل ما يملكه الفنان المحب لفنه ولاشتغالاته التشكيلية.
هذه المرة من ضمن اللوحات كانت هناك لوحات كبيرة الأحجام وهي على غاية من الجمال بحيث تكشف جانبا من تعب الرسام لانجازها ولكنه تعب لذيذ كما يقول فالرسام البراري ينكب على انجاز لوحته بكثيرمن المتعة و"الكيف " فالعمل الفني لديه هو هذه العشرة الجميلة مع اللوحة لأنه يشتغل بصبر وتركيز على الأجزاء والجزئيات وملامح التفاصيل من ذلك الوجوه في حفل ما أو مناسبة ما.
هذا ما وجدناه في مرسم الفنان وهو يعمل للاعداد لمعرض من معارضه الخاصة ..وهو فنان مقل في المعارض الخاصة والجماعية وهذا وفق قناعة لديه حتى يحافظ على لونه الفني وأعماله دون السقوط في لعبة استسهال العلاقة بالجمهور والأروقة.
انها البراءة في أدراج الذاكرة حيث القماشة ملاذا وينابيع تقول بالسؤال الدفين..هل يمحو الزمن الألوان والكلمات..نعم السؤال مربك ولكن الوقوف بين المشهد والقماشة أشد ارباكا بمعنى الفن تجاه اليومي الحارق والمحير ...ومن الحيرة والحرقة يلج الرسام ورشة الأمل حيث الصمت النادر في حضرة العبارة اللونية وهي تبتكر لحظتها..ان النظر الى ما حولنا والتحاور معه ليس أمرا هينا وبسيطا حيث الأخذ بالتفاصيل والعناصر والأشياء وفق معايير الحميمي والوجداني والانساني والثقافي.
عموما ها ان الرسام يمضي عبر المعنى في تمجيد المشهدية بروحه المرحة والخفيفة ليبتكر لنا المتعة الأخرى بشأن ما تزخر به الحياة التونسية قديما وحديثا من عادات و تقاليد ومناسبات ليبرز ذاك الكم من المشاهد والحالات والأحداث في ضرب من القول بالثراء وبالامتلاء .. الأسواق والأنهج والمحلات والباعة بالعربات والحرف من دعك الطين لصنع الكانون الى دبوس الغول الى العولة الى بائع الخضر و السراج بالسراجين و بائع المثلجات "الفريقولو " و نهج الباشة والعازفة والحنة والكحل وتربة الباي الى البلكون وبوقرنين والطبيعة الجامدة...
كون من الاحاطة التشكيلية والجمالية باتجاه ما هو كامن فينا من تلوينات الحياة الزاخرة بالأصوات  بالشجن..وبالذاكرة..الدخول الى عالم الفنان عزالدين البراري هو ضرب من المثول أمام مرآة الذات التي تمنحنا حيزا من الدفء في هذا البرد الكوني المريع.. مشاهد و صور من وصف الحالة التونسية ضمن الأهمية القصوى لهذه الخصائص والمميزات في التراث الثقافي التونسي.
فنان يعمل ولا يعنيه غير المضي أكثر في تجربته وعطائه للفن ..غزير الأعمال يمشي في المدن والأحياء بفكرة الفنان وطموح الأطفال ويمشي فتمشي معه اللوحات بألوانها وناسها وحكاياتها وما ينبض فيها وبها .