عزالدين البراري يستعيد التراث العربي الإسلامي في 'تونس الجميلة'

التشكيلي التونسي يأخذنا طوعا وكرها في معرضه الجديد إلى مشاهد من سحر وفتنة ليضعنا في حضرة الفن وهو يبث جماله قتلا للآلي والروتيني وكل ما هو فينا من جمود.

ضمن تجربته الفنية التشكيلية ومعارضه الخاصة والجماعية يقدم الفنان التشكيلي التونسي عزالدين البراري معرضه الخاص وذلك بفضاءات العروض الفنية بالنادي الثقافي الطاهر الحداد بالمدينة العتيقة بتونس بداية من يوم 31 مارس/آذار 2023 ضمن عنوان لافت هو ""تونس الجميلة"" وفيه عدد من الأعمال الفنية التي تشير إلى عراقة المشاهد والأحياء التونسية من باب الجديد إلى باب سويقة.

كما يشارك البراري بعمل فتي ضمن نشاط الشهر السنوي للفنون لاتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين بقصر خير الدين... تجربة ولوحات وعمل متواصل لعقود... كاللمعان تبرز البهجة مبثوثة في القماشة حيث الذاكرة مفردة جمالية تبعث الفرح المزركش في التفاصيل والأشياء، فكأن اللوحة مهرجان مفتوح على المشرق فينا من ماض وعادات ومناسبات وتواريخ مفعمة بالنشيد.. النشيد الماثل في المكان بل الأمكنة.. هذه الأمكنة بدلالاتها الحضارية والتاريخية.

وهكذا.. فإن السفر في هكذا عوالم هو ضرب من الاستعادة تجاه الجميل والمزهو بذاته خاصة في أيام الناس هذه التي تسعى العولمة إلى طمس المشرق والخاص وما يشير إلى التفرد والاختلاف والتميز لكي تستوي الألوان والثقافات كالقطيع المعنون بالفن المهيمن.

ومن هنا يقف الفنان شاهرا فكرته الفنية قولا بالجمال المخصوص وبالخصوصية وبالتراث العريق الملهم للفنان في عنفوان لحظاته الراهنة.. في عصره المتحول وفي هذا الكم من التجارب والتقنيات والتيارات.

باختصار.. الفنان التشكيلي عزالدين البراري الذي يشتغل هنا في هذه السياقات التشكيلية ظل على نهجه يبتكر ضمنه وفيه وبه تجدده مع اللون في لعبة الرسم الباذخة، حيث الفن لديه هذا الذهاب عميقا في قول الأنا بصفاء نادر تخيره من ألوانه وتفاصيل حكاية الريشة مع القماشة كل ذلك وفق سرد رائق وحكايات مفعمة بالحميمية والحنين والحب.

اللوحة هي بمثابة حكاية من حكايات الجدة وهنا نلمس هذه البراعة في ملاءمة التشكيل مع ما هو أدبي ثقافي سوسيولوجي.. الحكاية في اللوحة كمعطى في الحقل الثقافي الاجتماعي وفي راهن متحرك ومغاير.

العمل التشكيلي للرسام عزالدين البراري برز فيه وفاؤه لنهجه الفني.. في مرسمه بمقر سكناه بحي عريق من ضواحي تونس وقريبا من باب سيدي قاسم الجليزي ورأس الدرب والمركاض وسيدي محرز والقشاشين وجامع الزيتونة المعمور والمدينة العتيقة لتونس.

معرض ولوحات كبيرة الأحجام حيث تتحول القماشة إلى ركح تظهر عليه شخصياته بتفاصيل وجوهها ودقة تلوينات ملابسها ومختلف الأشياء الأخرى كالأثاث وهنا تبرز البهجة في تقاسيم الوجوه ولون السفساري ولعب الأطفال وسوق سيدي محرز والقباب وبائع القفاف والحلفاء والمكنسات والحبال وبائع الحشائش والمقهى وهيئات الجلوس واللباس التقليدي التونسي الأصيل من جبة وكدرون وفرملة وسفساري وبلغة.

لوحة
الكثير من البساطة والعمق

كل ذلك يشكل حكاية كبيرة في اللوحة... هي من تلوينات التراث العربي الإسلامي بتونس.. جماليات فائقة فيها الكثير من البساطة والعمق منها حفلة العرس بجبل السرج وأفراح العيد ببطحاء باب سويقة والعيد الكبير والاستعداد له بتربة الباي...وغير ذلك.

الدخول إلى عالم الفنان عزالدين البراري هو ضرب من المثول أمام مرآة الذات التي تمنحنا حيزا من الدفء في هذا البرد الكوني المريع.. مشاهد وصور من وصف حالتنا التونسية ضمن الأهمية القصوى لهذه الخصائص والمميزات في تراثنا الثقافي التونسي.

الفنان التشكيلي البراري يأخذنا طوعا وكرها إلى مشاهد من سحر وفتنة ليضعنا في حضرة الفن وهو يبث جماله قتلا للآلي والروتيني وكل ما هو فينا من جمود وكسل نحتا للقيمة ونشدانا للثراء الوجداني.

فنان يعمل ولا يعنيه غير المضي أكثر في تجربته وعطائه للفن.. غزير الأعمال يمشي في المدن والأحياء بفكرة الفنان وطموح الأطفال ويمشي فتمشي معه اللوحات بألوانها وناسها وحكاياتها وما ينبض فيها وبها... كل ذلك وعزالدين البراري لا يلوي على غير الذهاب أكثر مع اللون والحالة... نعم إن الفن أيضا ذهاب آخر باتجاه.... الأعماق والينابيع.