عشرون عاما من الفصل العنصري الاسرائيلي تحت أنظار العالم
القدس – قبل عشرين عاما، بدأت اسرائيل في تشييد اكثر مشاريع هذا القرن عنصرية بتطويق وعزل نحو ربع مساحة فلسطين التاريخية وتحويلها الى سجون يصعب العيش فيها وأحيانا يكاد يستحيل.
والهدف المعلن من تشييد الجدار الذي تصفه حكومة الاحتلال بالحاجز الأمني، هو منع الفلسطينيين من الوصول إلى داخل الخط الأخضر وتنفيذ عمليات مقاومة مسلحة، خصوصاً بعد أن زادت وتيرة تلك العمليات خلال الانتفاضة الثانية، وهو هدف اخفق الى الان في تحقيقه.
في يونيو/حزيران 2002 شرعت إسرائيل ببناء جدار الضم والتوسع العنصري، حيث يمتد من شمال الضفة الغربية لجنوبها، وأقيم منه نحو 600 كيلومتر من أصل أكثر من 715 كيلومترا يخطط الاحتلال لبنائها.
ويتخذ الجدار شكل "الأفعى المتعرجة"، وهو يقضم الكم الأكبر من الأرض. ويمتد بين مساحات تضيق إلى 60 مترا وتتسع إلى 150 مترا في محيطه من الجانبين، وبارتفاع يصل إلى 9 أمتار من الأسمنت. بينما يتخذ في بعض المناطق شكل السياج الإلكتروني الشائك الذي يجري الاستغناء عنه بالبناء الأسمنتي لاحقا.
ويعزل الجدار 190 قرية وبلدة وتجمعا سكانيا بينها 40 تجمعا معزولة بالكامل، وتُعرف بـ"قرى التماس" مع "الخط الأخضر" (خط الهدنة الفاصل بين حدود فلسطين المحتلة عام 1948 والمناطق المحتلة عام 1967).
وتقدّر مساحة ما عزلته إسرائيل وتخطط لعزله وضمه عبر جدارها العنصري بـ560 ألف دونم (الدونم= ألف متر مربع) من أراضي الضفة الغربية المقدرة بـ5654 كيلومترا مربعا، والتي تساوي 22 بالمئة من مساحة فلسطين التاريخية.
ويمتد الجدار حول البلدات والقرى المعزولة، بمسافات مختلفة؛ فحول القدس وضواحيها يصل امتداده إلى 96 كيلومترا، وفي الخليل 64 كيلومترا، وبيت لحم 25 كيلومترا، ورام الله بنحو 9 كيلومترات وفي سلفيت 27 كيلومترا، وفي قلقيلية وطولكرم وجنين يمتد على مسافة 58 كيلومترا لكل منطقة، حيث تقع هذه المناطق على خطوط التماس مع الخط الأخضر.
في أريحا، جنوب شرق الضفة، لم يبنِ الاحتلال الجدار، لكنه قطعها بشبكة عميقة من الطرق الالتفافية المخصصة للمستوطنين والتي حولتها لمدينة معزولة. وهناك أيضا صادر 140 كيلومترا مربعا من المياه الإقليمية بالبحر الميت، وسيطر على 160 كيلومترا من الحدود الفلسطينية مع الأردن.
وفي عام 2004 اتخذت محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة قرارا استشاريا، يقضي بإدانته وتجريمه.
من اين بدأت الفكرة؟
منذ تأسست دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، كان هناك ما يعرف باسم الخط الأخضر أو خط التقسيم بين الدولة العبرية وفلسطين، وهو الخط الذي لم تحترمه إسرائيل واحتلت جميع الأراضي الفلسطينية خلال حرب 1967، ثم تأسست السلطة الفلسطينية بناء على اتفاقيات أوسلو والتي كان من المفترض أن تؤدي إلى قيام الدولة الفلسطينية على أراضي قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، على حدود الخط الأخضر لعام 1948، لكن بالطبع لم يحدث ذلك ولم تلتزم إسرائيل بأي من تلك التعهدات، واضطرت فقط للانسحاب من قطاع غزة بعد أن وجدت استحالة في استمرار احتلالها له.
وفي التسعينات من القرن الماضي، وتحديداً عام 1994، كان رئيس وزراء إسرائيل الأسبق إسحاق رابين، الذي تم اغتياله على أيدي متطرف يهودي، أول من أثار فكرة إقامة جدار فاصل بين دولة الاحتلال وبين الفلسطينيين، لكن رابين لم يكن يتحدث بالطبع عن أن يكون الجدار على امتداد الخط الأخضر، لكنه كان يقترح جداراً ملتوياً بحيث تقع القدس الشرقية وبعض مناطق الضفة الغربية داخله وباقي الأراضي الفلسطينية خارجه.
تجد فكرة رابين وقتها إجماعاً بين الساسة الإسرائيليين، وبخاصة من جانب حزب الليكود اليميني، على اعتبار أنهم يريدون مواصلة احتلال جميع أراضي فلسطين بالكامل. لكن خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، التي اندلعت عام 2000، وجدت فكرة بناء جدار عازل صدى جديداً، خصوصاً مع ارتفاع وتيرة العمليات المسلحة للمقاومة الفلسطينية خلف الخط الأخضر أو داخل ما بات يعرف بالعمق الإسرائيلي.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2000، وخلال مفاوضات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، أعلن رئيس الوزراء إيهود أولمرت عن بدء تشييد جدار عازل بطول 74 كلم، لكن لم يبدأ العمل فعلياً حتى يونيو/حزيران 2002 خلال حكومة إرييل شارون، التي وافقت بشكل نهائي على بناء الجدار العازل.
سجون كبيرة ومعاناة يومية
ومدينة قلقيلْيَة شمال الضفة الغربية، والواقعة على خط الهدنة (حدود 1948)، واحدة من قرى حولها الجدار إلى سجن كبير، غير أن آثاره ما تزال حاضرة في كل تفاصيل الحياة.
ويرى الفلسطينيون، أن الجدار الإسرائيلي يخنقهم، ويسرق جُلّ أراضيهم، وحوّلها إلى سجن، محاط بجدار أسمنتي وأسلاك شائكة.
ويحيط قلقيلية جدار بطول 11 كيلومترا، منها 3 كيلومترات مشيدة من الأسمنت المسلح بارتفاع 8 أمتار، ومزود بأبراج عسكرية وكاميرات مراقبة، و9 كيلومترات من الأسلاك الشائكة، والمزودة بمجسات إليكترونية.
وبعد بناء الجدار، أبقت إسرائيل مدخلا واحدا فقط للمدينة، من أصل خمسة، ويتحكم فيه الجيش الإسرائيلي.
وأظهرت صور جوية عبر طائرة تصوير مُسيّرة، أعمال تجريف إسرائيلية وبناء شبكة طرق في الجهة الغربية من الجدار، حيث أراضي المدينة المصادرة.
كما أظهرت صورا لأراضي زراعية خصبة، غير أن الوصول إليها صعب للغاية، بحسب مزارعين تحدثوا لوكالة الأناضول.
وبعد 20 عاما من بناء الجدار، يقول المزارع الفلسطيني علي زيد (55 عاما)، إن الجدار حوّل حياته إلى "معاناة دائمة ويومية"، حيث يملك نحو 50 دونما (الدونم يعادل ألف متر مربع)، خلف الجدار.
وأضاف بينما يقف بجوار إحدى بوابات الجدار الفاصل قبيل دخوله إلى أرضه: "قبل الجدار كنت أصل المزرعة خلال دقائق معدودة، اليوم أحتاج نحو الساعة".
ولفت إلى أن السلطات الإسرائيلية فرضت عليه الحصول على تصاريح خاصة لدخول أرضه.
وقال "مُنعت من دخول الأرض لمدة 3 سنوات بدواعي الرفض الأمني، وبعد معركة قانونية سُمح لي بالحصول على تصاريح".
ويزرع زيد في أرضه، حاليا، الحمضيات والمانجا، والأفوكادو، بينما كان يزرعها في السابق بالخضروات.
وأرجع تغيير نوع المزروعات إلى طبيعة الإجراءات الإسرائيلية، وعرقلة الدخول والخروج للمزرعة بسهولة.
ويضيف موضحا "تتطلب الخضروات الوصول السريع للأسواق، في وقت محدد ولا يمكنها الانتظار".
وتابع: "مزارعنا جنّة، لكنّ حياتنا تحولت بفعل الجدار إلى جحيم".
وتعتبر قلقيلْيَة مدينة زراعية، لخصوبة أراضيها، ووفرة المياه فيها.
واتجه المزارعون في قلقيلية في السنوات العشر الأخيرة، إلى زراعة أشجار استوائية، حيث تمتاز المدينة بأجواء حارة ونسبة رطوبة مرتفعة لقربها من الساحل، ووفرة مياهها.
سرقة مياه وأراضي ومكره صحية
واتهمت عضو بلدية قلقيلية، منى عفانة، السلطات الإسرائيلية بسرقة أراضي المدينة ومياهها، وخلق مكرهة صحية، بفعل الجدار الفاصل.
وقالت عفانة إن "السلطات الإسرائيلية عزلت خلف الجدار الفاصل 5 آبار مياه ارتوازية، من أصل 42 بئرا يملكها أهالي قلقيلية، وتقوم باستغلالها لمشاريع استيطانية، مما يُشكّل خرقا فاضحا للقانون الدولي".
وأشارت إلى أن نحو 2500 دونم، من أخصب أراضي المدينة الزراعية، تمت مصادرتها خلف الجدار.
وتسبب الجدار في تدمير 600 منشأة حرفية وتجارية وزراعية، بحسب عفانة.
وأشارت عضو البلدية، إلى أن الجدار تسبب بمكرهة صحية في المدينة، حيث يمنع الجدار الأسمنتي والمُشيد من الجهة الغربية، تصريف مياه الأمطار، التي تتدفق مع مياه الصرف الصحي، وتُغرق المساكن والأراضي الزراعية والمدارس.
وقالت "في فصل الشتاء تغرق المدينة، بفعل تجمع مياه الأمطار ومياه الصرف الصحي، حيث خُصصت فتحتين فقط في الجدار لهذا الشأن.
وتابعت "بقاء الجدار… يعني بقاء المعاناة".
ويسكن مدينة قلقيلية نحو 65 ألف مواطن، في مساحة 4 آلاف دونم.
وبيّنت عفانة أن الكثافة السكانية في قلقيلية، تُعد عالية جدا، بواقع 15 ألف نسمة للكيلو متر الواحد.
وأشارت إلى أن ضيق المساحة، تسبب بعدم القدرة على التوسع العمراني، مما دفع للتوجه للبناء العامودي.
يذكر ان وزارة الأمن وجيش الاحتلال الإسرائيلي بدأت، الأربعاء الماضي، إقامة مقطع في جدار الفصل العنصري في شمال الضفة الغربية بطول 45 كيلومترا. ويمتد هذا المقطع من منطقة قرية سالم إلى منطقة مدينة طولكرم، ويرتفع الجدار فيه إلى تسعة أمتار.
وسيحل هذا المقطع مكان مقطع آخر في جدار الفصل العنصري، تم بناؤه قبل نحو عشرين عاما.
ويشمل هذا المقطع من الجدار تحصينات ووسائل إلكترونية، وفق ما ذكر موقع صحيفة "هآرتس" الإلكتروني. وجرت المصادقة، في نيسان/أبريل الماضي، على ميزانية بمبلغ 360 مليون شيكل لتمويل بنائه.