علي الشاطر يرحل... ومعه الزمن اليمني الجميل

علي الشاطر قبل أن يكون عسكريا، رجل اعلام وعلاقات عامة وصديق للفنانين والشعراء والأدباء.

غيب الموت قبل ايّام اللواء علي الشاطر. مع رحيل علي الشاطر، الضابط العصامي الذي لا ينتمي إلى قبيلة مهمّة أو اسرة غنيّة، يرحل الزمن اليمني الجميل الذي قضى عليه الإخوان المسلمون ثمّ الحوثيون (جماعة انصار الله). كانت صنعاء في ذلك الزمن، زمن ما قبل العام 2011، مدينة تحلو زيارتها ويحلو التعرف إلى أهلها المسالمين المنفتحين على كلّ ما هو حضاري في هذا العالم الذي كان اليمن، وصنعاء تحديدا، جزءا منه.

بين اجمل الأماكن التي كانت تستهوي زائر صنعاء مجلس علي الشاطر مدير دائرة التوجيه المعنوي في الجيش اليمني الذي كان، قبل أن يكون عسكريا، رجل اعلام وعلاقات عامة وصديق للفنانين والشعراء والأدباء. كان مجلسه يجمع شخصيات من مشارب مختلفة ومجموعة من ذوي المواهب الفنّية، لكنّ الحوار في داخل المجلس كان دائما من النوع الراقي المتميّز.

لم يكن علي الشاطر، أو "الشاطر علي"، علي كما يسميه عدد من اصدقائه، سوى رمز لهذا الزمن الجميل الذي عرف كيف يكون من أبرز المروجين له والعاملين من أجله. بقي علي الشاطر رمزا للزمن اليمني الجميل على الرغم من كلّ الظلم الذي تعرّض له. توج هذا الظلم بالحملة التي شنها الحوثيون عليه بعد وضع يدهم على صنعاء في 21 أيلول – سبتمبر 2014 وبعد اغتيال علي عبدالله صالح في الرابع من كانون الأوّل – ديسمبر 2017 حين فرضت عليه الإقامة الجبرية، كما تعرّض لضغوط شديدة أنهكت جسده. نقل أخيرا إلى عمان كي يعالج في احد مستشفياتها ولكن بعد فوات الأوان.

لم يأخذ الحوثيون في الإعتبار أن علي الشاطر لم يؤذ مخلوقا في حياته. على العكس من ذلك، وقف في مرات عدّة في وجه علي عبدالله صالح وقال كلمة لا امامه عندما وجد أنّه يرتكب، من وجهة نظره، خطأ في حقّ شخص ما. وصل به الأمر إلى حدّ الإعتراض على احتجاز أحد الوجوه الحوثية النافذة التي ارتبطت بعلاقات ذات طابع مالي مع رجال الحلقة المحيطة بالرئيس اليمني الراحل الذي تميّزت تصرفاته في السنوات الأخيرة من عهده بكثير من المزاجيّة في أحيان كثيرة.

لعب علي الشاطر ادوارا مهمّة في اليمن قبل تولي علي عبدالله صالح موقع الرئاسة في مثل هذه الأيّام من العام 1978 إثر إغتيال سلفه احمد الغشمي بواسطة حقيبة مليئة بالمتفجرات جاء بها إليه مبعوث من اليمن الجنوبي الذي كان دولة مستقلة عاصمتها عدن. كان علي الشاطر، وقتذاك، على الرغم من صغر سنّه، مديرا لمكتب الغشمي وقد جلس المبعوث الجنوبي عنده قبل دخوله مكتب الرئيس اليمني. غيّرت الحقيبة المتفجرة، التي قتلت الغشمي، الكثير في الشمال والجنوب. في الجنوب استغلت جهات معيّنة في عدن اغتيال الغشمي، بواسطة مبعوث رئاسي جنوبي، للتخلّص من الرئيس سالم ربيع علي (سالمين). مهّد ذلك لمزيد من التعزيز للنفوذ السوفياتي في اليمن الجنوبي. في الشمال، مهّد اغتيال الغشمي، الذي لم تكن لعلي الشاطر علاقة به، تولي علي عبدالله صالح الرئاسة طوال 33 عاما.

كان علي الشاطر رجل حوار. كان منفتحا على الجميع، بما في ذلك ألدّ أعداء علي عبدالله صالح. لم يتوقف عن لعب دوره حتّى في الأيّام التي كان الرئيس اليمني يغضب عليه لسبب أو لآخر، من دون مبرّر في معظم الأحيان.

دفع علي الشاطر، الذي توفّى بعد أيام قليلة من خروجه من صنعاء إلى عمان كي يخضع لعلاج من مرض خبيث، غاليا ثمن وقوفه إلى جانب الرئيس الراحل. فالعلاقة بينهما بقيت عميقة على الرغم من كل ما شابها من تقلبات. كانت عميقة إلى درجة أن علي عبدالله صالح اكتفى دائما بإظهار غضبه، عن طريق رفع صوته، من دون أن يذهب إلى أبعد من ذلك.

لعب علي الشاطر، الذي بقي وفيّا للرئيس الراحل، دورا محوريا في كلّ ما له علاقة بالإعلام منذ تولي علي عبدالله صالح الرئاسة في تمّوز – يوليو 1978. كان منزله ومكتبه في دائرة التوجيه المعنوي بمثابة المطبخ الإعلامي لعلي عبدالله صالح. ظهر ذلك بوضوح في حرب صيف العام 1994 التي تواجه فيها الرئيس الراحل مع الحزب الإشتراكي اليمني الذي أراد العودة عن تجربة الوحدة التي تحققت في 22 أيّار – مايو 1990.

كان من بين الأدوار التي لعبها علي الشاطر السعي إلى حماية علي عبدالله صالح عن طريق تلميع صورته من جهة والحدّ من آثار نوبات غضبه على المحيطين به من جهة أخرى. جعله ذلك يقيم مكتبا خاصا لنائب الرئيس عبدربّه منصور هادي في حرم دائرة التوجيه المعنوي، وسط صنعاء، كي يكون عبدربّه في منأى عن نظر علي عبدالله صالح عندما تدعو الحاجة إلى ذلك. عندما صار عبدربّه رئيسا في شباط – فبراير 2012، كافأ علي الشاطر بأن صار يمتنع عن الردّ على مكالماته!

في مرحلة لاحقة، لم يجد علي عبدالله صالح، عندما حاصر الحوثيون بيته في صنعاء في الشهور الأخيرة من العام 2017 وبعد اجراء جراحة في عينه اليسرى على يد أطباء روس من يجري معه مقابلة تلفزيونية. لم يكن هناك غير علي الشاطر الذي تحولّ إلى مقدّم برامج تلفزيونية. زاد ذلك من حقد الحوثيين على الرجل... الذي اختفى في مرحلة معيّنة عن الأنظار قبل السماح له بالعودة إلى منزله في صنعاء الذي تحوّل إلى شبه قفص ذهبي بالنسبة إليه.

لم تفقد صنعاء علي الشاطر وحده. فقدت المدينة مع وجود الحوثيين فيها وسيطرتهم على مرافقها كلّ محاولة لتحسين صورتها واللحاق بالتقدم والتطور بدل السقوط في غياهب التخلّف على كل المستويات. لم يعد معروفا هل ستخرج من التخلف يوما وتعود مدينة لجميع اليمنيين كما كانت في تلك الأيّام الذي كان رواد مجلس علي الشاطر يسمعون فيها طربا وشعرا وكلاما سياسيا عميقا.