عمائم وصواريخ وشعوب رثة

أحوال إيران والعراق والضاحية الجنوبية لبيروت وغزة تجسيد لما يمكن أن "يحققه" الإسلام السياسي.

لو تصفحنا أدبيات الأحزاب الدينية (الإسلامية) لما وجدنا ذكرا للحياة، كونها هدفا يستحق أن يجاهد من أجله الإنسان.

الحياة في تلك الأدبيات هي حدث تحيط به الشبهات. وهو ما يجب على الإنسان أن يقاومه ويسعى إلى تطهير نفسه من غواياته.

وهنا ينبغي أن نفصل ما بين الدين وبين الأحزاب التي تدعي تمثيله والعمل بقيمه وإن كانت تلك الأحزاب قد التقطت بعض أفكارها من مبادئ دينية جرى تقطيعها وتفصيلها بما يلائم أهدافا سياسية، سيكون من اليسير التعرف عليها من خلال القاء نظرة فاحصة على أداء الأحزاب في واقعها.

لن تكون غزة بعيدة. لن تكون الضاحية الجنوبية ببيروت هي الأخرى بعيدة. اما العراق فإنه المثال الأبرز لما يمكن أن تفعله الأحزاب الدينية وهي تدمر مفهوم الحياة لتصل ببلد ثري إلى الحضيض من جهة انتشار الفقر والجهل والمرض والفساد والتخلف وانهيار القيم.

مشكلة الإسلاميين الحقيقية تكمن في ما يحيط بهم من سوء فهم. وهم يستفيدون من ذلك حيث يستثمرونه لصالحهم. فهم على سبيل المثال لا يعدون بتطوير التعليم أو العناية به وهم أيضا لا يمنون الناس بمعالجة مشكلة الفقر. أما أن يتوقع الفقراء منهم ذلك فتلك ليست مشكلتهم.

المعجبون بإيران لأسباب طائفية يتغنون بتطورها العلمي وهي في حقيقتها دولة وضعت العلم في خدمة برنامج لإنتاج الصواريخ وتطويرها.

كل ما قدمته إيران في مسارها العلمي عبر أربعين سنة من حكم العمائم لا يتجاوز انجاز منشأة صغيرة من منشآت الغرب الذي يغذي مختلف انحاء العالم ومنها إيران بكل أسباب الحياة والديمومة.

ما فعلته العمائم بإيران يمثل بالنسبة للأحزاب والحركات الدينية النموذج الأرقى لما يمكن أن تفعله بالدول لو تسنى لها حكمها. وهناك في المقابل نموذج طالبان الذي لا تخفي تلك الأحزاب والحركات اعجابها به.

العمائم في كلا الطرفين لا تملك معنى للحياة سوى الحرب. وهي لا تعد بشيء سوى الموت المقصود لذاته تمهيدا لحياة، يعيشها الإنسان في الجانب الآخر الذي لا يعرف عنه أحد شيئا إلا ما روته العمائم من حكايات.

لقد قدمت تلك الأحزاب صورة قبيحة عن الإسلام. فهو من خلال ما فعلته لا يتبنى سعادة وراحة واطمئنان الإنسان هدفا ولا يرى فيه إلا وسيلة لتحقيق أهدافها في الوصول إلى السلطة ومن ثم استعباده.

الأحزاب الدينية لا تضع نفسها في خدمة المواطن. فهي لا تعترف به ولا بمواطنته التي تستخف بها كونها اختراعا غربيا. وهي وإن كانت لا تؤمن بحكم الإنسان ذلك لأن الحكم لله فإنها تسعى الى الحكم لتمارس من خلاله فنون فسادها، كما فعل حزب الدعوة في العراق.          

وإذا ما كان الاسلاميون يسعون إلى نوع من الشراكة في الحكم كما تأمل حركة النهضة بتونس فإنهم في حقيقتهم لا يؤمنون بأية شراكة. ذلك لأنهم لا يقيمون اعتبارا لما يسمونه بـ"الأحزاب الوضعية" مثلما لا يؤمنون بـ"القوانين الوضعية" وبـ"الدولة" التي لا يقرون بوجودها، ذلك لأنها أقيمت على أساس مفهوم أوروبي حديث.

خلاصة الأمر أن الأحزاب الدينية انما تضع "هدم الحياة" هدفا لها وهي إذ تتغنى بالصواريخ الإيرانية فلأنها تدرك أن الثروات التي أنفقت على تلك الصناعة المهلكة تركت شعبا يعيش وضعا رثاً.  

العمائم الإيرانية والافغانية هي التي تمثل واقعيا الأحزاب والحركات الإسلامية من مثل جماعة الاخوان المسلمين وحزب الله في لبنان وحزب الدعوة في العراق.

لقد صنعت تلك العمائم النموذج الرسمي لما يمكن أن يصل إليه الإسلام السياسي من كيان لدولة تعادي المجتمع الدولي بسبب تعذر اعترافها بقيمه السياسية. دولة العمائم لا تعترف بالدولة.