"عمّاتي الثلاث" تكشف عمق المأساة السورية

العمّات الثلاث في رواية أسماء معيكل أشبه بالمرايا المتقابلة اللواتي تعكس أطيافا للأحداث بحسب طباع كل عمة، وطبقا لمزاجها.
رواية العمات مرّت من خلال موشور عين الراوية التي تنصرف للبحث في الأرشيف العثماني في إسطنبول
مسار الرواية ينحرف لتتحول إلى سيرة غيرية لجد البطلة الحاج عبدالهادي الباشا الملقب بالحجّي الذي حارب مع الأتراك في السفر برلك

اعتمدت أسماء معيكل في روايتها الجديدة "عماتي الثلاث" الصادرة في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر على بنية سردية تقوم على تقابل الشخصيات، فالعمّات الثلاث هن أشبه بالمرايا المتقابلة اللواتي تعكس أطيافا للأحداث بحسب طباع كل عمة، وطبقا لمزاجها، ومن خلاصة ما يجتمع على سطوح تلك المرايا الثلاث تنبثق أحداث الرواية التي تستعيد حقبة زاهية من تاريخ سوريا قبل أن تعصف بها أحداث الحرب الأهلية التي اجتذبت إليها أطرافا عديدة تورّطت في اقتراف إبادة شبه جماعية للشعب السوري الذي تشرّد بين المنافي، ونزح بين المدن، ولاقى الذل والهوان على يد نظام أسرف في التنكيل به.
ومع أن رواية العمات لتجاربهن مرّت من خلال موشور عين الراوية التي تنصرف للبحث في الأرشيف العثماني في إسطنبول فإن خصوصية رواية واحدة من العمات الثلاث لتجربة حياتها احتفظت بطابعها الخاص، ولكن مسارب التجارب الثلاث صبّ في نهاية المطاف برؤية شاملة عبرت عنها رؤية البطلة التي وجدت نفسها تعيش تجارب عماتها أكثر من عيشها في مدينة كوزموبوليتانية مثل إسطنبول. 
وعلى الرغم من ذلك يخيل لقارئ "عمّاتي الثلاث" أنها سيرة ذاتية روائية لبطلة الرواية الشابة داملا، وسرعان ما ينكسر أفق توقعه، إذ ينحرف مسار الرواية لتتحول إلى سيرة غيرية لجد البطلة الحاج عبدالهادي الباشا الملقب بالحجّي الذي حارب مع الأتراك في السفر برلك، وفي الوقت الذي يعتقد فيه القارئ أن الأمر سيسير على هذا النحو في تتبع مسار حياة الباشا ينكسر أفق توقع القارئ مرة أخرى حينما تولد من رحم سيرة الحجّي عبدالهادي سير بناته الثلاث رحيمة وحكيمة وكريمة عمّات البطلة، اللواتي تشاركن في ممارسة دور الأمومة تجاه البطلة داملا، وبهذا تعتمد الروائية أسماء معيكل تقنية توالد السير في روايتها، فمن رحم سيرة داملا تولد سيرة الجد الحجّي ومن رحم سيرة الحجّي تولد سيرة كل واحدة من العمّات، ثم تعود سيرة البطلة للظهور في نهاية الرواية، ليكون حديثها عن سيرتها مقتصرا على مفتتح الرواية وختامها، وما بينهما تتكشف سير بطلاتها العمّات والجد وشخصيات أخرى لتكشف من خلالها عن تاريخ بلادها بدءا من الحكم العثماني ومرورا بالاحتلال الفرنسي وانتهاء بالحرب الأهلية التي عصفت بسوريا ولا تزال حتى اليوم. 

The Syrian novel
أحداث الرواية من منظور فتاة سورية جامعية 

ومع أن رواية العمات لتجاربهن مرّت من خلال موشور عين الراوية الشابة التي تنصرف للبحث في الأرشيف العثماني في إسطنبول فإن خصوصية رواية كل احدة من العمات الثلاث لتجربة حياتها احتفظت بطابعها الخاص، ولكن مسارب التجارب الثلاث صبّ في نهاية المطاف برؤية شاملة عبرت عنها رؤية البطلة التي وجدت نفسها تعيش تجارب عماتها أكثر من عيشها في مدينة كوزموبوليتانية مثل إسطنبول. 
عرضت أحداث الرواية من منظور فتاة سورية جامعية تستعيد سيرة عماتها الثلاث من غرفة صغيرة في إسطنبول، عماتها الثلاث اللواتي تولّين تربيتها حينما كانت صغيرة، لكن الأحداث المستعادة تكشف الحقبة الزاهية في تاريخ سوريا قبل الاحتراب الأهلي، فبطلة الرواية تنتمي إلى تل الورد، ففيها نشأت وترعرعت، ثم انتقلت إلى حلب من أجل إكمال دراستها الجامعية، وبعدها انتقلت إلى إسطنبول التي وجدت نفسها فيها وحيدة بعد أن عصفت الحرب الأهلية ببلادها.
عبر فصول متتابعة كشفت بطلة الرواية عن سيرة كل واحدة من عماتها، فخصّت العمة الكبرى بالفصل الثالث وهو بعنوان: "بيضة العقر"، وأفردت الفصل الرابع "حزن أسود" للعمة الوسطى، وأما العمة الصغرى فتروي سيرتها في الفصل الخامس وعنوانه "حمل وهمي"، وفي "علّية رحيمة" وهو عنوان الفصل السادس جمعت البطلة عمّاتها الثلاث في العلّية في ليالي الشتاء الباردة، وكشفت عن مسامراتهن، ومتعهن الخاصة وخلافاتهن وحكاياتهن عن الجن والضباع وغيرها. 
وختمت رواية "عماتي الثلاث" بالفصل السابع "ميراث عماتي" الذي عادت فيه البطلة إلى سيرتها التي قادتها إلى نهاية غامضة بعد أن وجدت نفسها في حالة ضياع متشظية بين الماضي والحاضر، فتتأرجح بين مكانين وزمانين، بين الوطن والمنفى، تعيش بجسدها في إسطنبول، وروحها عالقة في تل الورد، تحيا في الحاضر بروح الماضي وعماتها اللواتي تتمثل أقوالهن وأفعالهن في سلوكها وتصرفاتها، فتتشظى هويتها وتعيش حالة ضياع تقودها إلى مصير مجهول، حيث تختفي في نهاية الرواية بعد العثور على سيارتها التي تعرضت لحادث على طريق غابات بلغراد في شمال اسطنبول، بدون أن تكشف الكاتبة عن مصير بطلتها إن كانت ماتت أو لا تزال على قيد الحياة.