
عناد النقابات يهدد السنة الدراسية في تونس
تونس - قبل نحو 12 يوما من العودة إلى العام الدراسي الجديد في تونس، بدأ التوتر يعود بين وزارة التربية ونقابات التعليم الأساسي والثانوي وسط مخاوف من تداعيات ذلك على المؤسسة التربوية.
وفي 12 أغسطس/آب المنصرم أقرت الهيئة الإدارية للجامعة العامة للتعليم الثانوي، التابعة للاتحاد العام للشغل (أكبر نقابة عمالية) إضرابا عن العودة المدرسية في 16 سبتمبر/الجاري.
وبينما لم يتحدد بعد تاريخ الإضراب، لم تنتظر النقابات العودة المدرسية للبدء بالاحتجاج، بل شرعت بوقفات احتجاجية أمام مندوبيات التعليم (رسمية) بمختلف ولايات البلاد.
وقال توفيق الشابي عضو الجامعة العامة للتعليم الأساسي التابعة لاتحاد الشغل إن "أهم سبب للتوتر الحالي هو ضرب الحق النقابي وانعدام التفاوض بين وزارة التربية والأطراف الاجتماعية (النقابات)".
وأضاف "هناك تنكر والتفاف على الاتفاقات ومحاضر الجلسات بين الوزارة والأطراف الاجتماعية وعدم تطبيقها وتفعيلها وضرب جملة من المكتسبات".
ومن بين أسباب التوتر بين الطرفين هو تعيين مديري المدارس، والذي يتم وفق اتفاقات سابقة بين النقابات ووزارة التربية، وتبدي فيه النقابات رأيها.
وتابع الشابي "تغييب الطرف الاجتماعي في إنجاز حركة النقل الإنسانية وتقريب الأزواج (المدرسين في مواقع العمل) وتغييب الطرف الاجتماعي في تحديد قانون نتج عنه اكتظاظ في الفصول".
وأوضح أن "هناك مدارس يوجد فيها 40 تلميذا في الفصل الواحد، (وهذا) لا يمّكن التلميذ من عدد ساعات مطالب بها في التمدرس، وهذا فيه ضرب للعدالة الاجتماعية".
وحول التفاعل مع الوزير الجديد للتربية نور الدين النوري، قال الشابي "لا تعنينا الأسماء، وإنما تفاعل أي وزير مع مطالب القطاع واستعداده للتفاوض".
وفي 25 أغسطس/اب أجرى الرئيس التونسي قيس سعيد تعديلا موسعا على الحكومة شمل 19 وزيرا و3 كتّاب دولة (نائب وزير)، وحل النوري محل وزيرة التربية سلوى العسكري.
وتابع الشابي: "وجهنا مراسلة إلى الوزير الجديد لتحديد جلسة لحلحلة الواقع وتجنب كل من شأنه توتير العلاقة وجعل العودة المدرسية متوترة".
وأضاف أن "هناك حقيقة لا ننكرها، وهو الوضع المادي المتردي للمربي (المدرس) ونطالب بتحسينه، والجميع يقر بتدهور المقدرة الشرائية وضعف الأجور وهذا لا يتم إلا بالجلوس على طاولة المفاوضات".
وأردف "نراعي الواقع الاقتصادي، لكن هناك قطاعات أخرى تم إبرام اتفاقات معها حول المسائل المالية، بينما التعليم الأساسي حُرم من ذلك، وعندما نتفاوض يمكن أن نجد مخارج نقر بها زيادة (مالية) ثم نتفق على توقيت تفعيلها".
وقال محمد الصافي كاتب عام الجامعة العام للتعليم الثانوي ان وزارة التربية ترفض الحوار وتلتف على محاضر الجلسات التي أُبرمت بيننا".
وأكد بأن "تحركات قطاع التعليم الثانوي تأتي بالشراكة مع التعليم الأساسي ضمن وقفات احتجاجية، على خلفية تعنت سلطة وزارة التربية".
وتابع "الوقفات الاحتجاجية هي قرارات صادرة عن الهيئتين الإداريتين الأولى للتعليم الثانوي (في) 12 أغسطس/اب والثانية للتعليم الأساسي يوم 17 أغسطس/اب".
وتابع "هذه الوقفات هي ردة فعل على ضرب الحق النقابي، وكنا قد عبرنا في بياناتنا وتصريحاتنا أن سلطة الإشراف (الوزارة) تلتف على كل الاتفاقات وتعمل على أن تكون القرارات أحادية الجانب"، حسب الصافي.
وشدد على أن "غلق باب الحوار واقع نعيشه، فلم نعد نجلس لوزارة التربية، حتى وإن جلسنا تكون الجلسة شكلية، وهذا مرفوض".

وبالنسبة للصعوبات الاقتصادية في تونس وضرورة مراعاتها، قال الصافي "لا نرفع أي مطلب مادي بشكل محدد في لوائحنا، وتحديدا اللائحة المهنية الصادرة عن مؤتمرنا الأخير (أكتوبر/تشرين الأول الماضي) ".
وأكد أن "التوتر مع وزارة التربية ليس سببه مطالب مادية، بل مسائل تتعلق بما هو تقييم (للعمل التربوي) واتفاقات، وآخرها محضر جلسة أُبرم بيننا يوم 25 أبريل/نيسان 2024".
وأوضح: "كنا ننتظر أن يقع تفعيل هذه النقاط، ومنها ما يتعلق بالأساتذة النواب (متعاقدين تمت الاستعانة بهم لسد عجز) والنظار والمديرين وتفعيل اتفاق 2019 و2020، وأخرها تشكيل لجنة يُعهد لها معالجة ما ورد في اللائحة المهنية لمؤتمرنا الأخير".
الصافي تابع: "نحن على وعي بأن هناك وضعية صعبة اقتصادية واجتماعية ومناخية، ولكننا لم نجلس بعد لطاولة المفاوضات".
وتساءل "هل يمكن أن نحكم أن قطاع التعليم الثانوي يسعى إلى تعطيل المرفق العمومي كما ادعت الوزيرة السابقة بأننا لا نريد عودة مدرسية هادئة. هذا فيه إجحاف وتشويه للحقائق".
وقال إن "المطلبية سواء كانت مالية أو غيرها مكفولة بالدساتير والمعاهدات الدولية ولا يحق لأحد أن يقف ضدها".
وأضاف أن "الحديث عن التهديد بالإضراب كأننا نستعمل مصطلحا مشحون بعدائية وصدام، لا نهدد ومَن يفهم دواليب (مؤسسات) إدارة الدولة، وفق ما نص عليه الدستور، يفهم أن الإضراب حق تشرعه الدساتير".
وتابع "قلنا ضمن ما صدر عن هيئتنا الإدارية ليوم 12 أغسطس/اب أن مبدأ الإضراب يبقى قائما ونعتبره من أرقى أشكال الاحتجاج، وهذا موكول للهيئة الإدارية التي بقيت في حالة انعقاد".
وأردف "برمجنا مع قطاع التعليم الأساسي لوقفة غضب يوم 11 سبتمبر/ايلول أمام وزارة التربية، إذا بقيت طرق الحوار مسدودة وظلت الوزارة على تعنتها".
ورأى أنه "تعنت لا نجد له مصوّغ، خاصة بعد تحوير (تعديل) وزاري شمل وزارة التربية، وكنا نعتقد أننا سنمر إلى مرحلة جديدة، وهي مرحلة الحوار والتفاوض حول مسائل لا نراها معقدة بالمرة".
وقال الصافي إن "الوضع التربوي في علاقة بالبنية التحتية وموازنات المؤسسات التربية والمحتويات والبرامج والزمن المدرسي، وكل ما يمكن أن يكون ذا صلة بالمنظومة التربوية يحتاج إلى مراجعة حقيقية ".
وتابع أن "الإصلاحات لا يمكن إنجازها في حيز زمني قصير، لكن تبقى هناك مسائل مستعجلة من قبيل توفير كل المعدات داخل المؤسسات التربوية".
وأردف: "هناك 7 آلاف (حالة) شغور في المدرسين في المدارس الإعدادية والمعاهد ثانوية وأكثر من 100 ألف تلميذ ينقطعون عن المدارس، ونحن من الدول المرتبة في الصفوف الأولى من حالات العنف".
وشدد على أن "تحركاتنا لا علاقة لها بأي أجندات (سياسية)، بل بإيماننا بالمدرسة العمومية وتهيئة الظروف الملائمة لأبنائنا التلاميذ".
وخلال تسلمه مهامه، تحدث الوزير نور الدين النوري عن "ضرورة مواصلة الإصلاح وتلبية حاجيات الأسرة التربوية".
وشدّد على "أهمية إحكام التنسيق بين الإدارات المركزية والمندوبيات الجهوية للتربية، لتحقيق التكامل والانسجام والنجاعة في العمل".
وقال إن "العمل المستقبلي سيعتمد على مقاربة تشاركية، بحيث تشرك جميع كفاءات الوزارة لتحقيق أقصى ما يمكن من الأهداف المرسومة".
ووفق أرقام رسمية للعام الدراسي 2023 - 2024، بلغ عدد التلاميذ مليونان و356 ألف و630 في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية. فيما بلغ عدد المدرسين القارين (رسميين) والمتعاقدين 156 ألفا و234 مدرسا للمراحل كافة، يتوزعون على 6 آلاف و139 مؤسسة تربوية.