'عن الآباء والأبناء' يفضح صناعة العنف لدى أطفال سوريا

فيلم وثائقي للمخرج طلال ديركي يتتبّع خطوات نموّ التشدد الديني في سوريا في ظلّ حرب طاحنة تعصف بها منذ سنوات.
الفيلم يضجّ بالتفاصيل، إلا أن المرأة تغيب عنه تماما

دمشق – يضحك بضعة أطفال وهم يلعبون في ساحة مغبّرة في إحدى قرى شمال سوريا، لكن ما يلهون به ليس لعبة من ألعاب الأطفال بل تدريب على قسوة القلب استعدادا لحياة العنف المقبلة.
ولعبة قتل الدجاج هذه هي من أقسى مشاهد الفيلم الوثائقي "عن الآباء والأبناء" للمخرج السوري طلال ديركي، الذي يتتبّع خطوات نموّ التشدد الديني في سوريا في ظلّ الحرب الطاحنة التي تعصف بها منذ سنوات.
ويقول المخرج "كنت أرى طفلي ذا الأعوام الستة من خلال عدسة التصوير".
على مدى أكثر من عامين، أقام ديركي مع عائلة متشدّدة في شمال سوريا على مقربة من الحدود مع تركيا، موجّها عدسته بشكل أساسي إلى الأطفال، راصدا تدرّجهم في طريق العنف.

'عن الآباء والأبناء'
امتداد لفيلم العودة إلى حمص

ونتج عن تلك الرحلة فيلم وثائقي فريد من نوعه يُدخل المُشاهد في 98 دقيقة إلى الحياة اليومية لعائلات المقاتلين الإسلاميين المتشددين في سوريا، في ذروة صعودهم الذي يصفه المخرج البالغ 41 عاما بأنه كابوس.
عُرض الفيلم الخميس في الولايات المتحدة، وفاز بجائزة سينما العالم الوثائقية في مهرجان ساندانس قبل أشهر.
وسبق هذا العمل فيلم وثائقي آخر لطلال ديركي هو "العودة إلى حمص"، وهو فاز أيضا بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان ساندانس العام 2014.

يتتبع فيلم "عن الآباء والأبناء" عائلة أبوأسامة، وهو أحد مؤسسي جبهة النصرة في سوريا، وهو يربّي ابنيه أسامة (13 عاما)، وأيمن (12 عاما) على طريق "الجهاد". وهما سُمّيا كذلك تيّمنا بأسامة بن لادن وأيمن الظواهري.
تمكّن طلال ديركي المقيم حاليا في برلين من كسب ثقة أبوأسامة، مقدّما نفسه على أنه مصوّر حربي متعاطف مع الجهاديين، وبذلك تمكن من الولوج إلى عالم لا يسهل دخوله عادة.
يصوّر الفيلم التحوّل المرعب لفتيين من طفلين بريئين إلى مقاتلين متشددين.
ويقول ديركي "هذا الفيلم يجعلك تفهم كيف يعمل العقل..العنف موجود في كلّ شيء، في اللغة والتعليم، في كلّ لحظة".
لا تغيب مشاهد من الفيلم عن ذهن المخرج، كما يقول، ولا سيما مشهد طفل يلهو بقنبلة موقوتة.
وفي مشهد آخر، يباهي أحد الطفلين أمام أبيه بأنه قتل طيرا صغيرا، ويقول له "نضع رأسه إلى الأسفل ونقطعه، كما فعلت أنت مع ذاك الرجل".
ومع أن الفيلم يضجّ بالتفاصيل، إلا أن المرأة تغيب عنه تماما.
ويشرح المخرج ذلك بالقول "النساء أكبر الضحايا في ذاك المجتمع، عشت هناك سنتين ونصف السنة ولا أعرف شيئا عن والدة الطفلين".
ويقول "لا أعرف لها اسما، ولم أسمع لها صوتا".

ويشرح ديركي الفرق بين فيلمه الأول "العودة إلى الحمص" والثاني "عن الآباء والأبناء" قائلا إن الأول يتّتبع بداية الاحتجاجات السورية وقمع النظام الشديد لها، أما الثاني فهو يبيّن كيف انزلقت سوريا إلى دوامة الفوضى.

هذا الفيلم يجعلك تفهم كيف يعمل العقل..العنف موجود في كلّ شيء، في اللغة والتعليم

ويقول "علينا أن نستخدم سلاحنا، وهو السينما، لنشرح ما يجري هناك، ومن هم أولئك الناس، وكيف تُغسل عقول المجتمعات".
ويضيف "علينا أن نفكّر قبل أن نقصف أي منطقة، قبل أن نترك أي حاكم مستبدّ يقتل شعبه بالأسلحة الثقيلة".
ما زالت مشاهد العنف مطبوعة في ذهن طلال ديركي، ومنذ أن أنهى تصوير الفيلم لم تفارقه الكوابيس، وصار يحتاج أقراصا مهدّئة لينام.
وقد دقّ أوشاماً على جسمه لكي لا تحدّثه نفسه بالعودة مرة ثانية إلى مناطق المتشددين في سوريا.